أوقفت شركة “إيفيرجراند” Evergrande، أكبر شركة عقارية في الصين، تداول أسهمها في البورصة، وينتظر المحللون إما الإعلان عن رفض سداد الديون، أو إعادة هيكلة الديون، وليس ذلك أفضل بكثير.
لقد راقب العالم بقلق طوال العام الماضي الأزمة العقارية المتزايدة في الصين، ومحاولات شركة “إيفيرجراند” لتجنب الإفلاس. وليس الوضع في شركات التنمية العقارية الصينية الأخرى أفضل بكثير، وقد يؤدي تخلف “إيفيرغراند” عن سداد ديون بقيمة 300 مليار دولار الآن إلى رد فعل عنقودي لحالات إفلاس هائلة، ليس فقط في الصين، وإنما في الاقتصاد العالمي.
على خلفية ذلك، جرت اتصالات بين قادة الولايات المتحدة الأمريكية والصين بشأن المساعدة الصينية المحتملة لروسيا. لم تلجأ روسيا إلى الصين لطلب المساعدة، لكن واشنطن قلقة للغاية من موقف بكين المؤيد لروسيا، لدرجة أنها قررت إخافة الصين على نحو استباقي، لمنعها من التعاون مع روسيا التفافا على العقوبات الغربية.
لا شك أن صراعا بالأبعاد الحالية بين روسيا والغرب منذ عقدين أو حتى عقد من الزمان، كان ليدفعني للاعتقاد بأن روسيا ستخسر على المدى الطويل أمام الغرب الموحد، الذي لم يكن له آنذاك بديل على نفس المستوى. ومع ذلك، فإن الغرب نفسه ينحدر نحو أزمة ستدمره قريبا، ويمكن للصين أن تخفف بشكل كبير من شدة العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة التي فرضها الغرب على روسيا. وبدون أدنى مبالغة، فإن تعاون الصين مع روسيا، ولا أقول مساعدتها لها، في الوقت الراهن لا يقل أهمية عن الهواء بالنسبة لروسيا.
تشير نتائج الاتصالات إلى أن واشنطن فشلت في ترهيب الصين، التي تدرك أن خسارة روسيا سوف تحدد مصيرها هي الأخرى.
فالصراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية أمر لا مفر منه، لأن اقتصادات العملاقين أكبر أن تحتملها الكرة الأرضية، ويجب إجهاز أحدهما على الآخر. وأعتقد أن الصراع سيأخذ شكل حصار بحري للصين، لقطعها عن نفط وغاز الخليج، ووقف تجارتها الخارجية. وفي حالة حدوث هذا الحصار البحري، ستظل روسيا المورد الوحيد الموثوق للطاقة بالنسبة للصين، والنافذة الوحيدة للصادرات الصينية. ربما تخضع كازاخستان ودول آسيا الوسطى لضغوط واشنطن وتشارك في الحصار.
لذا، وبطبيعة الحال، سوف تحتاج الصين إلى روسيا في القريب العاجل، بدرجة لا تقل عن احتياج روسيا إلى الصين في الوقت الراهن.
بالمناسبة، فإن الانتقال المحتمل للمملكة العربية السعودية إلى اليوان الصيني للتعامل في إمدادات النفط إلى الصين يقرّب هو الآخر وبشكل كبير بداية الصراع الصيني الأمريكي.
إن الوضع الراهن في العالم غريب، بينما يهدد الوضع الداخلي لجميع الأطراف المتحاربة بدفنهم حتى بدون أي حروب، وإذا لم تكن هناك حرب، سينهار كل شيء في غضون سنتين أو ثلاث. لكن، وحدها الحرب هي التي يمكن أن تمنح فرصة البقاء على قيد الحياة لأولئك الذين يستطيعون الوقوف على أقدامهم فترة أطول من غيرهم. وهذا هو العامل الذي يدفع السياسيين إلى الإسراع ببدء الحرب قدر الإمكان، لأنه في غضون عام سينهار الاقتصاد من تلقاء نفسه، ولن يكون هناك من يمكن إلقاء اللوم عليه في ذلك إلا أنفسهم.
لذلك، لم تؤجل الولايات المتحدة الأمريكية إثارة الأزمة في أوكرانيا، وها نحن نسمع بايدن يقولها بملء الفم أن بوتين هو المسؤول عن التضخم في الولايات المتحدة.
في الوقت نفسه، وكما أشرت في البداية، فإن الوضع في الاقتصاد الصيني قريب هو الآخر من اندلاع أزمة واسعة النطاق. علاوة على ذلك، فقد وصل متحور “أوميكرون” أخيرا إلى الصين، ووصل عدد الحالات هناك إلى المئات، ويمكن أن يؤدي إغلاق هائل جديد، كما تعودت الصين الإغلاق التام بمجرد ظهور حالة واحدة، إلى تدمير شي جين بينغ سياسيا، مثلما دمر وباء “كوفيد-19” فرص إعادة انتخاب دونالد ترامب، على الرغم من تصدره السباق الرئاسي بكل ثقة، قبل بضعة أشهر فقط من ذروة الوفيات في الولايات المتحدة.
من الجدير بالذكر أيضا أن السلطة الصينية ليست متجانسة. ووفقا للباحث الروسي المتخصص في الشؤون الصينية، نيقولاي فافيلوف، فإن حزب “التجار” داخل الصين، الموالي للولايات المتحدة الأمريكية، بقيادة رئيس الوزراء، لي كه تشيانغ، يواجه المجموعة العسكرية الوطنية بقيادة الرئيس، شي جين بينج. وفي الخريف ينتظرنا جميعا إجراء انتخابات حاسمة في الكونغرس الأمريكي بالولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الانتخابات الصينية، التي سوف تحدد مصير مستقبل حكم شي جين بينغ.
في ظل هذه الظروف، تكتسب تهديدات واشنطن ثقلا معتبرا، حيث يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن توجه للاقتصاد الصيني أكثر من مجرد ضربة موجعة، تذهب بالاقتصاد الصيني غير المستقر أدراج الرياح. بطبيعة الحال، سوف يكون لمثل هذا الوضع طابع المعركة النهائية بالنسبة للولايات المتحدة نفسها، “النصر أو الموت”، ذلك أن الضرر الناجم عن العقوبات المفروضة على الصين سوف يزلزلها هي نفسها.
في الوقت نفسه، فإذا تجاهلت بكين تهديدات واشنطن، وواصلت التعاون الاقتصادي مع روسيا، فلن يسع واشنطن حينها إلا إجبار الصين على الخضوع. لأنه إذا فازت روسيا، فسيكون من غير المجدي للولايات المتحدة حينها أن تبدأ مواجهة مع الصين.
وبالتالي، فإن كلا من شي جين بينغ وبايدن مهتمان بصراع خارجي من أجل حشد الشعوب حولهما عشية انتخابات داخلية حاسمة لكل منهما.
ويميل كل منهما إلى تسديد الضربة الأولى، لما يوفره ذلك من ميزة تقرير مصير الصراع.
لذلك يبدو لي أن احتمال نشوب صراع صيني أمريكي يتزايد كل يوم، وقد يتضح أنه مع اقتراب الخريف المقبل، لن تصبح الحرب في أوكرانيا الحدث الرئيسي لهذا العام.