الإخوان المسلمون وداعش والقاعدة وغيرها من الجماعات التي تدثرت بعباءة الدين لتحقيق أهداف سياسية وأغراض دنيوية زائلة ليست نبتًا شيطانيًا وليد اليوم ولكنها امتدادًا لجماعات مارقة أبتلي بها التاريخ الاسلامي ولطخت بدمويتها وجرائمها الصورة الناصعة النقية لديننا الحنيف.
كيف بدأت وتوسعت حتى صارت مصدر رعب وإزعاج دائمين لجميع ممالك هذا الزمان ..
طائفة الحشَّاشين أو الحشَّاشون أو الحشيشية أو الدعوة الجديدة كما أسموا أنفسهم هي طائفة شيعية إسماعيلية نزارية باطنية، انفصلت عن العبيديين الفاطميين في أواخر القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي لتدعو إلى إمامة نزار المصطفى لدين الله ومن جاء مِن نسله، واشتهرت ما بين القرن 5 و7 هجريا الموافق 11 و13 ميلاديا وكانت معاقلهم الأساسية في بلاد فارس وفي الشام بعد أن هاجر إليها بعضهم من إيران.
أسّس الطائفة الحسن بن الصباح الذي اتخذ من قلعة ألموت في فارس مركزًا لنشر دعوته؛ وترسيخ أركان دولته.
اتخذت دولة الحشاشين من القلاع الحصينة في قمم الجبال معقلاً لنشر الدعوة الإسماعيلية النزارية في إيران والشام. ممَّا أكسبها عداءً شديدًا مع الخلافة العباسية والفاطمية والدول والسلطنات الكبرى التابعة لهما كالسلاجقة والخوارزميين والزنكيين والأيوبيين بالإضافة إلى الصليبيين، إلا أن جميع تلك الدول فشلت في استئصالهم طوال عشرات السنين من الحروب.
كانت الاستراتيجية العسكرية للحشاشين تعتمد على الاغتيالات التي يقوم بها «فدائيون» لا يأبهون بالموت في سبيل تحقيق هدفهم. حيث كان هؤلاء الفدائيون يُلقون الرعب في قلوب الحكّام والأمراء المعادين لهم، وتمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة جداً في ذلك الوقت؛ مثل الوزير السلجوقي نظام الملك والخليفة العباسي المسترشد والراشد وملك بيت المقدس كونراد.
كان أقدم تطبيق كتابي لمصطلح «حشيشية» على النزاريين نجده في الرسالة التي كتبها الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله سنة 1123م والمرسلة إلى الإسماعيليين في الشام «(إيقاع الصواعق الإرغام)» وكان الهدف من هذه الرسالة نقض مزاعم نزار المصطفى لدين الله بالإمامة والتأكيد على شرعية الخط المستعلي وقد استُخدم فيها مصطلح الحشيشية مرتين من دون تقديم سبب واضح.
لم ينجح راشد الدين سنان سيد الحشاشين في مصياف في إبعاد السلطان صلاح الدين عن أراضيه.
وتمّت الإشارة إلى النزاريين مرة أخرى بالحشيشية في أقدم كتاب سلجوقي معروف للأخبار كتبه سنة 1183م عماد الدين الأصفهاني في كتابه «(نصرة النصرة)» من دون تقديم معنىٰ اشتقاقي للكلمة وقد استخدم مصطلحات أخرى للقذف مثل الباطنية والملاحدة.
أما المؤرخون الفرس من الفترة الإيلخانية ومنهم الجويني ورشيد الدين اللذان هما المصدران الرئيسيان لتاريخ الجماعة النزارية في فارس – فلم يستخدموا مصطلح الحشيشية أبداً، وقد استخدموا مصطلح «الملاحدة» عندما لم تكن الإشارة إليهم كإسماعيليين.
وتبقى الحقيقة أنه لا النصوص الإسماعيلية التي تمت استعادتها حتى الآن؛ ولا أيّ من النصوص الإسلامية غير الإسماعيلية المعاصرة التي كانت معادية للنزاريين تشهد بالاستعمال الفعلي للحشيش من قبل النزاريين. وحتى المؤرخون الرئيسيون للنزاريين مثل الجويني الذي نسب كل أنواع الدوافع والمعتقدات الخبيثة للإسماعيليين فإنهم لا يشيرون إليهم «بالحشاشين» والمصادر العربية التي تشير إليهم بذلك لا تشرح البتة هذه التسمية من جهة استعمال الحشيش.
