“أحمد إبراهيم” يكتب: معرض “أصداء السكون” .. لغة الصمت …!!!
ahmed ibrahim
قليلون هم القادرون علي تطويع الظلال والنور لتجسيد صوراً معنوية أو حتي حسية للحظات حية تلهب خيالك وتشغل تفكيرك وتدفعك لتداول الحديث مع هذه اللوحة الفنية أو تلك، لتنبأك عن مكنوناتها وسر جمالها ..
والفنان روماني حافظ في معرضه الأخير “أصداء السكون” لم يكتفي بتطويع النور ومداعبة ظلاله ليخرج لنا كادرات ولقطات ذات مدلولات ومعاني كثيرة، بل لقد استطاع تطويع الخشب والحجر من أسوار وأعمدة وقباء وسلالم حجرية إضافة للصور المرسومة مستثمراً كل إنتاج الفكر الإنساني من فنون تشكيلية كالنحت والرسم والعمارة، ليخرج لنا أعمالاً قيمة تمتلأ بكل معاني الحياة من حركة وإيقاع بل ومن موسيقي وتراتيل .. أسلوب مميز من التفكير البصري وموهبة فريدة تخرج علينا كل بضع سنين بمعرض هام يضاف لأرشيف فن التصوير الفوتوغرافي العربي والقبطي، مسجلاً المزيد من الروائع والإبدعات الجميلة للفكر الإنساني والتي لا شك ستبقي خالدة ..
الفنان روماني حافظ
.. لغة الصمت ..
.. فمن قلب معالم وتفاصيل الأديرة والكنائس القابعة بقلب وأوصال مصر، إختار حافظ بؤرته ليحقق وهجه الفني وتألقه الإبداعي ومكاناً لإلتقاط تفاصيل لوحاته .. تأنٍ مزهل وترقب عجيب من انتظار لحظات استأناس النور بالمكان ليُكون مع تفاصيله من أعمدة وقباء ومزركشات وعتبات سلالم خطوط للحركة وللحياة – لغة هامسة تخبرك عمن كانوا هنا من بشر؛ قسيسين ورهبان يعبدون الله يَهتدون ويهدون بنور الحب – كادرات سجلها حافظ باللونين الأبيض والأسود ليعبر بهما عن عراقة المكان ودفأ حياة من كانوا هنا …
.. بل من الواضج أن حافظ عمد لاستخدام أساليب قديمة تبدو بدائية في تحميض كادراته مستخدماً المحاليل الكيميائية والطرق اليدوية القديمة المعقدة، مبتعداً عن كل منجزات العصر من تكنولوجيا تسهل عمل الفنان وتتدخل بشكل حاسم في أعماله وتحولها عن مسارتها الإبداعية لتكون لوحات جامدة بلا روح أو فن، وهذا ما نجا منه حافظ وقدم منظوره البصري بشكل بسيط التكوينات سهل الإضاءة رائق التفاصيل، يحقق بكادراته إيقاعات من الحركة التي تمتلأ بالمعاني وبالحياة، وحقيقة هذه هي الصورة الثرية التي تخبرنا بأمرٍ ما يثير فضول العقل قبل العين ..
.. تنوع وثراء ..
.. ولوحات معرض روماني حافظ العشرين تمتلأ بالتنوع والثراء فهناك من تري بها خطوط أفقية واضحة لحركة الأعمدة والجدران تسقط عليها خطوط رأسية لحزم من نور، مكونة نوعاً من الحياة والإمتداد لهذا الممر أو ذاك، والذي لا شك كانت له أهميته لمن عاشوا هنا – استثمروه في سمرهم وفي تداول أحاديثهم وفي الولوج منه إلي مآربهم وأغراضهم الحياتية – ..
وهذا أيضاً ما تكرر إبداعياً ولكن بشكل مختلف مع لوحة تمتلأ بتفاصيل من الحركة والحياة سلالم صاعدة لأعلي تتقاطع مع بؤر من النور والظلال كل هذا يؤدي إلي حجرات أو محاريب للعبادة ..
وفي زاوية أخري يلتقط حافظ منظوراً بصرياً رائعاً؛ فالصليب الخشبي أعلي قبة دائرية يحيطه النور تحتضنه الظلال وتكوينات من جدران منحنينة دائرية، منظوراً جمع الظل بالنور بالحجر مكوناً رمزاً وبعداً دينياً مهيباً دافئاً ..
وحقيقة إن روماني حافظ فنان نادر لا يعرف الركون إلي موضوع معين أو مضمون متكرر، فهو يجيد التنوع والتنقل بين مواضيع ومضامين مختلفة .. فمن “أن تكون حاضراً” معرضه الأخير إلي “أصداء السكون” تجد إشارات جليه وشواهد بينة أننا أمام فنان ثري معجون بالنور وتفاصيله، يذوب النور في روحه وقلبه وعقله .. ليقدم لنا كل بضع سنين نسيجاً بصرياً وأعمالاً يليق بها مكاناً مميزاً بأرشيف التصوير الفوتوغرافي ..