بمشاعر ممزوجة ما بين الدهشة والفرح استقبلت أسرة الأسير باسل العيايدة ابنهم المفرج عنه بعد أن يقضى عاما في السجون الإسرائيلية منهم 6 سنوات في العزل الانفرادى في زنزانة ضيقة 150 في 180سنتيمترا تفوح منها روائح العفن والموت ولا يدخلها ضوء فالأسير الفلسطيني داخل المعتقلات الإسرائيلية إنسان تهدر كرامته وتحبس أنفاسه تحت تهديد السلاح والتعذيب الجسدي والنفسي.
سيناريو يتكرر مع إختلاف الأسماء ولكن المنهج واحد والنتيجة جسداً نزعت منه كل معان الإنسانية ليعود للحياة مرة أخرى منهك القوى منزوع الهمة والعزيمة فاقد للذاكرة هذا هو حال الأسرى الفلسطينيين ،بعدما يتعرضون لشتى أشكال الضرب والركل والمنع من الدواء والطعام واللباس والحرمان من الزيارات أو التواصل مع ذويهم وعائلتهم ليخرج في نهاية المطاف فاقداً العمر والذاكرة.
وها هو الأسير باسل العيايدة الذي أفرجت عنه السلطات الإسرائيلية مؤخراً أول ما رأى النور قال أعيدونى إلى الزنزانة كان هذا أول رد فعل أدهش ذويه، الذي لم يتعرف عليهم حيث دخل إلى السجون الإسرائيلية طفلاً في الخامسة عشر من عمره وخرج منها كهلا بلحية وملامح شيخ كبير ..
ولم يكن باسل الوحيد الذى تعرض لشتى ألوان العذاب والعزل الانفرادى فسبقه منصور شحاتيت (35 عامًا) الذي اعتقلته سلطات الإحتلال عام 2003، كان يتمتّع بعقل واع وذهن سليم ، لكنّه وبعد الإفراج عنه بعد إنتهاء مدة عقوبته لم يتمكن من التّعرف على أهله وأقاربه الذين كانوا في استقباله ..!!
ولن ننسي الأسير المحرر عويضة كلاب الذي أعتقل عام 1988، وكان في ريعان شبابه و بكامل قواه العقلية والجسمانية، وقضى 20 سنة في العزل الانفرادي، أفرج عنه في صفقة “وفاء الأحرار” عام 2011، ولكنة خرج باضطراب الفصام العقلي البارانويدي
خفايا العزل الانفرادى في السجون الإسرائيلية
وفي يقول الدكتور وليد هندى استشارى الصحة النفسية عن تأثير العزل الإنفرادى وخفايا آثاره على الأسير داخل السجون الإسرائيلية ،أن تعرض الإنسان للعزل الانفرادى فى أى سجن يخلق لديه العديد من الأمراض النفسية والجسدية والعقلية بما يتركه من اعتلال صحى وعقلى يعانى منه ماتبقي له من عمره ،ويؤكد هندى أن تعرض السجين لفترات طويلة من الوقت في العزل الانفرادى ولاسيما في السجون الإسرائيلية فما يقاسيه من شتى ألوان التعذيب يعد مخالفا لكافة أحكام القانون الدولي وتتعارض مع المادتين 92 و 91 من اتفاق جنيف الرابع الخاص بمعاملة المدنيين في النزاعات المسلحة وحالات الاحتلال
الموت البطىء
ويوضح استشارى الصحة النفسية أن العزل الانفرادى في السجون الإسرائيلية أشبه بالموت البطىء والذي يبدأ من أول عرضه على المحكمة للبت في عزله والتى تبدأ غالبا ستة أشهر في الفترة الأولى ،حتى حق المحكمة في تمديد فترات العزل وإصدار عقوبات متتالية وفقا لتقدير سلطة الاحتلال
ويصف وليد هندى الحالة النفسية للأسير بعد صدور الحكم عليه بالعزل الانفرادى وحالته النفسية المتردية قائلاً : ينزل درجات السلم مقتدا كالذبيحة فقد ذبح نفسياً وروحياً فبنزوله درجات السلم، يفتح له باب الزنزانة المعتمة وفي فتحة صغيرة يمرر له الطعام حتى أنه لايرى سجانه ولا يعرف ضوء الشمس فالحجرة الضيقة المليئة بالحشرات والقوارض ويفوح منها رائحة العفن والموت فقد سبقه نزيل اخر في هذا الجو النفسي القاتل ينعكس على الحالة النفسية والجسدية للاسير
