كان طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري، قد شغل منصب نائب محافظ البنك المركزي المصري ورئيس لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى في الفترة من عام 2003 – 2008، ثم تولى رئاسة مجلس إدارة البنك الأهلي المصري منذ عام 2008، وحتى تقديم استقالته في عام 2013، وقد أمضى عامر العامين السابقين لتولية منصبه الجديد بالبنك المركزي كعضو منتدب للبنك الأهلي في المملكة المتحدة.
وبعد أن أصبح عامر محافظاً للبنك المركزي المصري، رأي أنه كان من الضروري إنقاذ الوضع الاقتصادي وإصلاح الاختلالات الهيكلية لجميع الممارسات الخاطئة التي حدثت على مدار السنوات.
المبتكر طارق عامر
من خلال التفكير في مصر ككل، يعتقد عامر أن البلاد لا تزال بحاجة إلى العمل على الابتكار. وشدد على الحلول المبتكرة وأهمية التكنولوجيا على وجه التحديد، التكنولوجيا المالية. قال أنه يريد أن يري الأجيال الجديدة تغير الأشياء.
أوضح عامر أن تعويم الجنيه المصري هو أمر لمواجهة الواقع وليس لمقاومة قوى السوق لأنه سيزيد الأمور سوءًا لمصر ككل. “الأمر يشبه شخص ينفق أضعاف دخله، ولكي يستمر ليس أمامه طريق غير الاقتراض ومن ثم إنفاق تلك الأموال التي لا يمتلكها، حتي لا يجد ما ينفقه أو ما يسدد ديونه، وهذا ما كان يحدث بمصر. فالسير ضد قوى السوق يشبه من يسبح عكس التيار، يبدو الأمر قابلاً للتنفيذ في البداية ، لكنه سيصبح مرهقًا لدرجة الغرق. ولا يمكنك أن تتصدي للسوق، فالسوق له آلياته، ووظائفه.
في ظل ارتفاع الأسعار وموجة التضخم الحالية، قام البنك المركزي المصري برفع أسعار لفائدة، بالرغم من أن زيادة الفائدة تدفع الناس إلى إنفاق أقل وتقليل الاستثمارات، ولكن الزيادة كانت ضرورية للحد من آثار التضخم. وكذلك رأي البنك المركزي أنه عندما ترتفع أسعار الفائدة، يدخر الناس أكثر، وبالتالي يتبقى لديهم دخل أقل للإنفاق.
ويتبقى أمل لكل المصريين، والحاجة إلى بذل الجهد والتحلي بالصبر، والبدء في الإنتاج وخلق فرص أفضل للأجيال القادمة.
ما خاب من استشار
يشجع طارق عامر على الدراسة والفهم والتشاور في كافة الأمور المستقبلية. وقد استشار جهات كثيرة منها، فرنسا وألمانيا، ووزارة الخارجية الأمريكية، ووزراء آسيويين، وجلس مع خبراء دوليين وأخذ رأيهم، قبل تحرير سعر صرف الجنيه بالكامل ليتحدد وفقاً لقوى العرض والطلب في السوق النقدية “تعويم الجنيه المصري”.
بدأ “عامر ” في وضع اللبنة الأولي لإجراءات الإصلاح النقدي والمالي من خلال اتخاذ قرار تحرير أسعار الصرف الأجنبي في أوائل نوفمبر من عام 2016، وضبط اسواق العملة وتوحيدها وتجفيف منابع الأسواق الموازية باعتبارها أبرز الخطوات لجذب الاستثمار، ثم إطلاق مبادرات لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بقيمة 100مليار جنيه و تكليف البنوك المصرية بتخصيص محافظ من قطاع التجزئة المصرفية بواقع 25% من تلك المحافظ بدعم أنشطة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بما يحقق التنمية المتسارعة للاقتصاد وتمكين الفئات المهمشة والشباب من توفير فرص العمل الحر وتقليل أعباء التوظيف علي الحكومة وهو ما يحد من معدلات البطالة.