وتبقى هناك آراء أُخرى حول الأصل الاشتقاقي للكلمة منها:
أساسان (Assasins): أي القتلة أو الاغتياليون. وهذه لفظة كان يطلقها الفرنسيون الصليبيون على الفدائية الإسماعيلية الذين كانوا يفتكون بملوكهم وقادة جيوشهم؛ فخافوهم ولقبوهم «الأساسان».
حساسان: نسبة إلى شيخ الجبل «الحسن بن الصباح» الذي أوجد منظمات الفدائية.
عساسون: مشتقة من «العسس» الذين يقضون الليالي في قلاعهم وحصونهم لحراستها والدفاع عنها.
أساسين: مأخوذة من الكلمة الأصلية (المؤسسين) حيث أنهم أسّسوا قوتهم في قلعة ألموت.
وزخرت كتبهم بالكثير من الأساطير حولهم فنجد قصة الرحالة الإيطالي ماركو بولو التي باتت تعرف بـ«أسطورة الفردوس» والذي نقرأ في كتابه في وصف قلعة ألموت ما يلي:
«بأنه كانت فيها حديقة كبيرة ملأى بأشجار الفاكهة، وفيها قصور وجداول تفيض بالخمر واللبن والعسل والماء، وبنات جميلات يغنين ويرقصن ويعزفن الموسيقى، حتى يوهم شيخ الجبل لأتباعه أن تلك الحديقة هي الجنة، وقد كان ممنوعًا على أيّ فرد أن يدخلها، وكان دخولها مقصورًا فقط على من تقرّر أنهم سينضمون لجماعة الحشاشين. كان شيخ الجبل يُدخِلهم القلعة في مجموعات، ثم يُشرِبهم مخدّر الحشيش، ثم يتركهم نيامًا، ثم بعد ذلك كان يأمر بأن يُحملوا ويوضعوا في الحديقة، وعندما يستيقظون فإنهم سوف يعتقدون بأنهم قد ذهبوا إلى الجنة، وبعدما يُشبعون شهواتهم من المباهج كانوا يُخدَّرون مرة أخرى، ثم يخرجون من الحدائق ويتم إرسالهم عند شيخ الجبل، فيركعون أمامه، ثم يسألهم من أين أتوا؟، فيردون: «من الجنة»، بعدها يرسلهم الشيخ ليغتالوا الأشخاص المطلوبين؛ ويعدهم أنهم إذا نجحوا في مهماتهم فإنه سوف يُعيدهم إلى الجنة مرة أخرى، وإذا قُتلوا أثناء تأدية مهماتهم فسوف تأتي إليهم ملائكة تأخذهم إلى الجنة! »
وتجدر الإشارة إلى أن قلعة ألموت قد أُحرِقت سنة 1256م بينما ولد ماركو بولو سنة 1254م فإذا لم يكن قد زارها وعمره سنتين فهو لم يزرها أبدًا. كما أن الطبيعة المناخية لقلعة ألموت التي تغطيها الثلوج طيلة 7 أشهر بالسنة يجعلها غير صالحة لزراعة الحدائق الموصوفة في الكتاب. وعلى كل حال فإن مثل هذه القصص المليئة بالمبالغة والخيال نجدها كثيراً عند ماركو بولو.
حسن الصباح
بعد دراسة عقائد المذهب الإسماعيلي في مصر، غادر حسن الصباح القاهرة نتيجة خلافات سياسية فوصل أصفهان سنة 1081 م. ليبدأ رحلته في نشر تعاليم العقيدة الإسماعيلية، وركّز جهوده على أقصى الشمال الفارسي، وبالتحديد على الهضبة المعروفة بإقليم الديلم واستطاع أن يكسب الكثير من الأنصار في تلك المنطقة.
ولم يكن حسن الصباح مشغولاً فقط بكسب الأنصار لقضيته؛ وإنما كان مشغولاً أيضًا بإيجاد قاعدة لنشر العقيدة الإسماعيلية في كل البلاد للابتعاد عن خطر السلاجقة حيث فضل معقلاً نائيًا ومنيعًا وملاذًا آمنًا للإسماعيليين، فوقع اختياره على قلعة ألموت.
