مقالات وأراء

“أحمد إبراهيم” يكتب: “الباب الأخضر” فيلم مكتمل …

لن أكون مغالياً إن نعت الكاتب والسيناريست الراحل أسامة أنور عكاشة بسكشبير الدراما العربية بالتأكيد ليس هذا من قبيل الإعجاب الفكري والفني بإنتاج أسامة أنور عكاشة أو لكونه رجلاً ناصري الهوي مثلي، ولكن لأن هناك العديد من المعطيات والأسباب التي دفعتني لهذا التشبيه والوصف ..

.. شكسبير الدراما العربية ..!!

 فبتمكن شديد استطاع أسامة أنور عكاشة، تقديم أيقونات درامية سواء للتلفزيون أو للسينما، هذه الأعمال الفنية لازالت صالحة للمشاهدة في أي وقت وزمان، تتابعها الأجيال جيلاً بعد جيل باستمتاع كبير ..

.. إضافة أنه رغم الغياب الفيزيائي لازالت أعماله حاضرة سواء القديمة الإنتاج أو حتي حديثة الإنتاج، التي تلقي نجاحاً كبيراً وإقبالاً من الفنانين وصناع الدراما وأيضاً الجماهير .. وهذه حالة نادرة من النجاح الفني .. حضور معنوي ودرامي نادر رغم الغياب الجسدي ..

.. كما أن الكاتب والسيناريست أسامة أنور عكاشة تمكن بإقتدار درامي من دمج ما هو إنساني وجداني بما هو اجتماعي سياسي بما هو فكري ثقافي في تركيبة ومزيج فني خاص به جداً يحسب له وبإسمه ..

إضافة لقدرته التلميس بمهارة علي مثالب وآنات تعاني منها الشخصية المصرية .. بشكل فني فريد دون مباشرة أو تصريح في كثير من الأحيان بالرغم من تعرضه الدائم لمضامين ومواضيع وقضايا ثقيلة المضمون يصعب تناولها دون مباشرة أو تصريح ..

.. كما تتميز البيئة الحاضنة لأحداث وعوالم أسامة أنور عكاشة بخصوصية شديدة .. بيئة قوية وفريدة .. فهي إما ساحة سيدنا الحسن الشهيرة ذات الدلالات والمعاني الدينية والصوفية المتعددة في فيلم الباب الأخضر، أو أحياء كرموز وزيزينيا في مسلسل زيزينيا التاريخي السياسي الاجتماعي أو مدينة السويس الباسلة في فيلم إعدام ميت ..

.. إضافة لأن عكاشة استطاع تقديم شخصيات درامية نادرة طاذجة غير مستهلكة .. كشخصية بشر عبد الظاهر “الخواجة بيشو” في مسلسل زيزينيا .. أو شخصية أبو العلا البشري أو حسن النعماني في مسلسل أربيسك والعديد من شخصيات ليالي الحلمية .. التي نحتها وقدمها بتناول ومنظور مختلف في تاريخ الدراما المصرية والعربية ..

.. إغتيال أبواب الفجر .. 

 إلا أن هذا الكاتب الناصري، لم تشفع له موهبته في إكمال فيلم .. أبواب الفجر .. وخروجه للنور .. هذا السيناريو والفيلم الحربي النادر الذي تناول فصول وأحداث وشخصيات هامة شاركت وعاصرت حرب أكتوبر المجيدة .. فيلماً كان قاب قوسين أو أدني من الخروج للنور، لولا تدخل أحد كبار الكتاب معترضاً .. علي شخص أسامة أنور عكاشة .. لكونه كاتباً ناصرياً .. وأنه من الوارد جداً تجاهل دور الرئيس السادات في صناعة نصر أكتوبر العظيم ..!!!

.. عمل تاريخي هام وموهبة فزة تعرضا للإغتيال المعنوي والأدبي بسبب ميل فكري، بالتأكيد له أسبابه ودوافعه الفكرية وقبل منها الوجدانية والعاطفية الإنسانية التي لا فكاك منها ..

“الباب الأخضر” .. الكُفر المنسي ..!!

فكما أن الحفاظ علي الروح المصرية بتفاصيلها وأصالتها هو الشغل الشاغل للكاتب أسامة أنور عكاشة، فإنها مورال آخر أفلامه الباب الأخضر والهدف الأخلاقي الذي يسعي له البطل المشاكس المناضل “الدكتور شفيع” الفنان إياد نصار ..

