إستعرضنا بالمقال السابق تاريخ البحري المصرية منذ فجر التاريخ ودورها في تحقيق النفوذ المصري، والمحافظة علي مكانة مصر وهيبتها وسط الأمم، واليوم سننتقل لمحطات جديدة من تاريخ البحرية المصرية المشرف..
حرب المورة ومعركة نافارين
بعد ثورة المورة بجزر اليونان نشطتت عملية القرصنة ضد السفن التركية وعلي الجزر القبرصية، وهو ما دفع بالسلطان العثملي للإستنجاد بوالي مصر لتطهير البحر المتوسط من القرصنة اليونانيين، وبالفعل إستجاب محمد علي وأعد أسطولاً ضخماً، توجه في سبتمبر 1824 لليونان لإخماد ثورة المورة، وكانت المفاجأة بإنسحاب القوات البحرية التركية من المعركة بقيادة خسرو باشا قبالة سواحل جزيرة “رودس” وبقيت القوات المصرية البحرية وحدها تحارب في قوة وبسالة كعهدها دائما، هذا ما دفع بوالي مصر التظلم لدي الباب العالي ومطالبته بأن يكون إبنه “إبراهيم باشا” قائداً للمعركة – وهو تحقق- وما كان لإبراهيم باشا ما أراد إلا وأثبت قوة ومهارة وبراعة كبيرة في القتال خصوصا عندما حاصر مدينة “نافارين” المعقل الأكبر للثوار اليونانيين، ولكن لتمتع البحارة والقراصنة اليونانيين بالخبرة ولتمرسهم بحروب البحر تحققت هزيمة للأسطول المصري إلا من بعض قطع قليلة، وهو ما إستدعي تجديده وتطويره.
الحاج عمر وخامس أساطيل العالم
بهزيمة “نافارين” بدأت مرحلة جديدة من إعادة بناء وتحديث إسطول مصري جديد إعتمد محمد علي فيها علي شراء بعض السفن الحربية من الخارج بالإضافة لوحدات تم بنائها بأيدي مهندسين وصناع مصريين يمتلكون الفطرة والموهبة، ومن بين هؤلاء البنائيين العظام الذين خلدهم التاريخ البحري “الحاج عمر” أو الكهل الطيب كما كان يصفه المؤرخ الأميرال “دوران قيال” والذي مدحه قائلا ” هذا الرجل الطيب الذي لا تعوذه الوسائل، خليق بأعظم إطراء وبتقدير خاص، ذلك لأننا مدينون للحاج عمر- الذي لم يكن يمتلك غير غريزته المدهشة مقرونة بذكاء خارق- ببناء عدة حرقات وسفن برهنت علي متانتها الملاحية ولو كان الحاج عمر هذا الذي أوحش الفنيين الأجانب وحَملهم علي الإعجاب به ممن كانوا في عصره مثل المسير سيريزي وغيره- متعلما تعليما يتفق ومواهبه الطبيعية، ولو كان يملك جميع الوسائل العلمية المتعلقة بالوسائل العلمية بصناعته لأصبح بلا منازع واحداً من أذكي المهندسين البحريين في زمانه، ولكنه بحالته تلك إستطاع إنشاء وصنع الوحدات التي تألفت منها الأساطيل المصرية الأولي، فللحاج عمر كهل الإسكندرية ذي اللحية البيضاء، ذلك الرجل المتواضع الأمي كل الحق في أكثر من تقدير يوجه إليه في كلمة عابرة، ويحق للبحرية المصرية ولمدينة الإسكندرية بأن تفخر بأنه كان من أفضل أبنائها …
إن الحاج عمر يعد واحداً من مواهبنا وبنائينا العظام الذي ساهم هو وزملاءه في تكوين أسطول بحري قوي ففي نوفمبر 1838 وقف والي مصر يلاحظ بمزيد من الإعجاب والإرتياح أسطوله الجديد البديع مصطفاً في ميناء الإسكندرية والذي وصفته مصادر أجنبية آنذاك بأنه خامس أساطيل العالم، والذي كانت أشهر سفنه ” الشرقية، المحلة، شير الجهاد”.
سقوط عكا وإحتلال تركيا
كان طموح محمد علي باشا الكبير لا ينتهي وأحلامه بالتوسع تكبر يوماً بعد يوم، وهو ما دفعه للإستيلاء علي عكا هذا الحص المنيع الذي عجز القائد العظيم نابليون عن غزوه وإحتلاله، وفي أكتوبر 1831 أقلع من الإسكندرية أسطول بحري مكون من 21 سفينة و 30 ألف جندي تحت قيادة إبراهيم باشا، قاصدين عكا هذا الحصن الحصين الذي إمتنع علي نابليون، وفي مايو 1832 سقطت عكا وسط ذهول الباب العالي والدول الكبري، وهو ما تسبب في عداء سافر بين الوالي العثملي ومحمد بيك الكبير، كانت نتائجه تعقب الأسطول المصري للأسطول العثملي بالبحر المتوسط ومحاصرته بميناء مرمرميس بالأناضول من الناحية البحرية، أما من الناحية البرية فلقد تقدمت القوات البرية المصرية لقلب شبه جزيرة الأناضول وإحتلالها لمدينة كوتاهية ووصولها بالقرب من مدينة أزميل التركية الشهيرة، وهو ما إضطر بالوالي العثملي قبول التفاوض مع محمد علي.