قلعة ألموت هي حصن مقام فوق طنب ضيق على قمة صخرة عالية في قلب جبال البورج، ويسيطر على وادٍ مغلق صالح للزراعة يبلغ طوله ثلاثين ميلاً وأقصى عرضه ثلاثة أميال والقلعة ترتفع أكثر من 6000 قدم فوق سطح الأرض، ولا يمكن الوصول إليها إلا عبر طريق ضيق شديد الانحدار.
استطاع حسن الصباح دخول القلعة سرا يوم الأربعاء الموافق 4 سبتمبر 1090م بفضل أنصاره المتخفين داخل القلعة وظل متخفيًا داخلها لفترة وجيزة قبل أن يسيطر على كامل القلعة وأخرج مالكها القديم بعد أن أعطاه 3000 دينار ذهبي ثمنًا لها. وبذلك أصبح سيّدا لقلعة الموت، ولم يغادرها طيلة 35 عامًا حتى وفاته.
وكانوا بهذه الفترة يمثّلون امتدادًا للدولة الفاطمية في القاهرة قبل حدوث الانشقاق.
في سعي حسن الصباح ورفاقه لنشر المذهب الإسماعيلي في إيران، اعتمد على استراتيجية عسكرية مختلفة عن تلك السائدة في العصور الوسطى. وتمثلت هذه الاستراتيجية في الاغتيال الانتقائي للشخصيات البارزة في دول الأعداء. بدلا من الخوض في المعارك التقليدية التي تؤدي إلى ايقاع آلاف القتلى من الجانبين. ولأجل ذلك اسس حسن الصباح فرقة متكونة من أكثر المخلصين للعقيدة الإسماعيلية وسماها ب«الفدائيين».
وكان الفدائيون مدربين بشكل احترافي على فنون التنكر والفروسية واللسانيات والاستراتيجيات والقتل. وكان أكثر مايميزهم هو استعدادهم للموت في سبيل تحقيق هدفهم. وكان على الفدائيين الاندماج في جيش الخصم أو البلاط الحاكم بحيث يتمكنون من الوصول لأماكن استراتيجية تمكنهم من تنفيذ المهمات المنوطة بهم. وهناك قصة مثيرة يرويها المؤرخ كمال الدين فيقول إن زعيم الحشاشين سنان راشد الدين في سورية أرسل مبعوثًا إلى صلاح الدين الايوبي وأمره أن يسلم رسالته اليه دون حضور أحد فأمر صلاح الدين بتفتيشه وعندما لم يجدوا معه شيئًا خطيرًا أمر صلاح الدين بالمجلس فانفض ولم يعد ثمة سوى عدد قليل من الناس، وأمر المبعوث أن ياتي برسالته، ولكن المبعوث قال: «امرني سيدي ألا أقدم الرسالة إلا في عدم حضور أحد» فأمر صلاح الدين بإخلاء القاعة تماما إلا من اثنين من المماليك يقفان عند رأسه وقال: «ائت برسالتك»، ولكن المبعوث اجاب: «لقد أمرت بألا أقدم الرسالة في حضور أحد على الإطلاق» فقال صلاح الدين:«هذان المملوكان لايفترقان عني، فاذا أردت فقدم رسالتك وإلا فارحل» فقال المبعوث:«لماذا لاتصرف هذين الاثنين كما صرفت الآخرين؟» فأجاب صلاح الدين:«انني اعتبرهما في منزلة أبنائي وهما وأنا واحد» عندئذ التفت المبعوث إلى المملوكين وسألهما:«إذا أمرتكما باسم سيدي أن تقتلا هذا السلطان فهل تفعلان؟» فردا قائلين نعم ، وجردا سيفهما وقالا:«امرنا بما شئت» فدهش السلطان صلاح الدين وغادر المبعوث المكان وأخذ معه المملوكين.
طيلة ثلاث قرون نفذ الفدائيون اغتيالات ضد الأعداء الدينيين والسياسيين للإسماعيلية، وكانت هذه الهجمات تشن غالبا في الأماكن العامة على مرأى ومسمع الجميع لإثارة الرعب. ونادرًا ما نجا الفدائيون بعد تنفيذ مهامهم، بل انهم لجأوا في بعض الحالات إلى الانتحار لتجنب الوقوع في أيدي الأعداء.