صدمة العزل الأولى
يؤكد وليد هندى أن صدمة العزل الأولى بعد قرار المحكمة ونزوله الزنزانة وبعد ما يتعرض للضرب والصعق الكهربائى يبدأ في فقدان ذاكرة انفصالى يترتب عليه الفقدان التام للذاكرة فمعظم الأسري لديهم صعوبة في تذكر الأحداث الماضية كما تكون لدية صعوبة في اكتساب معلومات جديدة لا عن أهله أو عن نفسه أو أولاده أو عمله ويستكمل للكرامة تصبح لديه ذاكرة كاذبة يخترعها بنفسه في غير موضعها ويصبح منعزلا عن العالم حتى بعد خروجه
ويستكمل هندى للموقع واصفاً الظروف النفسية الممنهجة التى تمارس داخل السجون الإسرائيلية قائلاً: يمنع أيضا من رؤية البشر وزيارات الأهل وتصدر له مشاعر الكبت والعجز ويحرم من قراءة الصحف ومتابعة الأخبار يمنع أيضا عنه من الأوراق والأقلام حتى لايمكنه أن يعبر عن مشاعره الداخلية ولا يتحدث مع أحد وتحول السلطات دون استكمال تعليمه
ويستشهد وليد هندى استشارى الصحة النفسية بتقارير صدرت بشأن الحالة الصحية للأسرى داخل السجون الإسرائيلية حيث يقول إن السجين في العزل الانفرادى يعانى من مشاكل بالجهاز الهضمي والقلب والأوعية الدموية والصداع النصفي والارهاق المزمن وضيق النفس وبحسب ما ذكره رأفت حمدونة مدير مركز دراسات الأسري قال إن الأسير الفلسطيني يصبح لديه العديد من الاضطرابات النفسية والعقلية التى تؤدى لفقدان الذاكرة والميل للعزلة وعدم الرغبة في التحدث والتوتر والارتباك ،ويتابع وليد هندى استشارى الصحة النفسية هذا ما رأيناه في بعض الأسري كباسل العيايدة الذي قضى 11 سنة في السجون الإسرائيلية منهم 6 سنوات في العزل الانفرادى وخرج محطم نفسيا وفاقد للذاكرة وكذلك منصور شحاتيت من قرية الدورا الذي خرج فاقدا للذاكرة نتيجة للضرب المبرح والتعذيب
ماهى الأساليب الممنهجة المتبعة في السجون الإسرائيلية ؟
يقول الدكتور وليد هندى يصاب الأسير تحديدا بفقدان الذاكرة وتقطع في الكلام وفقدان البصر وذلك نتيجة للضرب المبرح والزجر ممايؤدى لتلف في أجزاء من الدماغ المسئولة عن الذاكرة إضافة لتعرضه للعزل في ظروف غير آدمية وفقدان الأمل وعدم وجود إضاءة بما يؤثرعليه بالسلب فيؤدى إلى الاختلال المعرفي وخلل في الحواس وهذا الاعتلال بطبيعته يعبر عنه بفقدان الذاكرة كما يحدث له بعض الاعتلال في المخ في الجزء الخاص بالانفعالات
ويضيف هندى أن ظروف العزل الانفرادى تؤدى إلى الإصابة بالعدوى الفيروسية كالهربس والذي يصيب المخ نتيجة استنشاق روائح كريهة كأول أكسيد الكربون ونقص الأكسجين في الزنازين والتغذية الرديئة ممايؤدى لتعرضه نتيجة الضرب والظروف السيئة والتغذية الرديئة لحالات من الصرع والتشنجات التى تعالج داخل السجون الإسرائيلية بالمهدئات غير الخاضعة لحقوق الإنسان ولا لإشراف طبي
ويؤكد وليد هندى أن كل هذه المؤثرات تؤثر في عمق المخ على منطقة تسمى المهاد والمسؤلة عن الانفعالات والذاكرة والتى تصاب باضطرابات كالارتباك وعدم التركيز وفقدان الذاكرة
ويرى الدكتور وليد هندى استشارى الصحة النفسية أن العزل الانفرادى في السجون الإسرائيلية هو وأد للنفس وانتهاك لحرمة الإنسان وكرامته وتحطيم لقدارته النفسية والعقلية
ويوصى استشارى الصحة النفسية كل المنظمات الحقوقية والإنسانية والدولية أن توجه انتظارها لما يحدث في حق الأسرى الفلسطينيين من انتهاكات ممنهجة فما يعانيه الأسير هو انتهاك متعمد للإنسانية وكرامة الإنسان