إقتصاد و شركات
الدول الصغيرة تسدد فاتورة إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد
“لا يعرف المصادفات أو الحسابات المُتسرعة” ذلك هو عالم الاقتصاد والسياسة، الذي قد يخطئ البعض ويعتقدون أن هناك أحداث اقتصادية أو اتفاقيات تجارية وصراعات اقتصادية تظهر فجأة على السطح بدون أن تكون جزء من منظومة أكبر تم الإعداد لها من قبل القوى الاقتصادية العالمية، وربما تُعد جزء من صورة أكبر وأعم جرى الإعداد لها بدقة وجدول زمني لتتجه نحو طريق محدد، وربما يكون الصراع بين المعسكرين الشرقي الغربي الذي لم يقف عند الجانب السياسي والعسكري فقط بل تعداه للجانب الاقتصادي، أوضح مثال على ذلك، حيث تحولت الحروب ووسائل الضغط بين القوى العالمية من تحريك الجيوش والأسلحة إلى زيادة القيود على حركة الاستيراد والتصدير، منع توريد بعض المعدات والمواد الخام، والتهديد بسحب رؤوس الأموال والشركات العالمية من السوق المحلي، فضلًا عن فرض عقوبات على الشركات التي يقع مقرها الرئيسي في الدولة المُعادية، مع القيام بحملات إعلامية لتخويف المستثمرين من ضخ أموال بالدولة التي يتم الصراع معها، وربما يكون أبرز الأمثلة على ذلك هو الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من جانب وروسيا والصين وبعض دول المعسكر الشرقي من جانب أخر.
الصراع بين الغرب والشرق
يوضح تقرير “إعادة تشكيل خريطة التجارة العالمية“، الصادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، الذي نُشر في مارس الماضي أنه منذ عام ٢٠١٧ حتي ٢٠٢٣ ارتفع متوسط التعريفات والقيود الجمركية بين الصين والولايات المتحدة إلى ما يعادل ٦ أضعاف، وخلال نفس الفترة انخفضت حصة الصين من الواردات الأمريكية من السلع المُصنعة من ٢٤٪ إلى ١٥٪، مع فرض بعض القيود على توريد سلع إلكترونية محددة إلى الجانب الصيني، فضلًا عن الضغوط التي مارستها أمريكا تجاه بعض الشركات الصينية، لتبدأ الصين هي الأخرى ببعض الخطوات الاستباقية وتزيد علاقاتها مع دول “الأسيان” الأعضاء في مبادرة الحزام والطريق، وتعمل على تنشيط تحركاتها نحو الإسراع في تنفيذ “طريق الحرير الجديد”، وهي استراتيجية تنموية تعتمدها الحكومة الصينية وتتضمن تطوير البنية التحتية والاستثمارات في 152 دولة ومنظمة دولية في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، والتي قال عنها الأمين العام للأمم المتحدة “أن العالم سيستفيد أولًا من تلك المبادرة لتسريع الجهود لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لأنها تعتمد على تنسيق السياسات بين الدول التي يمر بها الطريق، وتربط المرافق الخدمية التي تنشأ حولها، كما أنها تتيح التجارة دون عوائق، وتدعم التكامل المالي والتبادلات بين الناس”.
لم تكتف الصين بذلك، بل دخلت في اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة التي تتكون من ١٥ دولة حول العالم، والذين يساهمون بحوالي ٣٠٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، لتتحرك الصين بشكل أسرع نحو منطقة الخليج العربي وترفع قيمة صادراتها لتلك الدول لحوالي ١١٢.٥ مليار دولار خلال عام ٢٠٢٣، بالإضافة لقيام التنين الصيني بعدة اتفاقيات للتجارة الحرة مع دول القارة الإفريقية، حتى أن البعض وصف الأمر بأن القارة السمراء ربما تكتسي باللون الأحمر قريبًا – في إشارة للعلم الصيني –
وفي ذات السياق لم يقتصر الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي على الولايات المتحدة والصين فقط، بل دخل العم سام والاتحاد الأوروبي في صراع اقتصادي واسع بعد الحرب الروسية الأوكرانية التي – ألمح بعض الخبثاء أنها فخ مُحكم الإغلاق وقع فيه الدب الروسي – حيث انخفضت حركة التجارة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا بنحو ٨٠٪ بين فبراير ٢٠٢٢ حتى سبتمبر ٢٠٢٣، حتى وصل الأمر لتُخفض المملكة المتحدة تجارتها مع روسيا إلى ٩٥٪، لتخفض روسيا هي الأخرى وارداتها من الغاز الطبيعي الألماني لتصل لحوالي ١٪ فقط خلال عام ٢٠٢٣.
لتبدأ في ذات الوقت ذلك معركة اقتصادية طاحنة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وروسيا، مُتضمنة عدة عقوبات تجاه الأخيرة، تسببت في تراجع قياسي لسعر صرف الروبل الروسي، وانسحاب عدة شركات عالمية ورؤوس أموال من موسكو، حتى أنه قد وصل الأمر لتصل عدد العقوبات المفروضة على روسيا لأكثر من ١٦ ألف عقوبة منذ فبراير ٢٠٢٢ حتى الآن.
حلبة مصارعة