فى العقود والسنوات الماضية كانت لدى قناعة راسخة أن معيار نجاح المسئول فى بلدنا وبقاوءه فى منصبه واستمراره لسنوات طويلة ليس له أى علاقة بانجازاته أو قدرته على التغيير والتطوير وحل المشاكل – بل فى الواقع – فى قدرته ومهارته فى البحث عن الأسباب والمبررات التى تمنعه من القيام بتلك المهام وابرازها كان هذا المبدأ للأسف مطبقا ومتبعا على أعلى المستويات الإدارية فى الدولة فكنا نسمع كثيرا على سبيل المثال أسباب تتعلق بالبعد الاجتماعى كمبرر لعدم إتخاذ إجراءات إصلاح اقتصادى ، وضعف امكانيات الدولة كمبرر للتقصير فى كل المجالات ، وزيادة التعداد السكانى التى تغل يدى الدولة عن عمل أى شيء حتى عن محاولة إيجاد حلول لتلك المشكلة ذاتها – هذا بالطبع مع عدم التقليل أو الاستهانة بحجم وحدة تلك المشاكل ولكن للمهام الصعبة دائما رجالها .
كان هذا هو المنهج والمبدأ المتبع على كافة المستويات الإدارية ومن ثم كنا نرى المسئول يظل فى موقعه لسنوات طوال دون تحقيق أى انجاز او إحداث أى تغيير يتناسب مع فترة توليه لمنصبه وذلك تحقيقا للهدف المنشود الذى أطلق عليه آنذاك ( الاستقرار ) ولم يكن فى الواقع استقرارا بقدر ما كان ركودا وتخلفا وسكونا يشبه سكون الموت .
بإختصار كان المسيول يأتى إلى موقعه والمفترض أن أهم واجباته ومسئولياته هو إيجاد حلول للمشاكل وإحداث التغيير ليخبرنا بأنه لا يستطيع الإنجاز والتغيير بسبب وجود مشاكل وكما لو كانت مسئولية إيجاد حلول لتلك المشاكل تقع على عاتق المشاكل نفسها ….!! هنا يثار سؤال بديهى وبسيط ألا وهو : إذا كان حل تلك المشاكل يأتى فى إطار صلاحياتك ومهام وظيفتك لماذا لم تؤدى واجبك وتبادر بالتغيير وإيجاد الحلول ، واذا كانت أعلى من صلاحياتك وقدراتك لماذا قبلت تولى المنصب والاستمرار فيه وأنت تعلم إنك ستواجه مشاكل وعقبات لا تستطيع التعامل معها ؟
لم يعد هذا هو منهج الدولة الحديثة بعد ثورة ٣٠ يونيو فلدينا الآن رئيس وفريق عمل يسابقون الزمن ويقتحمون بجراة شديدة أصعب المشاكل وأكثرها تعقيدا لإيجاد الحلول المناسبة وإحداث التغيير والتطوير المطلوبين ، وربما يكون أصدق وصف للمنهج المتبع حاليا هو ما ذكره الإقتصادي الشهير طلال أبو غزالة أن مصر بها رييس يعمل للمستقبل على حساب الحاضر وهو عكس ما يتبعه معظم الرؤوساء الذين يقومون بإعطاء مكاسب آنية سريعة لشعوبهم على حساب الأجيال والسنوات القادمة لكسب الأصوات فى صناديق الانتخابات والبقاء فى مناصبهم لأطول فترة ممكنة .
نعم لم يعد هذا هو مبدأ الدولة ممثلة فى قيادتها السياسية ، ولكن للأسف ما زال هذا الموروث منهجا متبعا من كثير ممن يحتلون مراكز قيادية فى أجهزتنا ومؤسساتنا . ما زال كثيرا من هؤلاء لا يدركون أن العبرة فى النهاية بالنتائج والإنجازات فقط مهما كانت التحديات والمعوقات ومهما كانت الحيل التى تتبع لتبرير الإخفاق والعجز عن الإنجاز والتطوير والاستمرار بالتمتع بمزايا المناصب ..
هناك مثلا من يعتقد أن إرضاء الرئيس المباشر بالحق. والباطل هو الأمان والضمان للاستمرار لأطول فترة ممكنة ، وآخرون يتصورون أن إظهار صورة العمل لساعات طويلة وبذل الكثير من الجهد هو معيار الأداء بغض النظر عن النتائج المحققة ، وغيرهم ممن يبرر الإخفاق بإلقاء اللوم على فريق العمل المساعد غير المؤهل للقيام بالمهام المطلوبه منهم ……… وغيرها من الأساليب والحيل التى تستهدف الاستمرار وتبرر الفشل .
أقول لكل هؤلاء أن التاريخ والشعوب والأفراد لا يتذكرون المسئولين والقادة سوى بانجازاتهم ونتائجهم والتغيير الذى احدثوه وهذا فى الواقع هو الفرق بين النجاح والفشل مهما بررت لنفسك وللآخرين إخفاقاتك .
مكانك ومكانتك فى قلوب الناس وضمائرهم وسمعتك المهنية تحددها وتقررها إنجازاتك – فان لم تستطع فالأكرم لك أن تترك موقعك وترحل لأن العبرة فى النهاية بما قدمت وبالنتائج المحققة على الأرض وليس أى شيء آخر . التاريخ يسجل والناس تتذكر النجاحات والإنجازات ولا أحد يتذكر أو حتى يعترف ويتقبل مبررات الفشل والإخفاق .