النهج العسكري لدولة الحشاشين كان إلى حد كبير دفاعيًا. فرغم انتشار الإسماعيليين في المدن إلا أن المعاقل الرئيسية لهم كانت متمثلة في القلاع الحصينة والتي تبنى غالبًا فوق قمم الجبال مما يجعلها ملاذًا آمنًا في مواجهة أي غزو محتمل.حيث كان الحشاشون يحرصون على بناء مخازن كبيرة لتخزين الماء والطعام داخل القلاع مما يجعلهم قادرين على مواجهة الحصار الطويل. وقد نجحت هذه القلاع في صد أغلب الهجمات الموجهة إليها والصمود لعشرات السنين.
أخذت الدولة الفاطمية على عاتقها نشر العقيدة الإسماعيلية في معظم المناطق الإسلامية وقد حققت بذلك نجاحات كبيرة في مصر واليمن والحجاز وبلاد الشام إلا أن نشر الدعوة في بلاد فارس قد شكل تحديًا مهمًا للفاطميين. وذلك لأن إيران كانت بعيدة عن سلطة الدولة الفاطمية ووقوعها تحت الحكم السلجوقي السني الذي كان لا يتواني عن قمع أي حركة إسماعيلية. إلا أن هناك كثيرًا من الدعاة كانوا مستعدين لتحمل تلك المخاطر في سبيل نشر عقيدتهم. وكان من هؤلاء الدعاة حسن الصباح.
ولد حسن الصباح لأسرة شيعية اثنا عشرية واعتنق الإسماعيلية فيما بعد. وانتقل إلى القاهرة سنة 471 هـ\1078م لتعلم عقائد مذهبه الجديد بشكل أكبر.
كانت الدولة الفاطمية في تلك الفترة تعاني الكثير من المتاعب والفوضى الداخلية والخارجية. الأمر الذي أجبر الخليفة والإمام الفاطمي المستنصر بالله على الاستعانة بواليه على عكا بدر الدين الجمالي. وإعطائه الصلاحيات المطلقة.
نجح بدر الدين في تخليص الدولة إلا انه استبد بالحكم حتى أصبح هو الحاكم الفعلي للدولة من دون الخليفة.
كان حسن شديد العداء لبدر الدين الجمالي حتى أنه أُبعد عن القاهرة وعاد إلى أصفهان عام 473 هـ\1081م في ظل ظروف غامضة وبأمر من بدر الجمالي.
بلغت سطوة بدر الجمالي أن عهد بالوزارة لابنه الأفضل شاهنشاه الذي كان يشاركه في أعمال الوزارة فلما توفي بدر في جمادى الأولى (487 هـ =1094 م) خلفه ابنه في الوزارة، وأقره الخليفة على منصبه، ثم لم يلبث أن توفي المستنصر بعد ذلك بشهور في (18 من ذي الحجة سنة 487 هـ =29 ديسمبر 1094م) عن عمر يناهز سبعة وستين عامًا، وبعد حكم دام نحو ستين عامًا.
وكان الخليفة المستنصر قد سمى أكبر أولاده نزار المصطفى لدين الله خلفا له في الإمامة والخلافة. إلا أن الوزير الأفضل الذي كان يهدف لتقوية مركزه الدكتاتوري له خططا أخرى. فسارع للتحرك عقب وفاة الخليفة المستنصر مباشرة في خطوة وصلت إلى حد الانقلاب في القصر. فقام بتنصيب الاخ الغير شقيق لنزار «أحمد» على رأس العرش الفاطمي ولقبه بالمستعلي بالله.
وكان على المستعلي بالله اصغر أبناء المستنصر وابن اخت الوزير الاعتماد الكلي على وزيره القوي. سارع نزار المخلوع إلى الفرار إلى الإسكندرية وأعلن من هناك الثورة. وحققت ثورته نجاحات كبيرة.وتقدمت قواته إلى مشارف القاهرة إلا انها ما لبثت أن تعرضت لهزيمة كبيرة وقع على اثرها نزار في ايدي جنود الأفضل ليسجن ويقتل.
وكان الخليفة المستنصر قد أبلغ حسن الصباح أن الإمام من بعده سيكون نزار. لذلك فهو لم يتردد في تأييد قضية نزار وقطع روابطه بنظام الحكم الفاطمي واعتبر المستعلي بالله غاصبًا للخلافة والإمامة واتبعه بذلك جل الإسماعيليين في فارس.وبايع نزار وابنه الهادي من بعده على الإمامة ليُعرفوا فيما بعد بالإسماعيلية النزارية. وبمرور الوقت استطاع «النزاريون» الثأر لنزار وذلك باغتيال الوزير الأفضل سنة 1121م وفي عام 524 هـ\1130م اُغْتيلَّ الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله في القاهرة من قبل عشرة حشاشين.
