تحتفل «المصرى اليوم» بمرور 20 عامًا على تأسيسها، حيث تحولت من مشروع صحفى واعد إلى مدرسة إعلامية كاملة، تخرج فيها مئات الصحفيين، وأبدعت فى رصد الواقع المصرى وتحليله على مدار سنوات طويلة.
المؤسس المهندس صلاح دياب، تحدث عن معوقات البدايات، وكيف استطاعت المؤسسة تخطيها، وروشتة النجاح باعتبارها الصحيفة المستقلة الأكثر انتشارًا.
البداية كانت مغامرة بلا شك، من حقنا أن نتحدث ونعلق، يهمنى أن الآراء تتلاطم وتنشر ويعقب عليها، ونحن نسير بخطى ثابتة جدًا، فى وجود رئيس يتمتع بجرأة وشجاعة، فلدينا فرصة أن نقدم شيئًا جيدًا للبلد بأكمله.
لم أفكر فى بيع «المصرى اليوم»، وأى عروض جاءت لى أنا رفضتها، كما شجعنى على فكرة عدم البيع أن المؤسسة تحقق أرباحًا، فلا يوجد نزيف مستمر، وأعتقد أن الجهتين الإعلاميتين الوحيدتين قطاع خاص اللتين تحققان أرباحًا هما المصرى اليوم والقاهرة والناس.
لم أفكر فى «المصرى اليوم» بأنه مشروع يحقق أرباحًا فقط، فعندما شرعت فى تأسيسها كان معى شركاء، مثل المهندس نجيب ساويرس، والدكتور أحمد بهجت، ورجل الأعمال أكرم قرطام، و«المصرى اليوم» شىء تاريخى بالنسبة لى، فلنفترض أن جدك كان يملك محل بقالة، ومن ثم تجد المحل متاحًا ستسعى إليه، أنا جدى كان يملك جريدة مهمة فى مصر اسمها «الجهاد»، وهو الذى ربانى، فنشأت والجريدة حولى، فكان لدىَّ حنين لهذا الأمر.
مصر كانت متجهة إلى الخصخصة، وأنا أعمل فى مجال خدمات البترول، كان يوجد مشروع مهم جدًا «مصفاة ميدور» الدولة اشترتها بالتدريج، وكان هناك شراء بأسعار مبالغ فيها وغير مدروسة جيدًا، فتحدثت مع الدكتور نعمان جمعة، وكان مالكًا لجريدة الوفد، وقلت له: لماذا لا تتحدثون عن هذا الموضوع؟، فقال لى: هذا الأمر لو تحدثنا فيه سيكون هناك (تصفية جسدية)، أنا لم أستسلم، وكان رئيس التحرير وقتها مجدى مهنا، تحدثت معه عن الموضوع، فكتب خمسة مقالات عن مصفاة ميدور، وبعدها بشهر مجدى مهنا تم فصله من جريدة الوفد، فشعرت بأننى السبب فيما حدث له، فكان يوجد شخص يملك جريدة اسمها الزمان تصدر كل شهر، عرض علىَّ الترخيص لشراء الجريدة قبل ذلك، لم أكن مهتمًا، ولكن بعد الذى حدث لمجدى مهنا تحدثت معه واشتريت الترخيص منه، وطلبت من مجدى مهنا أن يتولى رئاسة التحرير، واشتريت مكانًا فى المهندسين، وتم تعيين مجموعة من المحررين.. ثم أطلق النسخة الزيرو، قرأتها ووجدتها تقليدية لم تأت بجديد، وتشبه مدرسة روز اليوسف، وفى نفس الوقت كنت أقرأ مجلة إنجليزية أعجبنى أسلوبها، وعلمت أن ناشرها هو هشام قاسم، تقابلت معه وعرضت عليه العمل فى «المصرى اليوم»، ولكنه اشترط أولًا الجلوس مع مجدى مهنا، جلسا بالفعل ولم يصلا إلى أى توافق، فأخبرته بأن مجدى مهنا سيكتفى بمقاله (فى الممنوع) فى الصفحة الأخيرة، وسنبحث عن رئيس تحرير آخر، فطلب هشام تغيير رئيس التحرير وجميع المحررين الذين وظفهم مجدى مهنا، وكانوا حوالى 200 صحفى، وبالفعل رحلوا بعد تعويضهم.
