مقالات وأراء
الناخبون العرب في أميركا
إن إجابة سؤال عدد الأميركيين العرب “يختلف حسب من تسأل”، عندما تعمل بناء على الإحصائيات الرسمية فالأرقام تكون غير دقيقة، لذلك عندما تجد شخصا على التلفاز يقول إن تعداد العرب في أميركا من 100 إلى 125 ألف فهو أميركي أبيض في واشنطن يستقي معلوماته من شخص أبيض آخر، بينما على الأرض نحن نعرف أن الأرقام أكبر بكثير.
“من الأرقام الدقيقة أن 55 بالمئة من الناخبين المسجلين في مدينة ديربورن هم من الأميركان العرب، وهناك قرابة 75 ألف ناخب مسجل في مدينة ديربورن.. وإذا نظرنا إلى عموم ولاية ميشيغان نجد قرابة ربع مليون ناخب (أميركي عربي) مسجل”، وبذلك على أن الأرقام المتداولة عن تعداد الأميركيين من أصول عربية أقل بشكل كبير من الأرقام الحقيقية.
الحصول على بيانات موثوقة 100% في عموم الولايات المتحدة مستحيل تقريبا إلا في حال تم وضع خيار في الإحصاء العام”. البحث فيما يقوله الإحصاء العام الذي يجري في الولايات المتحدة على رأس كل عقد كان الخطوة المنطقية عند محاولة الإجابة على السؤال.
إذا لجأنا إلى مصدر رسمي أيضا وأحدث من الإحصاء العام، سنصطدم بمشكلة مختلفة. مسح المجتمع الأميركي لعام 2021 يستخدم أيضا تصنيف “الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، ويحدد تعداد هذه الشريحة السكانية بـ 3.806.903 نسمة ويخبرنا بأن 3.099.371 منهم يحملون الجنسية الأميركية، لكننا نصطدم بأنه لا يوفر تعداد من يحق لهم التصويت (فوق 18 عاما).
كما أن البيانات المتاحة من المسح لا تحدد عدد من ينحدرون من إسرائيل وإيران مثلا من بين هذه الشريحة.
فما جذور الخلاف بشأن تصنيف المنحدرين من دول عربية وهويتهم؟
كانت الجنسية الأميركية للمهاجرين المولودين خارجها مقصورة على العرق الأبيض، أما المهاجرون من آسيا وأفريقيا وحتى السكان الأصليين لأميركا لم يكن لديهم الحق في الحصول عليها، وعندما تقدم عربي بطلب التجنس رُفض طلبه باعتباره حسب إرشادات مكتب التجنيس وقتئذ ينتمي للعرق الصيني – المنغولي كونه ولد في قارة آسيا.
العربي قال في إحدى جلسات قضيته “إذا كنت منغوليا فإن يسوع كان كذلك أيضا، لأننا جئنا من نفس الأرض”. الحكم في النهاية جاء في صالح شيشم وكافة المهاجرين القادمين من لبنان وباقي البلدان العربية.
منذ ذلك الوقت أصبح العرب ومن معه في نظر الأوراق الرسمية من العرق الأبيض. وعند إجراء الإحصاء العام، حتى سنة 2020، كان السكان العرب أو ذوي الأصول العربية مشتتين بين اختيار “أبيض” عند خانة العرق أو كتابة “عرق آخر”، ما جعل مسألة تحديد تعداد العرب الأميركيين وحجمهم وتأثيرهم أمرا شبه مستحيل.
بعد قرن من ذلك الزمان لم يعد الأميركيون العرب يرغبون في هذا التصنيف. ولو أنه في التعداد السكاني لعام 2020 وُضع خيار للسؤال إن كان الشخص من الشرق الأوسط، لكن ذلك لم يكن موجودا مع الأسف”.
