Site icon masr 306

“أحمد أبو صالح” يكتب: خطيئة الرغيف ..!!!

المصريون هم الشعب الوحيد بالدنيا الذي تحمل دلالات أسماء أشياءه و شخصياته معني وهوية ما يمثله هذا الشخص أو هذا الشئ لهم، وهذا ما ينطبق تماماً علي رغيف الخبز الذي يطلق عليه المصريين إسم دلالي هو “العيش”، هذه الكلمة التي تحمل معاني واضحة لا لبس ولا شك فيها ، فرغيف العيش الذي أُنهك المصريين في البحث عنه منذ قرون يمثل الحياة والعيش لهم.

والغالبية العظمي من الأسر المصرية تعتمد علي هذا الرغيف كأساس لحياتهم الغذائية- بما يقدر بـ 71  مليون نسمة، فالرغيف هو شريك أساسي بكل الوجبات علي المائدة المصرية، لذا فإن أي محاولة للعبث أو المساس به يمثل مساساً بعيشة وصلب حياة المصريين الغذائية.

وأغلب ثورات المصريين كانت بسبب العيش بمعناه العام، فالمصري لم يثُر أبدا أو يتحرك يوماً من مكانه لسبب طبقي أو لطموح بالسلطة أو حتي بالثروة، كل هبات المصريين كانت بسبب المأكل أو المشرب، مثلما حصل قديما فيما يعرف بالشدة المستنصرية وما قبلها من أعوام سباع عجاف حذرنا منها النبي يوسف الصديق عليه السلام، أو ما حدث بالماضي القريب يوم 17 يناير 1977 عندما حاول الرئيس الراحل أنور السادات تحرير سعر بعض السلع الغذائية الأسياسية كالأرز والخبز والسكر والزيت بنسب تتراوح ما بين 25 % إلي 50 %، فكانت النتيجة ثورة عارمة تسببت في كثير من الدمار والتخريب وتشويه المعني الحضاري للدولة والشعب المنتصر في الحرب الأبدية مع الكيان والمستعمر الصهيوني، هذا الشعب المسالم تحول في لحظة لكائن غاضب مدمر، بعد أن كان منذ شهور يضحي بكل غالي ونفيس من أجل تحرير أراضه المغتصبة واسترداد كرامته، ومن أجل ذات الرجل الذي إنقلب عليه بعد أن صدقه وسار ورائه ..!!

..إذا فالتعامل مع هذا الكائن خصوصاً فيما يتعلق بالمأكل والمشرب يستلزم الحذر والحيطة، حتي وإن كان سعر الرغيف المدعم لم يتحرك أو يتغير منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي…!!!

ولماذا يتم تحريك سعر رغيف العيش في هذا التوقيت القاسي الضاغط علي جموع المصريين، كما أن هذا الرغيف ذاته تعرض للبتر والنقصان منذ عام واحد مضي، وفقد 30 جراماً من وزنه ليصبح 90 فقط بعد أن كان 120 جراماً، كما أن شكل حياة المصريين كلها قد تغيرت فلقد إرتفعت أسعار كل شئ منذ تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016، أي منذ أقل من خمس سنوات فقط، فلماذا نعود اليوم ونستفز هذا الوحش الجاهز للثورة دائما ونضع أيدينا بين فكيه ؟!!.

سيادة الرئيس

نعلم أن التحديات جسام والوضع مركب والغموض هو سيد الموقف، وأن ما هو غاطس بالأعماق أكبر بكثير مما هو ظاهر لأعيننا، وأن المحيط الذي نعيش فيه يمتلأ بالاضطراب والحروب والإقتتال وأن مصير الدولة المصرية كلها مهدداً، سواء فيما يتعلق بما يدور في منابع النيل، أو ما يحدث علي حدودنا المترامية، ولكن هل يرضي أي وطني مخلص شريف بأن يُزج بوطنه وأهله في إلهاء صاخب غير مضمون محمود العواقب، إلهاء قد يحمل في طياته إضطراباً يؤكل فيه الرئيس ويُلهي فيه الوطن بتشنجات ومشاحنات قد تصل لحد الحرب الأهلية ما بين فقراءه الكثر وأغنياءه القلة، خصوصاً في وقت عصيب أخبار الحروب والإقتتال هي المانشت والعنوان الرئيسي بكل وسائل الإعلام؟

.. ولماذا الفقير دائماً هو المسئول عن تحمل تبعات سياسات قديمة غشيمة لم تهدف للصالح العام يوماً..؟!!