بعدها جاء أنور الهوارى رئيسًا للتحرير كيف ترى تجربته؟
المهندس صلاح دياب
كان عنيفًا للغاية، فى أول عدد وضع صور كل رجال الدولة المهمين وقتها وعلق عليها قائلًا: «هؤلاء أفسدوا مصر»، كان شيئًا عجيبًا، لكننا تجاوزنا الأمر، وجاء لنا أول إعلان من شركة الأهرام للمشروبات، فاعترض أنور الهوارى، وهذا شأن إدارى ليس له علاقة به، المهم وضع إعلان شركة الأهرام للمشروبات التى تبيع بعض مواد الخمور، وتحتها صورة للحجاج وهم سجود فى مكة، فجاءتنا تعليقات عنيفة من كل اتجاه، بعدها رحل أنور الهوارى وجاء مجدى الجلاد، وتوالى بعدها رؤساء التحرير واحدًا تلو الآخر.
احتفظ بصورة خاصة للراحل مجدى مهنا فى مكتبي، لأنه من أنقى من قابلت، فمجدى مهنا كان رجلًا راقيًا وطنيًا لا يهدف إلا للمصلحة العامة.
لم يصدر فى «المصرى اليوم» مادة عنى أو عن مصالحى تمامًا، باستثناء مقالة وتعليقات عليها صدرت مؤخرًا بمناسبة أننى أتممت 80 عامًا، فهذه من المرات القليلة التى ذكر فيها اسم صلاح دياب فى الجريدة على مدار 20 عامًا.. وهذه تهمة جاهزة، مثل تهم أخرى من نوعية تمويل الجريدة من الخارج، فهل أحمد بهجت ونجيب ساويرس وصلاح دياب يحتاجون لتمويل.. إطلاقًا.
مجدى الجلاد كان قد حقق نجومية كبيرة وقدم برنامجًا على إحدى القنوات الخاصة، وساهم فى تأسيس جريدة أخرى، وأخذ معه مجموعة من الصحفيين، وبشكل عام أعتقد «المصرى اليوم» تستطيع أن تفيد أكثر ما هى مفيدة حاليًا.
أنا لا أستطيع أن أجارى ارتفاع أسعار السكر والزيت التى ارتفعت 300 فى المئة، فمعنى ذلك أن أرفع الأجور 300%، ولكن نرفع الأجور فى حدود 25 %، وأظن أن هذا مناسب حتى لا تقع الجريدة، ونفس الأمر يحدث فى أنشطتى الأخرى، فأنا يجب أن أراعى الناس الذين أعمل معهم، فهم لهم حقوق يجب أن أراعيها، وهذه من ضمن مقاصد الدين.
المؤسسة تصرف على نفسها، وتحقق فائضًا كل عام، فهى ناجحة اقتصاديًا، وليست عبئًا زائدًا.
المصرى اليوم تقدم أفضل المتاح بالنسبة للسقف العام.
عبد الله كمال كان يكتب فى روز اليوسف، وكان يتناولنى بمقال كل يوم، رفعت قضية عليه بعدما طفح كيلى، فحكم عليه بـ 100 ألف جنيه غرامة، وبعد عام 2011 جاءنى مكتبى وأخبرنى بأنه يهرب من البيت بسبب رجال تنفيذ الأحكام، فطلب منى تقسيط المبلغ، أو تأجيل دفعه، فتحدثت مع المحامى وطلبت منه التنازل عن الـ 100 ألف جنيه. وبعد 25 يناير وُضع على القوائم السوداء، واعتبره الكثيرون فلولًا، فقلت له من الصعب أن أستقطبك للكتابة فى «المصرى اليوم»، فعرضت عليه إعادة إنتاج تجربة أحمد رجب ومصطفى حسين، أنا أطرح الفكرة وهو يصيغها، وانسجمنا جدًا فى هذا الأمر. ويبدو أنه أفصح عن سر نيوتن لمجموعة ضيقة حوله، فعرفوا أن من يكتب نيوتن هو عبد الله كمال.
بعد وفاة عبد الله كمال قرأت مقالة بعنوان وفاة نيوتن، فقلت ما معنى هذا؟، استفزنى الأمر، فقررت أن أكتب نيوتن بنفسى، ووجدت العمود يحقق نسب قراءات مرتفعة جدًا.
نيوتن كان ونسًا، لكنه شغلنى عن عملى، واكتشفت معه أننى أجيد الكتابة، وبالمناسبة الكاتب الراحل يوسف إدريس كان دائم النصح لى بضرورة أن أكتب منذ ثمانينيات القرن الماضى.
كتبت المذكرات، وتناولت فيها فكرة الجذور، من أنا، وكيف نشأت، واستعرضت رحلتى، وطرحت مفهومًا جديدًا للأرستقراطية، فهى ليست مفهومًا يخص النبلاء فقط، ولكنها عبارة عن مجموعة من الناس يمتازون بصفة معينة، فأنا عشت أرستقراطيات متعددة، مثل الأرستقراطية الاجتماعية حينما كنت أذهب للمدرسة الإنجليزية فى مصر الجديدة مع الأغنياء، وفى الصيف عشت أرستقراطية الريف والبداوة حينما كنت أذهب لمزرعة جدى فى أبو حمص، وحينما دخلت كلية الفنية العسكرية عاصرت الأرستقراطية العسكرية، وبعد تخرجى واحتكاكى بالحياة العملية عشت أرستقراطية البيزنس، وبعد زواجى كان يأتى إلى بيتى مثقفون كبار، مثل يوسف إدريس وأحمد بهاء الدين ومصطفى أمين وغيرهم، فعشت الأرستقراطية الثقافية.
