الأهداف الأمريكية الخفية والارتباط المحتمل بين مشروع الممر البحري وموارد الطاقة في بحر غزة
د سامح توفيق
لا يهدأ الحديث عن أهداف أمريكية خفية وراء قرارها إنشاء ميناء بحري عائم على سواحل غزة، بعد إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، ما أثار كثيرًا من التساؤلات حول فاعلية هذه الخطوة التي يستغرق تنفيذها وقتًا طويلًا، مقابل طرق أقل تعقيدًا وأسرع في توصيل المساعدات عن طرق الضغط على إسرائيل لفتح معابر برية لتمرير شاحنات النقل، التي تحمل المساعدات الغذائية والمياه والأدوية، وتبقى التساؤلات حول الارتباط المحتمل لهذا المشروع بموارد الطاقة في بحر غزة تبقى مشروعة، إذ أوضح متخصصون أبعاد هذه الخطوة وأسباب المشروع.
وبعيدا عن الأهداف السياسية، توجد نقاط اقتصادية يُعتقد أنها قد تكون ضمن الأهداف التي دفعت واشنطن للانخراط في فكرة إنشاء هذا الممر البحري والرصيف البحري في غزة، أهمها موارد الغاز الطبيعي وطرق التجارة الدولية بالمنطقة.
بينما يملك الفلسطينيون حقل غزة مارين “بدون صلاحية استخدام” المكتشف نهاية تسعينات القرن الماضي؛ ويقدر الاحتياطي في الحقل بـ1.1 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، أي 32 مليار متر مكعب.
في يونيو 2023، وجه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بتنفيذ مشروع تطوير حقل غزة مارين «في إطار الخطوات الجارية بين إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية، والخاصة بالتركيز على تنمية الاقتصاد الفلسطيني»، بحسب بيان حينها لمكتب نتنياهو.
حقل مارين
في هذا السياق أكد الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية، رئيس وحدة الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية، المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، أن المشروع المقترح لإنشاء الممر البحري في بحر غزة ذا أهمية بالغة، مؤكدًا أن هذا الميناء ليس فقط لاستقبال المساعدات الإنسانية، بل لأهداف أخرى أيضًا، من بينها تخفيف الحصار عن الموانئ الإسرائيلية التي تعرضت للاجتياحات والإغلاقات، مثل ميناء إيلات التجاري وميناء أشدود وميناء عسقلان، حيث تكاد الموانئ جميعها تكون متوقفة.
وأشار إلى أن غزة تحتوي على موارد غاز طبيعي هائلة لكن لم تُعلن عنها بعد، ربما بسبب اهتمام شركات متعددة الجنسيات وحتى الإسرائيلية في الحصول على حصة من هذا المورد الهام.
وأكد فهمي أن الممر البحري مرتبط بموارد الطاقة في غزة، والذي طرحه الرئيس الأمريكي في منطقة الخليج، ويُعرف بمشروع «الممرة». على أي حال، هناك أهداف استراتيجية كبيرة للجانب البريطاني والأمريكي، والخطورة الحقيقية تتمثل في التعامل مع هذه القضية الشاملة، حيث ينوي الجانب الأمريكي ربط الطرق البديلة حول منطقة الشرق الأوسط، من خليج إلى الأردن والعراق وسوريا، ثم بالطبع إلى إسرائيل وأوروبا.
كما أكد أن مياه بحر غزة تحتوي على موارد طاقة هائلة، وتحتضن غزة كميات هائلة من الغاز، وهناك اكتشافات كبيرة تم العثور عليها في هذه المنطقة، مما يجعل تدخل الأمريكان شيئًا لا مفر منه بناء على هذه الظروف، لافتًا أنه يتم استخراجها من حقول الغاز البحرية مثل حقل (مارين1) وحقل (مارين 2)، مشيرا إلى أن الشركة القابضة كانت قد وقعت اتفاقًا مع السلطة الفلسطينية لتطوير خط الغاز الذي يربط بين البلدين، لكن تدخلت حركة حماس وعرقلت العملية.
ونوه فهمي إلى أنه بعد الانتهاء من بناء الميناء، سيتم تشغيل مطار ياسر عرفات،- الذي يتم التخطيط له حاليًا-، كما سيتم إنشاء جزيرة صناعية بعد ذلك، بهدف التحايل على الميليشيات الحوثية التي تعمل على شن هجمات في البحر الأحمر، والذي سيكون هذا المشروع بعيدًا تمامًا عن تلك المنطقة، حيث سيمتد إلى سواحل الشمال الشمالي.
وتابع: بالمقابل، ينبغي الانتباه إلى أن المشروع خطير وسيكون له تأثيرات كبيرة، وسيكون له بالتأكيد تداعيات، مشيراً إلى أنه عندما يتم فتح الممر نحو قبرص، سيتم مراقبة الحركة بعيدًا عن الصواريخ التي يمتلكها الحوثيون، بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الولايات المتحدة وجود حوالي ألف عسكري وضابط جندي في هذه المنطقة لتأمين الميناء عند بدء التشغيل.
وقال الدكتور محمود علوش السياسي التركي، أن مشروع الميناء البحري يجري التنسيق له مع إسرائيل يطرح شكوكاً حول دوافع هذا المشروع وأهدافه البعيدة المدى، إذا كانت واشنطن جادة في معالجة الأزمة الإنسانية في غزة، فإنه بإمكانها تحقيق ذلك بالضغط على إسرائيل لفتح المعابر البرية دون الحاجة إلى هذا المشروع الذي يحتاج تمويلاً كبيراً وفترة طويلة كي يُحقق الغرض المُعلن المرجو منه.
وأضاف علوش تُحاول واشنطن الموازنة بين تحركاتها لمعالجة الأزمة الإنسانية في غزة وبين تجنب الإفراط في ممارسة الضغط على إسرائيل لعدم تعقيد جهودها في تحقيق أهداف الحرب في غزة وإزالة حكم حركة حماس.
وأشار إلى أن إدارة بايدن تسعى من خلال مشروع الميناء البحري إلى تخفيف الضغط عليها بخصوص قضية المساعدات إلى غزة، لكن حقيقة أن واشنطن لديها وسائل أخرى للممارسة ضغط على إسرائيل من أجل إدخال المساعدات إلى غزة عبر المعابر البرية، تُشير إلى أن الهدف من مشروع الميناء البحري يتجاوز ملف المساعدات.
من جهته قال الدكتور أيمن الرقب استاذ العلوم السياسيه بجامعة القدس، إن الحديث عن إنشاء ميناء مؤقت للأمريكان على سواحل بحر غزة يبدو مريبًا، ويثير تساؤلات حول أهداف أخرى قد تكون قائمة خلف هذا الاهتمام بالميناء الأمريكي.
وأضاف الرقب: «قد لا يكون الغاز هو الهدف الرئيسي، لكن يبدو أن هناك مصالح احتلالية كبيرة وهدف آخر قد يكون موجود، علاوة على ذلك، حقل غزة البحري ليس من الحقول النفطية الضخمة التي تثير اهتمامًا كبيرًا، يبدو أن هناك أهداف أخرى تتجاوز ذلك، وقد يكون الهدف الحقيقي هو تغيير المشهد بوجود الميناء الأمريكي، سواءً للتأثير على دور مصر أو للقضاء على أي شكل من أشكال المقاومة في غزة بشكل شامل».