سيادة الرئيس إن المصري منذ عام 1948 وما قبلها بكثير لم يعرف معني الحياة الكريمة الهنية فكل حياته منغصات وضغوط وحروب لم تنتهي منذ ذلك التاريخ و سلسلال من الشهداء الأبرار لم ينضب حتي اليوم، ألم يحن الوقت لنرحم هذا الشعب وألا نقسو عليه ؟

.. فلماذا لا تُفرض ضرائب بسيطة علي الأثرياء، ضريبة لا تتخطي الـ 1 % علي الشقق والقصور والطائرات والسيارات والجواهر الفارهة التي تسعر أثمنها بمئات الآلاف وبملايين الدولارات، ولماذا تُجمد ضريبة الأرباح الرأسمالية علي المضاربة بالبورصة ؟.. أتعد البورصة نشاطاً صناعياً إنتاجياً يخلق فرص العمل والتشغيل ؟.. ولماذا لا يتم تطبيق ضريبة تصاعدية عشرية بسيط علي كل من تجاوز أرباح ماله المليون جنيه ؟.. ولماذا لا نكافح ونحارب التهرب الضريبي ونضرب بيد من فولاذ علي كل من تسول له نفسه التهرب من أداء واجب مستحق لوطن يعيش ظروفاً قاسية وصعبة.

وحقيقة إن أحصينا يوماً شرفاء هذا الوطن من رجال الصناعة والأعمال، سنجد أن أعدادهم لن يتجاوز المائة رجل بداية من مؤسس الإقتصاد المصري الحديث طلعت بيك حرب وحتي رجال هذه الأيام، فلماذا نعاملهم بكل هذا الدلع والترف والحنية…!!!

طلعت حرب

ملايين الغاضبين

خصوصاً وأن هناك بعض الإشارات المقلقة، فعندما تتابع ردود أفعال الجماهير بوسائل المواصلات وبالأماكن العامة ستجد أن من بين كل تجمع لخمسة واحداً غاضباً أو رافضاً للسياسات والإجراءات الحكومية، وهي نسبة تقدر بـ20 %، كما أنك عندما تتأمل أعداد المتابعين لقنوات الشر ومذيعيها علي قنوات ووسائل التواصل الإجتماعي المختلفة، ستجد أن أغلب هذه القنوات والصفحات يتراوح أعداد متابعيها ما بين 800 ألف إلي  2.5 مليون متابع، أي أننا بالمتوسط أمام ما يزيد عن 1.5 مليون كاره واضحي الهوية والإتجاه، وجاهزين للتحرك علي وسائل التشويه الإجتماعي وبالشوارع والميادين لإحراج البلاد وإنهاك دولة 30 يونيو وإظهارها في شكل الدولة العاجزة الفاشلة.

كل هذا يستدعي الحذر والتهدئة، فتَحرِك الشارع وتثويره هو خطر عظيم، والمكتسبات والإنجازات التي تحققت كثيرة فعلاً، ولكن علينا ألا نغفل صناع الشر وكارهي هذا الوطن وهم بمئات الآلاف، هذا بالإضافة لفئات الغاضبين وهم بعشرات الملايين، والقرارات الإقتصادية الأخيرة كانت غاية في القسوة علي هذه الفئات وهؤلاء البسطاء، ويجب علينا ألا نسمح لصناع الشر وكارهي هذا الوطن وأصحاب المصالح والأجندات من العبث بعقولهم، فالجائع الغاضب لا يؤتمن عقابه، وحتي لا تكون خطيئة الرغيف هي القشة التي قسمت ظهر البعير… 

     

Exit mobile version