هناك فصل فى المذكرات بعنوان سبع صنايع، استعرضت فيه كل المجالات التى عملت فيها، فأنا لست خبيرًا فى أى شىء، بمعنى أننى أعمل فى البترول أحضر خبراء فى البترول، فى الزراعة أحضر خبراء فى الزراعة، وفى الصحافة أيضا.. وهكذا.. وتناولت كذلك فكرة الصدف والفرصة، فحياة كل إنسان عبارة عن مجموعة من الصدف، وعلى الإنسان أن يحول الصدفة إلى فرصة، فأغلب مشاريعى بدأت بصدفة حوّلتها أنا إلى فرصة، فمشروع لابوار بدأ بصدفة غريبة جدًا، فأنا ولدت فى عمارة كانت موجودة فى السفارة الإنجليزية التابعة لوزارة الأوقاف، والوزارة قررت هدم هذه العمارة لأن إيرادها لا يناسبها، فجدى توفيق دياب أرسل خطابًا لجمال عبد الناصر، طالبه فيه بالإبقاء على هذه العمارة، ووافق عبد الناصر، ولم تهد الأوقاف العمارة، ولكنهم فى نفس الوقت يبحثون عن إيراد مناسب، فقرروا أن يأجروا بدروم العمارة ويطرحوه فى مزاد، وكان تأمين دخول المزاد 500 جنيه، ذهبت وأنا معى 300 جنيه، وكان رئيس اللجنة فى المزاد الراحل على سلامة، فأخبرته بأن معى 300 جنيه، فسألنى عن اسمى لكى يشطبه، فقلت له صلاح دياب، فتعجب وقال لى: «أنت قريبك توفيق دياب؟»، قلت له: «هذا جدى»، فخفض مبلغ التأمين إلى 300 جنيه، فدخلت المزاد ورسى علىَّ.. وذات مرة تحدث معى شخص وأخبرنى بأن الحلويات فى القاهرة غير جيدة، وأن الحلويات فى الإسكندرية مميزة، واقترح علىَّ افتتاح محل حلويات، فذهبت إلى الإسكندرية وجلست على مقهى الحلوانية، وقابلت هناك مجموعة من الصنايعية فى مجال الحلويات، وأحضرتهم إلى القاهرة، واستأجرت شقة وراء مسرح البالون لكى يعيشوا فيها، وتنبهت إلى نقطة أن أغلبهم مهاجرون ويحتاجون إلى التسلية والونس، فأخذت تليفزيونًا من بيتى وأحضرته إلى شقتهم كى لا يشعروا بالملل ويعودوا إلى الإسكندرية، وهكذا تحولت صدفة لابوار إلى فرصة.
الدولة تريد أن ترى استثمارات، فرأت أن الناس محجمة، فاضطرت أن تستثمر فى مجالات مختلفة، فالقطاع الخاص أحجم بطريقة أعنف وخاف من المنافسة غير المتكافئة، وأعتقد بعد مرورنا من عنق الزجاجة وما تم من إنجازات سريعة حاليًا، من المفترض أن تتم إعادة النظر فى فكرة منافسة الدولة للقطاع الخاص، حيث تسمح له أن يقود قاطرة الاستثمار، وأول ما يطمئن القطاع الخاص المصرى سيطمئن المستثمر الأجنبى ويأتى إلى مصر.
رجل الأعمال مطلوب منه الأمانة والإحسان، خصوصًا عندما يدرك أنه مهما جمع من أموال لن يأخذ شيئًا معه حينما يتوفى، وبالتالى يجب أن يعرف ماهية دوره بالضبط، وأنا حددت دورى تمامًا، فأنا أعتبر نفسى ناظر زراعة، لدىَّ مزرعة مالك الملك، فكل شىء أملكه هو ملك للخالق، أنا أحاول أن أحسن إدارته فقط وأقوم بمقاصد الدين، ليس الإسلامى فقط، بل كل دين.
إطلاقًا، الشىء الذى يشغلنى هو الحلم المقبل، ما تحقق تحقق وانتهى، فالشىء الوحيد الذى يشغلنى هو الحلم المقبل.
لا أعرف، ولكن لايزال لدىَّ أحلام ومشاهدات، وهناك مشروعات تقام حولنا أستلهم منها أفكارًا.