بطولات عظيمة وأعمال تستحق الثناء قام بها أشخاص نصفها بالتفرد.
كانوا أعلاما وصيتهم يملأ الدنيا وأصبحوا لا نعرفهم ولا نعرف سيرتهم فسحقا لغزاة التاريخ .
سنسلط الضوء على أشخاص قل ذكرها وعظم عملها يجهلم عموم الناس من خلال عدة مقالات .
بينما كنت أشاهد التلفاز استوقفتني مشاهد لأحد الأفلام الأجنبية في أحد القنوات ، فيلم بعنوان قراصنة الكاريبي يعرض الفيلم فكرة القرصنة والسلب والنهب في البحار ، ولكن الفكرة التي يروج لها الفيلم أعمق من ذلك بكثير .
الفيلم يغزو تراثنا وتاريخنا الإسلامي ويشوه تاريخ “خير الدين باربروسا “
فمن منا يعلم سيرته وبطولاته؟
خير الدين باربروسا أو خضر ريس هو مقاتل بحري وأميرال في البحرية العثمانية أمنت انتصاراته البحرية الهيمنة العثمانية على البحر المتوسط في منتصف القرن السادس عشر.
وُلد خير الدين في لسبوس، وبدأ حياته العملية كبحار ومقاتل بحري تحت إشراف شقيقه الأكبر عروج ريس ، وفي عام 1516م حرر الشقيقان الجزائر من الاحتلال الإسپاني، وأعلن عروج نفسه سلطاناً عليها . وبعد وفاة عروج عام 1518م، ورث خير الدين لقب شقيقه، “بربروسا” (ذو اللحية الحمراء). كما حصل على اسماً فخرياً “خير الدين”. عام 1529م، استعاد بربروسا حصن الصخرة من الإسپان.
عام 1533م، عُين بربروس (كبير أميرالات) البحرية العثمانية من قبل السلطان سليمان القانوني. قاد بربروس السفارة لدى فرنسا في العام نفسه، وفتح تونس عام 1534م وأحرز انتصاراً حاسماً على الرابطة المقدسة في بروزة عام 1538م حيث انتصر فيها على الاسطول الأوربي المؤلف من 600 قطعة بحرية وأسر ما يزيد عن 3000 آلاف مقاتل دون خسارة أي قطعة عثمانية وصولاً لحصار نيس و العسكرة داخل ميناء طولون وقام بحملات مشتركة مع الفرنسيين في أربعينيات القرن السادس عشر.
بينما الحدث الأكبر بحياة بربروسا بنظر الكثيرين تلبية نداء الأندلسيين المسلمين لإنقاذهم من حملات الإبادة الإسبانية، حيث كان لبربروسا موقف مشرف تجاه مسلمي الأندلس الذين كانوا يعانون من الاضطهاد والتميز العنصري في أقسى صوره على يد الكنيسة الكاثوليكية واتباعها إثر سقوط دولة الأندلس الإسلامية سنة 897 للهجرة الموافق لسنة 1492 للميلاد، حيث اعتمدت مبدأ التطهير العرقي للقضاء على المسلمين فيها، وذلك بعد أن أعطى ملك اسبانيا فريداند وزوجته ايزابيلا وعود كثير لملك الاندلس محمد الثاني عشر قبل استسلامه بعدم التعرض للمسلمين.
وسرعان ما نكث الإسبان بالعهد وبدأت للكنيسة الكاثوليكية بفعل ما تشاء بحق مسلمي الأندلس الذين سقتهم الويلات، فقد عمدت إلى قتلهم وتعذيبهم داخل معتقلات مظلمة تحت الأرض عرفت بمحاكم التفتيش، والتي بدورها بدأت بارتكاب الفظائع والجرائم التي لا تعد ولا تحصى بحق المسلمين، من قتل جماعي وتشريد واعتقال، ويذكر المؤرخين بأن محاكم التفتيش أجبرت آلاف الأندلسيون على ترك الإسلام والدخول بالدين النصراني، كما أجبرتهم على حرق ما يملكونه من نسخ للقرآن الكريم والكتب الإسلامية والعربية بمختلف المجالات، والتي كانت تعتبر بمثابة كنزٍ لا يقدر بثمن يتفاخر به الأندلسيون، آلاف المسلمين قتلوا أثناء الحملات الكاثوليكية في حين نجح آخرون بالهروب إلى دول شمال إفريقيا والقسم الأكبر منهم بقي عالقاً تحت رحمة محاكم محاكم التفتيش العنصرية.
في هذه الأثناء كان عروج بربروسا شقيق القائد خير الدين قد ذاع صيته في البحار وبدأت دولته الفتية التي أسسها في الجزائر تنمو وتتوسع بشكل ملحوظ، لاسيما بعد نجاحه بطرد الإسبان من السواحل التي احتلوها شمال إفريقيا كما نجح بضم مصر إلى دولته وبعث برسالة للسلطان العثماني سليم الأول يعلن فيها عن ولائه وطاعته لدولة الخلافة العثمانية.
عندها استشعر الإسبان خطر الدولة الفتية فأعدوا حملة ضخمة مكونة من 15 ألف مقاتل للقضاء عليها، وبالفعل تمكنوا من التوغل داخل الجزائر وحاصروا مدينة تلمسان التي كان يتحصن فيها الحاكم عروج وتمكنوا من قتله برفقة شقيقه إلياس سنة 1518 للميلاد، فأقترح وجهاء الجزائر على القائد خير الدين خلافة شقيقه الأكبر وأصبح بذلك حاكماً لولاية الجزائر العثمانية.
على إثر ذلك طلب السلطان سليم الأول من بربروسا إنقاذ مسلمي الأندلس فأبحر من أقصى الشرق في تركيا إلى أقصى الغرب في الأندلس لمحاربة الجيوش الصليبية (الإسبانية، والبرتغالية، والإيطالية، وسفن القديس يوحنا). وبالفعل نحج في اختراق حصون الصليبين والسيطرة على مدن غرب الأندلس، و تمّ نقل 70 ألف مسلم أندلسي في أسطول مؤلف من 36 سفينة، في سبع رحلات في عام 1529، وتم تأمينهم في الجزائر وتوطّنوا فيها.