ومن الواضح تماماً أن أسامة أنور عكاشة .. اختار زاوية خاصة في  تناوله لهذا السيناريو وهذا العمل .. هو أن الحفاظ علي الهوية والروح المصرية يجب يكون بأي ثمن كان مهما غلا، فطمص أو سرقة الهوية والروح المصرية معناه النهاية والموت والزوال ..

.. كما أنه يعلنها صريحة بهذا السيناريو المكتوب بالثمنينيات، فهو رافض كاره للأميريكان ولمشارعيهم في مصر أياً كانت ..

فالفيلم يحمل إشارة وتأكيد واضح برغبة الإمبراطورية الأميريكية في مسح الهوية والروح والثقافة المصرية ..

كي تكون الأجيال القادمة أجيال لقيطة بلا أب أو حتي أم ..

.. وفيلم الباب الأخضر تبني شخصيات وخط درامي به بعض القسوة أو الهجوم الحاد علي الصحفي اليساري المتلون اللي باع ضميره النضالي في مقابل منصب هام وهو رئاسة تحرير أحد الإصدرات الصحفية الكبري ..

إن “محمود الأنصاري” الذي جسده الفنان محمود عبد المغني نموذج للتسلق والإنتهازية الفكرية المستغلة، التي اغتصبت البراءة ورفضت الإعتراف بموُلد هذه الزيجة نظراً للتغيرات التي طرأت علي وضعه الاجتماعي ومكانته الفكرية والثقافية ..

.. سيناريو الفيلم أيضاً لم يهدأ فلقد هاجم البيروقراطية الشديدة التي تعاني منها الدولة المصرية ممثلة بمدير المستشفي “الدكتور عباس” الفنان خالد الصاوي .. الطبيب المهزوم معدوم الهوية والقرار  ..

.. فالدكتور شفيع الفنان إياد نصار .. نموذج للبطل المأساوي .. الذي يعد تمثيلاً حقيقياً وصادقاً للشخصية المصرية الدائمة المعناة .. والأقرب للشخصية الأسطورية دون كيخوتي التي تحارب طواحين الهواء فتصطدم بالعديد من عملاقة الفساد ..

وتأتي شخصية “عيشه” الفنانة سهر الصايغ الشخصية المحورية في هذا الفيلم، والتي تزوجها عرفياً الصحفي الإنتهازي وخلا بها وبجنينها حتي كادت تتعرض للوئد والقتل ..

طبعاً الإسم له دلالات تتعلق بستنا عائشة أحب وأقرب زوجات رسول الله صلي الله عليه وسلم لقلبه والتي تعرضت للإتهام الإخلاقي زوراً لولا براءة أرسلها الله في سورة النور لسيد الأنام علي لسان جبريل عليه السلام ..

تحركات وخطوات البطلة عيشه ورحلة بحثها عن أبو أبنها وزوجها بعقد عرفي،  تكشف لنا مثالب مجتمع الثمنينيات وما ناله من فساد أخلاقي وفكري أو حتي صحي .. هذه الرحلة التي بدأتها من الباب الأخضر أحد أبواب مسجد ومقام سيدنا الحسين لتنتهي أيضاً عند هذا الباب ..

الفيلم يتميز بجودة الصناعة تمثيلاً وإخراجاً وتصويراً ومونتجاً ..

فالممثلين بأفضل حالتهم والمصور والمخرج رؤوف عبد العزيز يجول ويصول بكاميرته يصنع أحجام لقطات جميلة وإضاءة معبرة بدعية، وصراحة لن تجد به سوي هنتين صغيرتين وهما صورة الرئيس الأسبق حسني مبارك بمكتب مدير التحرير التي كانت حديثة أقرب لأعوامه الأخيرة من الحكم وليست لحقبة الثمنيينات التي تدور فيها أحداث الفيلم ..

كما أن بعض اللقطات الكبيرة والبعيدة أظهرت حي الحسين علي حالته الحالية فقديماً لم يكن بميدانه حديقة أو هذه النوعية من الأسوار ..  ولكن إجمالاً نحن أمام فيلم جميل مكتمل ..  

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights