“أحمد إبراهيم” يكتب: فيلم “بعلم الوصول” .. النافذة ..!!
.. يبدو أنه قد كُتب علينا أن تري أعيوننا وتُدرب حواسنا علي الردئ من كل ما هو مرئي، ولا زال السؤال الأزلي يطرح نفسه كل يوم، طالما لدينا صناع وفنانين قادرين علي تقديم أفلام جادة تخاطب عقولنا وأفئدتنا، فلماذا نوأد هذه الطاقات وهذه المواهب المستنيرة .. التي تحمل مشاعل النور، وتهدف لإنضاج جوارح الإنسان وحواسه لا غرائزه..
مجتمع قاسٍ
.. إن قسوة المجتمع وغياب الذوق العام ومن بعده إنحدار القيم والأخلاق، نحن المثقفين والمبدعين السبب فيه، فلقد تركنا الردئ السئ يرتع ويلعب ويلهو بعقولنا وعقول أبنائنا حتي تصدر المشهد علي حساب القيم الرفيعة والسلوكيات النبيلة،
وفيلم “بعلم الوصول” إنتاج 2019 والذي عُرض عرضاً جماهيراً بقاعة سينما معهد جوته بوسط البلد،
والذي يعرض أفلاماً كل مساء الاربعاء الثاني من كل شهر ،
يؤكد هذه الظاهرة أو بالأدق الحقيقة المُرة التي أصابت مجتمعنا بمن يعيش فيه، مجتمعنا إبن النهر والخضرة والسماء الصافية صب غضبه وقسوته علي من يعيش به، فالبطلة “هالة” أو الفنانة بسمة، تعاني من بعض الإضطرابات النفسية التي تُسبب لها هلاوس بصرية وكوابيس ليلية تزورها أثناء منامها، وهو ما يسبب لها الأرق والإحساس بالإضطراب والإنضغاط الدائم، ولكن زوجها “خالد” أو الفنان “محمد سرحان” المصرفي الشعبي إبن البلد الأصيل، يساندها في هذه الظروف القاسية، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، ويتعرض خالد لخطأ مالي مهني يتسبب في سجنه لحين ظهور الحقيقة، وهنا تنقلب الآية، وتتبدل هالة لشخصية ضد وعكس الضعف والوهن والإضطراب، شخصية قوية صامدة ومناضلة، تراعي إبنتها وأختها القاصر، وتتابع قضية زوجها المسجون، بل وتبحث عن السيدة التي تسببت بالخطأ المالي الذي أدي به للسجن، وبالفعل تنجح “هاله” وحدها فيما لم تفلح به وهي في حضن وظل زوجها ..
إن “بعلم الوصول” فيلم ذو أبعاد نفسية ومحمل برموز كثيرة، تحقق تنوع وتعدد بالقراءات، ولكن في النهاية نحن أمام فيلم فلسفي يؤمن بالإنسان ويفجر طاقاته في أسوء الظروف وأحلكها ..
بسمة
إن أداء شخصية “هاله” المضطربة المطحونة والمضغوطه بسبب الظروف والمجتمع، يستلزمها نوع من الممثلات التي يمكنها الإستغناء عن أي نوع من أنواع التجميل أو الظهور البراق علي الشاشة، أي أن شخصية هاله المعقدة الصعبة هذه تحتاج لممثلة تتمكن من اللعب مع مشاعرها وأفكارها الدفينة المضطربة القلقة غالباً، وهو ما قامت به “بسمة” وأدته بحرفية ودون مبالغة، في جرأة فنية تحسب لها .. فأن تُقبل فنانة علي أداء وتمثيل شخصية دون مكياج أو إكسسوار أو ملابس مبهرة جذابة، أمراً لا يتكرر إلا نادراً …
النافذة
.. كم هو مؤلم أن يظل الإنسان أسيراً لظروفه دون البحث عن نافذة تفجر طاقاته ومواهبه، وهذا ما يطرحه الفيلم فـ “نعمة” الأخت الصغري للبطلة تعبر كل ظروفها الصعبة القاسية، من وفاة الأب قبل ميلادها، كما تتجاوز تلسين الجيران عليها وإتهام أختها بالمجنونة وزوج أختها بالحرامي، بالرسم، فالرسم وحده هو عالمها الذي تعيشه وتري نفسها به، وهو ما اكتشفته وتعلمته بعد ذلك الأخت الكبري البطلة “هاله” التي عرفت نفسها بالكتابة والحكي والتصريح بكل ضغوتها بل والتخلي عنها بالكتابة علي الورق ..
إن فيلم “بعلم الوصول” لهشام صقر مخرج الفيلم ومؤلفه، هو التجربة الأولي له علي الشاشة البيضاء، والتي قدمها للناس مع بداية العام 2020 وهو الفيلم الذي شارك بالعديد من المهرجانات وحاز علي العديد من الجوائز، وإن كان بالفيلم بعض الأخطاء البسيطة، كطول بعض المشاهد واللقطات دون تقديم معلومة أو حتي تحقيق متعة بصرية أو حتي موسيقية من خلال الموسيقي التصويرية، إلا أنه في النهاية عمل سينمائي متميز، لا يحتاج صناعه سوي نافذة للتواجد بين كافة السينمائين المنتشريين بيننا ويقدمون أفلاماً لا قيمة لها ..