بمجرد أن سيطر حسن الصباح على قلعة ألموت بدأ بنشر دعاته في جميع أرجاء إيران السنية التي كان سكانها يتذمرون من الحكم السلجوقي للبلاد. فأرسل دعاته إلى كوهستان، وهي منطقة جبلية قاحلة تقع على الحدود بين إيران وأفغانستان الحاليتين وقد تحوَّل الأمر في كوهستان إلى ما يشبه الثورة الشعبية أو حركة استقلال من الحكم السلجوقي، فقد هبَّ الإسماعيليون في ثورات صريحة في كثير من أنحاء الإقليم وفرضوا سيطرتهم على عدة مدن رئيسية وهي شوشان وقعين وطبس وتون وأخريات. وسرعان ما انتشرت الدعوة في منطقة رودبار المجاورة لقلعة ألموت وحققت نجاحًا لا يقلّ عن مثيله في كوهستان. وكانت المناطق الجبلية ذات ميزة واضحة للتوسع الإسماعيلي. وهناك مناطق مماثلة تقع في الجنوب الغربي لإيران في المنطقة بين خوزستان وفارس حيث البلاد المنيعة والسكان الساخطون على الحكم السلجوقي والتراث المحلي الموالي للشيعة والإسماعيلية.
وقد أثار هذا الانتشار السريع والانتفاضات على السلطة السلجوقية عظيم القلق عند السلطان السلجوقي ملكشاه ووزيره الأكبر نظام الملك الذي كان شديد العداء للإسماعيليين ولحسن الصباح.
ولم يتأخر السلاجقة في مواجهة هذا التمرد عسكريًا ففي سنة 1092 م قام السلاجقة بتحشيد جيوشهم، وفرضوا الحصار على قلعة ألموت معقل الدعوة الإسماعيلية وهاجموا منطقة كوهستان.
ويذكر المؤرخ الجويني بأن حسن الصباح لم يكن معه في قلعة ألموت أكثر من ستين أو سبعين شخصًا في ذلك الوقت، ولكنهم نجحوا في صدّ مُحاصريهم، وفي إحدى ليالي سبتمبر من نفس السنة هاجم سكان رود بار بشكل مفاجئ الجيش السلجوقي؛ مما أدّى إلى انسحاب الجيش وانتهاء الحصار عن ألموت، ثم ارتفع الحصار في كوهستان عندما وصلت أخبار وفاة السلطان السلجوقي في نوفمبر 1092م\485 هـ ولم يحقق السلاجقة أيّاً من أهدافهم.
وفي تلك الأثناء أُحرِزالحشاشون أول نصرٍ كبير لهم. وكانت ضحيتهم الأولى الوزير السلجوقي نظام الملك الذي كان ذا سلطة عالية في البلاط السلجوقي؛ ومن أشد المحرّضين على الهجوم على الإسماعيليين ففي 12 رمضان 485 هـ (16 ديسمبر 1092م) تقدّم أحد الفدائيين الإسماعيليين وهو مُتخفٍ بثياب الصوفيين نحو محفة الوزير الذي كان محمولاً ومتجهًا إلى خيام حريمه، فهاجم الوزير وطعنه فمات الوزير وقُتِل المهاجم.
وتمكّن الإسماعيليون من السيطرة على قلعة بشرق البورج في عام 1096م حيث حصلوا على مساعدات قيّمة من حاكم دمغان، وهو ضابط يُدعى مظفر كان قد تحول سرًا إلى العقيدة الإسماعيلية، إلا أنه كان يتظاهر بالولاء للدولة السلجوقية حتى عُيّن قائد على قلعة، فقام بترميمها وعندما اكتملت ترتيباته صدع بحقيقة انتمائه باعتباره إسماعيليًا من أتباع حسن الصباح، وظل يحكم القلعة 40 سنة، وكانت قلعة غيردكوه تطلّ على الطريق الرئيسي بين خراسان وغرب إيران مما جعلها ذات قيمة استراتيجية كبيرة للقوة الإسماعيلية المتصاعدة.