عامر والإصلاحات
ثم قاد محافظ البنك المركزي الإصلاحات الهيكلية الاقتصادية والمالية التي قامت بها الدولة خاصة فيما يتعلق بضغط النفقات، والالتزام بضبط الإنفاق الحكومي، ومعالجة الاختلال في سعر الصرف، وتطوير آليات سوق الصادرات وسوق المال، وهو ما مكَّن الاقتصاد المصري من مواجهة العديد من التحديات بما في ذلك استيعاب تداعيات جائحة كورونا. ورسم جهود واستعداد البنك المركزي في دعم جهود وزارة الخارجية في الترويج لجذب الاستثمارات المباشرة إلى مصر وكذلك فتح أسواق جديدة للصادرات المصرية، والحفاظ على استقرار العملة والتضخم، والإدارة الناجحة لأسعار الفائدة ومواجهة الركود الاقتصادي، والقدرة على مواجهة الأزمات. واصدار القرارات والمبادرات لتخفيف التداعيات السلبية لجائحة فيروس كورونا التي ضربت العالم، وكان لتلك القرارات أثرا كبيرا في الحافظ على العمالة، وتشغيل المصانع وغيرها.
استطاع طارق عامر أن يبني صفا ثانيا من القيادات الشابة في البنك المركزي يقوم على رعايتهم ودفعهم لتولي المناصب القيادية منهم، رامي أبو النجا ، هو أصغر شاب يتولى لأول مرة منصب نائب محافظ البنك المركزى، والذي يتمتع بالحنكة والخلق وله إنجازاته دولية فى تنفيذ السياسة النقدية على مستوى الأسواق والبنوك ونجاحاته فى تدبير وتوفير احتياجات الاقتصاد المصرى من الدولارات بدون اضطراب وبانتظام فى ظل تحديات كبيرة. وغيره من القيادات الشابة التي تربت في البنك المركزي، تتولي الكثير من المناصب في البنوك الحكومية. القيادة الشابة/ عاكف المغربى نائب رئيس بنك مصر مساعدا لـ محمد الأتربي رئيس البنك المخضرم، والقيادتين عمرو الشافعى، وحازم حجازى، نائبين لبنك القاهرة تحت رئاسة القدير طارق فايد.
طارق عامر يتولى منصب محافظ البنك المركزي لولاية ثانية، وقد استقبل القرار بترحيب واسع من قبل كل من المستثمرين الدوليين ومجتمع الأعمال المحلي، ستكون هذه هي الولاية النهائية لعامر، لأنه لا يتولي محافظ البنك المركزي أكثر من فترتين مدتة كل منها، أربع سنوات بموجب قانون البنوك والبنك المركزي، مما يعني أن عامر سيترك منصبه في نوفمبر 2023.، ويبدو أنه سيترك ورائه قيادات قادرة علي تولي المسؤلية، فاز “طارق عامر” بجائزة أفريكان بانكر السنوية كأفضل محافظ للبنوك المركزية الأفريقية في عام 2019، وقد صنفت مجلة جلوبال فاينانس العالمية، طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري، ضمن أفضل 10 محافظين لـ البنوك المركزية علي مستوي العالم للعام 2021، ليحتل المرتبة السابعة في التصنيف، متخطياً رئيسة البنك المركزي الأوروبي، التي جاءت بالمرتبة الثامنة، ووفقا لتصنيف المجلة فإن “طارق عامر” قد حصل علي تقييم من الدرجة “A” وهو الأعلي امتيازا بالنسبة للأداء فيما يتعلق بإدارة سياسات التضخم وسعر الصرف والسياسات النقدية.