منذ بداية الألفية كانت هناك جهود حثيثة لإضافة تصنيف جديد إلى الإحصاء للمنحدرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يمكن بداخله تحديد أكثر لجذور الشخص الذي يملأ استمارة الإحصاء، كخطوة – وإن كان البعض يريدها أكثر تحديدا بوضع التصنيف العرقي “عرب” داخل الإحصاء – نحو تمثيل أفضل لهذه العرقية.
لم يسفر هذا الجهد، حتى الآن، سوى عن توصية من إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما بوضع هذا التصنيف في الإحصاء لكن لم تنفذها إدارة خلفه دونالد ترامب التي أشرفت على إجراء إحصاء 2020.
حسب ذلك الإحصاء يتحدر أغلبية سكان الولايات المتحدة من أصول عربية من لبنان (685,672 نسمة) ومصر (396,854 نسمة) وسوريا (222,196 نسمة) والعراق (212,875 نسمة) وفلسطين (174,887 نسمة).
ويسكن أغلبية هذه الشريحة السكانية في كاليفورنيا (740,219 نسمة) وميشيغان (310,087 نسمة) ونيويورك (304,379 نسمة) وتكساس (249,362 نسمة) وفلوريدا (204,069 نسمة).
الأنظار ستتجه في نوفمبر 2024 بحلول موعد الانتخابات إلى من يقطنون ميشيغان على وجه الخصوص، بعد احتدام الشقاق بين الناخبين الأميركيين العرب في عموم الولايات المتحدة وبين إدارة الرئيس بايدن.
انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة عام 2016 جاء مفاجأة للكثيرين، ومن بين ما لفت الانتباه فوزه بأصوات ولاية ميشيغان التي كانت قبل أربعة أعوام فقط صوتت لصالح أوباما بفارق نحو 10 نقاط عن منافسه الجمهوري وقتئذ ميت رومني وبعد أن بقيت لخمس دورات انتخابية تصوت لصالح الديمقراطيين.
بعد أربعة أعوام أخرى سيعود الديمقراطيون للتفوق في الولاية الواقعة في شمال الشرق الأميركي بفوز بايدن بأصواتها في معركته الانتخابية مع ترامب في نوفمبر 2020.
“الجالية العربية تمثل رقما صعبا في الولايات المتأرجحة” يقول أسامة السبلاني الذي شهد على نمو هذه الجالية على مدار نحو نصف قرن منذ هجرته واستقراره في ميشيغان.
وبنسلفانيا وجورجيا وأريزونا وأوهايو وميشيغان وويسكونسن، هذه الولايات متأرجحة والعرب الأميركيون موجودون في كل الولايات”.
استطلاعات الرأي الأحدث حتى لحظة كتابة هذا التقرير تتفق مع تصنيف هذه الولايات بأنها متأرجحة – عدا أوهايو – لكن ميشيغان التي تحمل ثقلا انتخابيا يساوي 15 صوتا في المجمع الانتخابي – من أصل 538 – تشكل الاحتمال الأكبر لبروز تأثير الناخب العربي الأميركي.
فميشيغان يعيش فيها أكبر نسبة من السكان
ذوي الأصول العربية (3.07 بالمئة)
قد تبدو النسب صغيرة جدا لكنها في حالة ميشيغان كونها ولاية متأرجحة قد تكون فارقة. ففي انتخابات 2016 احتاج ترامب نحو 10 آلاف صوت فقط للفوز بأصوات ميشيغان على حساب منافسته الديمقراطية حينها هيلاري كلينتون. بينما كان الفارق في انتخابات 2020 نحو 150 ألف صوت لصالح بايدن.
بوجود نحو ربع مليون ناخب عربي مسجل في ولاية ميشيغان، فإن بإمكان الناخبين العرب التأثير بشكل حاسم في الانتخابات المقبلة هناك.
