Site icon مصر 30/6

“أحمد إبراهيم” يكتب “سماء وسبعة بحور” .. روح أورسالم ..!!!

أشعلت حرب السابع من أكتوبر 2023 وما تبعها من صمود فلسطيني ضجيجاً لم ولن يهدأ، وهذا الضجيج ليس بضجيج الحرب وصوت إنفجارت قنابل وصواريخ القسام وفرقعات عبوات الياسين في مجنزات العدو ومدرعاته، ولكنه ضجيج من نوع آخر، يعتمل في النفس ويُثور الروح ويستحضر إجابات لأسئلة شائكة معقدة معلقة تُعيد ذاتها دائما علي الروح والعقل والوجدان ..

تغريبة طوقان

.. وإن كان الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان ” 19051941 ” قد أنشد ممجداً متغزلاً بأحد المجاهدين المقاومين في قصيدته الشهيرة “التغريبة الفلسطنية” .. قائلا ..

هو بالباب واقف والردي من خائف

فاهدأي يا عواصف خجلاً من جرأته

صامتاً لو تكلما لفظ النار دما ..

واصفاً بأبياته معالم بطل فدائي ومقاوم فلسطيني آبان الإحتلال البريطاني وبدايات بديله وتابعه الصهيوني، فإنه قبل ثمانية عقود من الآن قد أدرك بحسه الفني ورهافته الفكرية، أن قضية النضال الفلسطيني قائمة دائمة، وأن أرض الصمود ستلد فدائيها جيلاً بعد جيل، وأن بحر التضحيات لن تتوقف أمواجه من أجل قضية أرض مقدسة تصل الأرض بالسماء في أقصر وأجل طرقاتها ..

فمشاعل المقاومة سواء أكانت المقاومة الناعمة أو المسلحة، لا زالت الأيادي والأكف تُمد واحداً بعد الأخري لتلتقطها رافعة هاماتها للسماء من أجل بقاء القضية الفلسطينية قائمة للأبد مهما طال زمن الظلام والظلم والجبروت، فعُقد المقاومة الناعمة لازالت لآلئه وحباته تزداد حبة ولؤلؤة يوماً بعد يوم … 

الروائي ناجي الناجي

 العم أبو أدهم

.. ورواية “سماء وسبعة بحور” للكاتب والدبلوماسي “ناجي الناجي” تأخذك لعالم المدينة العتيقة “القدس” فتشم عبيرها وتزيبك بملامح أهلها الطيبين الصامدين رغم العزبات والمغريات ومحاولات التهجير والإبعاد الدائمة المستمرة للاستيلاء علي الأرض بما فوقها، وأيضا تُغرقك وتقحمك بأجواء الآماكن وبين المعالم الفلسطينية التاريخية “العثمانية والمملوكية”، فـ”زياد” بطل الرواية الفلسطيني المُثقف المُهجر يحلم بزيارة بلاده وأرضه المقدسة بعد أن عاش مبعداً عنها، ليتحقق الحلم علي يد زوجته بزيارة بلاده الجميلة أو – قطعه من الجنة – كما وصفها، ومن خلال هذه الزيارة يري زياد ويعرف ونعرف معه معني الإحتلال الصهيوني للأراضي المقدسة، وماذا أصاب هذه الأرض والبلاد من تخريب ودمار منذ أن وطأت قدمه جسر العبور للأراضي الفلسطينية ومروره علي مدينة جنين ومخيمها الشهيرة المبني سنة 1953 وما أصاب أهله نتيجة للمجازر المتكررة التي إرتكبها الصهاينة، لتكون زيارة رام الله والدخول إلي القدس أهم محطات التغريبة والترحال بهذا العمل الهام، خصوصاً عندما توقفنا معه عند العجوز العم أبو أدهم الأصم الذي يعيش ظروفاً مستحيلة رافضاً كل مغريات وضغوط التهجير الصهيونية عن الأرض المقدسة، ليكون هذا العجوز الأصم معبراً عن روح الصمود الفلسطنية العربية وسر التعلق والتضحية من أجل هذه البقعة من الأرض العربية لتكون مدينة القدس أو- أورسالم القديمة – مضموناً واختصاراً لروح الإنتماء العربي الإسلامي المسيحي.