واستطاع الإسماعيليون تدعيم قوتهم في رود بار أكثر فأكثر بالسيطرة على قلعة لامسار بهجوم شنّوه عليها في الفترة من 1096 إلى 1102 وكان يقود الهجوم «كيا بزرجميد» الذي ظل قائدًا للقلعة طيلة عشرين عامًا. وكانت القلعة تحتل مكانا استراتيجيًا فوق صخرة مستديرة تطلّ على نهر شاه رود.
استمر الانتشار السريع للدعوة ليصل إلى أصفهان والتي كانت مقر السلطان السلجوقي نفسه، ورغم الصعوبات تمكّنوا من السيطرة على قلعة شاه ديز؛ والتي تقع بالقرب من المدينة. وكان أحمد بن عبد الملك بن عطاش يتولى الدعوة السرية فيها حتى تمكّنوا من السيطرة على قلعة أخرى قريبة من أصفهان تسمّى (حصن خالنكان).
ولكن السلطان السلجوقي الجديد قرر قيادة حملة عسكرية لتدمير المراكز الرئيسية للإسماعيليين المتمثّلة في قلاع رودبار وغيردكوه؛ وبخاصة قلعة ألموت العظيمة مقر حسن الصباح. ففي عام 1107م-1108م أرسل السلطان حملة عسكرية إلى رودبار تحت قيادة وزيره أحمد بن نظام الملك والذي كان والده أول ضحايا الإسماعيليين أحرزت هذه الحملة متاعب كثيرة للإسماعيليين، إلا أنها فشلت في تحقيق هدفها الرئيسي في الاستيلاء على قلعة ألموت.
وبعد أن اتضح للسلطان السلجوقي أن الاستيلاء على قلعة ألموت بالهجوم المباشر مستحيل؛ لذا قرر اللجوء إلى حرب استنزاف. فيقول المؤرخ الجويني:«لثماني سنوات متوالية كانت القوات تأتي إلى رودبار وتدمر المحاصيل ويشترك الجانبان بالقتال» حتى أُصيب الإسماعيليون بقحط شديد، فقرر السلطان محمد تابار إرسال قواته بقيادة شيرجير لمحاصرة القلاع حتى تدميرها، وبالفعل تمت محاصرة لامسار في 4 يونيو 1117م\511 هـ وقلعة ألموت في 13 يوليو وأقاموا المنجنيق. وما أن حلَّ شهر أبريل 1118م حتى كانوا قد أوشكوا على الاستيلاء على القلاع إلا أن الأنباء قد وصلت بوفاة السلطان محمد فتفرق الجند ونجا الإسماعيليون من الفناء. كان انسحاب جيش شريجير وهو على وشك الانتصار سبباً لخيبة أملٍ شديدة عند أعداء الإسماعيليين، كما يبدو أن أنباء وفاة السلطان لم تكن وحدها السبب في هذا الانسحاب المتعجّل. إذ قد يكون هناك دور لعبه الوزير السلجوقي قوام الدين نصير الدرجازيني، ويُقال أنه كان إسماعيلياً في السر. وكان لهذا الوزير التأثير الكبير على السلطان محمود ابن السلطان المتوفي وخليفته ويقول برنارد لويس: «إنهُ هو الذي دبر انسحاب جيش شيرجير من ألموت وبذلك أنقذ الإسماعيليين في آخر لحظة، كما أنه حرّض السلطان الجديد محمود ضد شيرجير فألقى به في السجن وقتله، وقد أُتهم الدرجازيني بعد ذلك بالتآمر في عدة اغتيالات أخرى؛ مما جعل أصابع الشك تتجه إلى أنه لعب دورًا في وفاة السلطان محمد المفاجئة».
في مايو 1124م\518 هـ مرِض حسن الصباح فأعدَّ العُدة لمن سيخلفه، فوقع اختياره على رفيقه بزرجميد، فتوفي حسن الصباح في الـ23 من نفس الشهر.
قضى المغول بقيادة هولاكو على هذه الطائفة في بلاد فارس سنة 1256م حيث قام بمهاجمة الحشاشين واستطاع ان يستولي علي قلعة ألموت وعلى أكثر من 100 قلعة من قلاعهم وإحراق للقلاع والمكاتب الإسماعيلية قبل أن يتجه هولاكو لمهاجمة العباسيين وعاصمتهم بغداد وإحراقها، وسرعان ما تهاوت الطائفة في الشام أيضاً على يد الظاهر بيبرس سنة 1273م