ويبدو أن الناخبين العرب هناك يدركون حساسية الموقف، حيث يقول السبلاني الذي شارك عام 1998 في تأسيس “اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي” التي نشطت كلوبي عربي محلي: “استطعنا أن نؤسس قاعدة سياسية قوية في ولاية ميشيغان والتي كانت بنية لبناء قوة سياسية، والتي بدأت تظهر على الأرض من خلال مواقع نحصل عليها في القضاء والسياسة والاقتصاد”.
وأن الناخبين العرب كانوا “سببا رئيسيا في انتخاب الديمقراطيين في مجلس الشيوخ” خلال العقد الماضي في عدد من الولايات.
وعند الحديث عن الانتخابات المقبلة يرى أن الناخب العربي في ميشيغان سيفكر في عدد من القضايا من بينها قضايا محلية الطابع، “لماذا مثلا ولاية ميشيغان لا يمثلها قاض في المحكمة الفدرالية؟ فكيف تكون أميركا من الشعب إلى الشعب ولا وجود للعرب في هذه المؤسسة؟”.
لكن القضية الكبرى التي يتحدث عنها الجميع تتعلق بالحرب الإسرائيلية في غزة، وموقف الإدارة الأميركية منها.
دعم بايدن وإدارته المتواصل لإسرائيل خلال هذه الحرب، التي اندلعت عقب هجوم لحركة حماس على إسرائيل أسفر عن مقتل المئات، واستمرت بحملة عسكرية إسرائيلية أوقعت عشرات آلاف القتلى، يشكل حاليا موقف كثير من الناخبين الأميركيين العرب تجاهه.
انخفض تأييد هؤلاء الناخبين له من 59 في المئة إلى 17 في المئة، بانخفاض قدره 42 في المئة عن عام 2020، وفقا لاستطلاع رأي أجري على المستوى الوطني.
ويرى المعهد العربي الأميركي الذي أجرى الاستطلاع أن التأثير الإجمالي لوجهات النظر السلبية تجاه الرئيس الأميركي وسياساته لا يظهر فقط في الانخفاض الكبير في دعم الناخبين المتوقع في عام 2024، بل له أيضًا تأثير كبير على حزب بايدن الديمقراطي.
ووفقا للمعهد، فهذه هي المرة الأولى خلال 26 عامًا من استطلاعات آراء الناخبين العرب الأميركيين، التي لم تزعم فيها الأغلبية أنها تفضل الحزب الديمقراطي.
لكن ناشطين في المجال السياسي كالسبلاني يرون أن التركيز سينصب على الانتخابات الرئاسية أكثر من غيرها، ولا يرون الخيار محصورا بين بايدن وترامب.
“لدينا خيار ثالث وهو عدم الانتخاب للرئاسة. نشارك بالانتخاب ولكن لأصدقائنا وحلفائنا ومن يمثلونا ويمثلون قضايانا، أما على المستوى الرئاسي فيمكن ألا ننتخب”، حسبما يوضح السبلاني، ويضيف..
“سنحاول إقناع الجالية العربية والمتضامنين معنا بأن نصنع فجوة في الانتخابات الرئاسية”.
هذا التوجه بدأ في الظهور عمليا مع حملة تحمل اسم “تخلى عن بايدن” انطلقت في مطلع ديسمبر 2023 وبدأت العمل في ميشيغان وويسكونسن وأريزونا وجورجيا وبنسلفانيا ونيفادا وفلوريدا ومينيسوتا، بهدف الضغط لعدم التصويت للرئيس بايدن أو منافسه ترامب.
الأميركيون العرب لن يكونوا الوحيدين الذين سيسعون لـ “التخلي عن بايدن”، من بين حلفائهم الأميركيون المسلمون الذين يرون إمكانية للتأثير في ولايات أخرى غير ميشيغان.
طارق أمين، وهو طبيب يمثل الجالية المسلمة في ولاية ويسكونسن، قال في تقرير لوكالة رويترز إن هناك “نحو 25 ألف ناخب مسلم في الولاية التي فاز فيها بايدن بنحو 20 ألف صوت”، وأضاف:
“سنغير التصويت وسنجعله متأرجحا”.