 إن زيارات وترحال البطل زياد للمدن الفلسطنية وتنقله الزمني والمكاني بين مدن وأزمنة أخري، هي رحلة من الترحال الطويل المجهد وجدانياً وفكرياً، رحلة ترفض بكل تفاصيلها المحولات الصهيونية للتهحير والتهويد، لتؤكد أن الأرض الفلسطنية العربية لن تطمس ولن يصيبها ما أصاب غيرها.

الهنود الحمر

فإن كان التخطيط الصهيوني هو إعادة تكرار مذابح الأميريكان والإبادة الجماعية للهنود الحمر طيلة أربعة قرون والتي إنتهت عام 1890 بمذبحة الركبة الجريحة، فإن التاريخ من الصعب بل ومن المستحيل أن يعيد نفسه، ذلك لأن هناك شعباً حقيقياً له أثره الجغرافي وتراثه الحضاري وأيضاً يقف خلفه أياد تقاوم وتقاتل، كما أن الشعب الفلسطيني هو قطعة من نسيج عربي قوامه 400  مليون إنسان، وهو  عضواً بكيان وجسد أكبر تعتاده ملياري مسلم، وليس مجموعات متناثرة من البشر تعيش حياة بدائية.

   هولوكست حضاري

كما أن عمليات الإبادة والتجهير شهدت أولي فصولها قبل وعد بلفور 1917 فمنذ عام 1895 وهم بخفة وتلطف يستولون علي كل ما هو قيم وتراثي، كما خطط زعيمهم ثيودور هرتزل، إضافة إلي أن عمليات التهويد وسرقة كل الممتلكات التراثية والتايخية لم تُجدي نفعاً في ظل تطور وانتشار آليات التوثيق المرئية وانكشاف المزاعم الصهيونية دولياً وعالمياً وهو ما تمثل من حراك لجماهير أوروبية لم تكن تعلم شيئاً عن فلسطين أو القدس، إضافة لتراجع وتضامن بعض الساسة الغربيين والأميريكان، وكذلك ما صدر مؤخراً من قرارات بمحكمة العدل الدولية.          

الجيل الثالث

إن رواية ناجي الناجي تتجاوز الأرض الفلسطنية، ببعدها المكاني الجغرافي لتكسبها ملامح وجدانية وتلبثها ثوباً روحانياً نفسياً يخالط الوجدان ليجيب عن أسئلة شائكة أهمهما وأكثرها وأعلاها ضجيجاً،  هل تموت القضية الفلسطنية وهل تختفي القدس خلف الهيكل الصهيوني المزعوم …؟

وهو صراحة ما تجيب عنه الرواية كحالة توثقية ووجدانية لمشاعر وأفكار مُهجر فلسطيني، وكإنتاج أدبي مقاوم، كما أن الأحداث التي نراها كل يوم بالحرب الدائرة الآن في غزة والتي راح فيها عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين، تؤكد أننا أمام جيل فلسطيني ثالث أكثر وعياً وأوسع حركة من سابقيه، كما أنه منذ السابع من أكتوبر لم يستطع الكيان الصهيوني أن يحقق أي نجاح عسكري ملموس بالرغم من أنه واحداً من أكبر جيوش العالم عداداً وتصنيعاً للسلاح وهو ما يشير بأننا أمام جيل جديد من المقاومين المقاتلين الأكثر شراسة وتطوراً وعنفواً يعيد كتابة التاريخ بشكل ما جديد وقد يفلح ويعيد ترتيب وضبط الجغرافيا كما نريد، أو كما قال وأرخ البطل “زياد” في آخر سطور الرواية ً .. إياك أن تُشعر التاريخ بأنه علي الهامش، التاريخ ليس ما كان، التاريخ هو اليوم وما سيكون، وهو من يصنع الجغرافيا ..

Exit mobile version