عامر والإقتصاد المصري
نجح “طارق عامر” في رفع كفاءة الاقتصاد القومي من خلال إطلاق المبادرة الأولي للتمويل العقاري بمحفظة ١٠ مليارات جنيه ثم رفعها لـ ٢٠ مليار جنيه بدعم من الرئيس “عبد الفتاح السيسي” لتوفير وحدات سكنية لمحدودي ومتوسطي الدخل بنسبة ٥و٨%متناقصة بما يحقق دوران عجلة القطاعات المرتبطة بالاسكان والتشييد، ثم إطلاق مبادرة اخري بـ 50 مليار جنيه لمتوسطي الدخل بفائدة 8%، ثم مبادرة ثالثة في يوليو الماضي بقيمة 100مليار جنيه لفائدة 3%لمدة 30 سنة .كما أطلق البنك المركزي المصري، سلسلة من المبادرات لدعم القطاعات السياحية والصناعية بمحافظ مالية تجاوزت حاجز الـ 250 مليار جنيه خلال الـ5 سنوات الأخيرة، من بينها دعم المصانع المتعثرة ثم دعم القطاع الصناعي بـ 150مليار جنيه و السياحة بـ 50 مليار جنيه لمواجهة تضرر القطاعين بسبب الأزمة الاقتصادية وتداعيات فيروس كورونا .ونجح “طارق عامر” في تنفيذ وتعزيز توجهات الدولة نحو تطبيق الشمول المالي وميكنة كافة المعاملات المصرفية المؤداة لعملاء البنك وجذب شرائح جديدة داخل الجهاز المصرفي لمواجهة تسرب الأموال خارج القطاع والتوسع في خدمات الموبايل البنكي واصدار تعليمات للبنوك للتيسير على العملاء وتوعيتهم بأهمية الخدمات الرقمية المتطورة.
واستطاع “طارق عامر” وفريق عمله رفع معدلات الاحتياطي النقدي لنسب غير مسبوقة فبعد أن كان الاحتياطي لأقل من 17 مليار دولار في عام 2013 وصل الاحتياطي النقدي الي 40.61 مليار دولار بنهاية يوليو 2021، وتمكن من السيطرة علي معدلات التضخم مع استهداف وصولها لأدني من 7% بمتوسط 2 زيادة أو نقصان بنهاية العام المقبل.
تمتلك الدولة المصريه ثلاثة من أكبر البنوك المصرية، البنك الأهلي المصري، وبنك مصر، وبنك القاهرة، وجزء كبير من شركات البترول، وأجزاء ضخمة من الأراضي والعقارات. ويمتلك البنك المركزي المصري 99% من البنك المصري المتحد وحوالي 50 في المائة من البنك العربي الأفريقي الدولي. وتعتزم وزارة المالية، والبنك المركزي يالمصري، إدراج وطرح أسهم من البنوك والشركات المملوكة للدولة في البورصة “الصكوك السيادية”، في خطوة تهدف إلى تحفيز الاستثمار وتعزيز النمو الاقتصادي. وسبق أن تم إدراج الشركات المملوكة للدولة في البورصة في عام 2005 عندما تم طرح أسهم الشركة المصرية للاتصالات، الشركة التي تحتكر الخطوط الأرضية للدولة، وشبكة الانترنيت، وشركتي النفط سيدي كرير للبتروكيماويات وأموك. كما تشجع الدولة والبورصة المصرية الشركات العائلية لكي تدرج وتطرح أسهمها بالبورصة لتنشيط أسواق المال مثل شركة “EDITA” لصناعة الكعك والبسكويت وشركة العقارات إعمار مصر وأوراسكوم للإنشاءات.
عمل “طارق عامر” جاهدا وبشفافية عند بيع أي مؤسسة مالية إلى شركة أجنبية، فاشترط أن يكون لديها سابق خبرة وتجارب ناجحة في النهوض بالمؤسسات المشابهة والسوق معا، وأن يتم تمويل عملية الشراء برأسمال من الخارج، لا أن يتم اقتراضه من أموال وودائع البنوك المصرية. وأن يتم التفضيل تبعا لهذه الشرائط والأفضل أن تتم الصفقة مع مستثمر أجنبي، حتى يستفيد السوق المصري، من القيمة المالية لهذه الصفقة، وأن يكون للمستحوذ سابقة خبرات ناجحة تطمئن السوق المصري، وأن يتم تحويل أموال الصفقة من الخارج. يهتم “طارق عامر” بالتجمعات الاقتصادية المهنية ويقوم بدور نشط في كثير من تنلك الجمعيات ويرأس مجلس حوكمة منتدى السياسة العالمية “AFI“. ويري أن تلك التجمعات المهنية العالمية تقدم رؤية وفهمًا لأفضل الممارسات وتنمي القدرة على التفاعل مع جميع المواقف وتبادل الخبرات على مختلف مستويات صنع السياسات.
*د. سـامح سليمان توفيق: أستاذ بهيئة الطاقة الذرية