.. كل من شاهد فيلم الممر أحبه، فالعمل صنع حالة من الوهج والبريق بعيون الناس وعقولهم وقلوبهم، وهذه هي السينما الحق ..
الأرقام تتحدث .. فمعني أن يحقق فيلماً حربياً كل هذا الكم الهائل من الإرادات في شباك السينما – 74 مليون جنيه – لعمل يقترب زمنه من الساعتين والنصف،
هو أننا أمام تغير نوعي وهام في تاريخ السينما، وتحديداً فيما يتعلق بإختلاف زائقة الجمهور والذي هو بالأساس جمهور شبابي بمرحل عمرية سنية لا تتخطي الثلاثين عاماً ..
جمهور غالباً ما يبحث عن السهل والخفيف والمسلي …
سينما الإنتماء
.. إذا نحن أمام إشارة ودلالة واضحة .. بأننا نعيش وسط جيل شبابي صغير منتمي لبلده، يعرف ويقدر قيمة الأرض والتراب الوطني،
يريد أن يعرف أكثر عن بطولات وتضحيات أبناء وطنه بالقوات المسلحة وبالتأكيد بغيرها من كل مجالات ونواحي الحياة ..
وهذا أيضاً ما ينطبق علي هذه النوعية من الأفلام والأعمال الدرامية التي يمكن نعتها بدراما الإنتماء،
والتي تُعلي من قيم الوطن والتمسك بمبادءه والحرص علي تطوره، وتمجد قدرات وطاقات ومواهب إنسان مصر ..
العربي الميت
الفيلم لم يكتفي بكونه عملاً حربياً نادراً لبطولات أبناء الصاعقة بالقوات المسلحة المصرية،
في لحظات وساعات كانت الأحلك في تاريخ هذا الوطن بالعصر الحديث،
ولكنه قدم وجبة حوارية دسمة تتعرض في الصميم للمعاني والقيم الحاكمة لطبيعة الصراع العربي الصهيوني ..
وهذا ما جاء صراحة علي لسان الضابط البطل “نور – أحمد عز” عندما قالها صراحة لإبنه الصغير “علي” بعد نقاش أبوي عن سر سبب الهزيمة .. بأن الماتش لسا ما خلصش .. !!! ..
هذه الجملة التي كررها البطل نور عدة مرات وهو يرفع إبنه الصغير علي للسماء ..
إشارة بأن الأب قادر علي صنع الانتصار بعد الإنكسار وأن الجيل القادم قادر علي الفوز في أي معاركة ومتشات أخري قادمة ..
هذا إضافة للمشهد الأهم وذروة العمل الدرامية، الذي يجمع بين الضابط البطل نور والضابط الصهيوني دافيد أليعازر،
الذي يكشف لنا طبيعة الأطماع الصهيونية بالأراضي العربية المبنية علي خرافات وضلالات تاريخية وتحريف ديني توراتي ..
هذا إضافة لما قدمه العمل من طبيعة رؤية الصهاينة للعرب في جملة حوارية سهلة بسيطة كتبها المخرج المؤلف شريف عرفة أكد فيها علي الطبيعة الوحشية لمعتنقي الصهيونية في نظرتهم للعرب التي تري بأن .. العربي الطيب هو العربي الميت .. والتي قالها الضابط الصهيوني دافيد أليعازر لأحد جنوده ..
جملة حوارية خاتمة تؤكد وتقدم الرؤية الصهيونية الدموية للإنسان العربي .. والذي يجب فناءه ووئده .. كي يتسني لهم حيازة الأرض والاستحواز عليها ..
وحقيقة أغلب مواقف الفيلم الدرامية منسوجة بإبداع شديد وكذلك الحوار المكتوب بيد عرفة .. حوار سينمائي بامتياز .. جمل قصيرة شيقة .. تمتلأ بالمعاني والأفكار التي تعبر عن مضمون فلسفي ديني سياسي مركب وصعب للغاية ..
إذا نحن أمام حالة حوارية أتقان صناعتها من أصعب ما يمكن، ولكن نحن في النهاية أمام مبدع وريث وأخٍ لمبدع، يعيش حياته كلها للإبداع ..
السند
أما عن الأداء التمثيلي في هذا الفيلم فحدث ولا حرج … إتقان ملحوظ لكل من بالعمل .. فحتي من قدموا مشاهد قليلة معدودة أجادوها بشكل ملحوظ ..
يبدو أن قيمة العمل وأهميته كانت محفزا ودافعاً للإتقان .. ولكن الملفت بهذا العمل شخصية الزوجة التي قدمتها الفنانة “هند صبري” والتي بأداء سلسل ناعم قدمت نموذج للزوجة الصابرة الواثقة من نفسها ومن قدرتها الحفاظ علي بيتها بالرغم من الهزة النفسية والوجدانية العنيفة التي يمر بها الزوج المقاتل بعد الإنكسار الهزيمة ..
فشخصية “ليلي” نموذج للزوجة السند التي يحتاج تقديمها وتشخيصها علي الشاشة لحساسية شديدة، وحقيقة أكم ما نفتقد هذا النموذج في درامنا العربية …
الأغاني الموسيقي
.. يعد شريط الصوت والموسيقي التصويرية المصاحبة لمشاهد فيلم الممر أحد أهم دعائم نجاح هذه العمل إلي جانب السيناريو المحكم البناء والتمثيل المتقن ..
فكلمات أغانيتي الفيلم “الممر وقرار خدناه” تمتلأ بالكوبلهات المعبرة عن الصمود والتحدي والثقة بالنفس والمستقبل ..
وهذا ما أتقن صياغته كاتب الأغاني أمير طعيمة في هاتين الأغنيتين .. بكوبلهات رشيقة ممتعة الكلمات غنية المضمون تمتلأ بالحيوية والمعاني المشرقة ..
إن فيلم الممر أثبت لنا أن لدينا صناع وطاقات سينمائية قادرة علي إبداع المستحيل،
كما أن لدينا أجيلاً من الجماهير تبحث عن هذه النوعية من الأعمال الدرامية الحربية، التي تصب في خانة الهوية المصرية،
وأيضا تذوب المسافات والفروق بين أبناء المجتمع ومؤسسات بلاده، خصوصاً وأننا الآن نعيش حالة من التفكك المجتمعي المتعمد الذي تعبث به أياد خارجية تستغل الظروف الاقتصادية أو العرقية أو الدينية لهدم هذه المجتمعات من خلال الإقتتال الداخلي الطائفي ..
إن فيلم الممر بحاجة لأجزاء أخري يتم تقديمها سريعاً خلال الأعوام القليلة القريبة المقدمة .. قبل تهدأ هذ الحماسة لهذه النوعية من الأعمال الهامة .. فلا يجب علينا كجماهير ونقاد أن ننتظر لعقد آخر من الزمان أو حتي لبضع سنوات حتي يظهر لنا ممر جديد .. بما يحمله هذا الإسم من دلالات معنوية إنسانية وتكتكية عسكرية ..