الموهبة فعل لازع علي النفس والروح والعقل، فالشخص الموهوب هو إنسان هادئ علي السطح بركان غاضب لا يهدأ من الداخل، فنار الموهب كاللهيب الذي لا ينطفأ ولا ينام، ومصر بلد ثري بشبابه، وبالتأكيد جل هذا الشباب يتمتع بمواهب عدة لا تحصي ولا تعد.
والطاقات والمواهب الفنية لشباب مصر من المستحيل أن تستوعبها المعاهد الفنية والأكاديميات المتخصصة في تقديم علوم السينما والتلفزيون والمسرح، ومن هنا تأتي أهمية ودور وزارة الثقافة المصرية هذه المؤسسة التي تأتي أهميتها برأي في المرتبة الثانية بعد وزارة التعليم، فإن كان التعليم كالماء والهواء، فإن الثقافة هي المأكل والمشرب والسلوك وعنوان الاستقامة والسواء لأي إنسان أو مجتمع.
وحقيقة لقد حققت وزارة الثقافة العديد من النجاحات الكبري خلال الفترة الماضية وفي ظل جائحة كورونا، وإن كنت أري أن هناك إهمالاَ وقصوراً ببعض الملفات كتفعيل وتنشيط دور قصور وبيوت الثقافة بالمحافظات والأقاليم المختلفة – جامعة مصر الشعبية قديما – فمدينة المنصورة مثلا وهي مدينة مليونية، قصر الثقافة الرئيسي بها “مسرح أم كلثوم” معطل ولا يعمل منذ سنوات وهذا أيضاً ما ينطبق علي المسرح القومي أو مسرح البلدية التاريخي المطل علي نيل المنصورة والمعطل منذ عقود والذي نالت منه أيد الإرهاب الغاشمة في حادث تفجير منبي مدرية أمن المنصورة.
تجربة مضيئة
وإن كنا لازالنا نعاني بعض إخفاقات، فإن هناك كثير من الإنجازات والشموس المضيئة التي يستوجب الحديث عنها والإشارة إليها، والتي يأتي في مقدمتها “قصر السينما” التابع لإدارة القصور المتخصصة بوازارة الثقافة.
فلقد استطاع الفنان والإعلامي “تامر عبد المنعم” من تحويل هذه البقعة الثقافية الصغيرة بحي جاردن سيتي العريق إلي قبلة لكل موهبة سينمائية تبحث عن إتقان أدواتها الفنية، فلقد تمكن بذكاء فني وبخبرة إنسانية واسعة من التعاقد مع أهم مخرجي ومديري التصوير وكتاب السيناريو للتدريس لطلبة قصر السينما، وهو ما نتج عنه أجيال عديدة من شباب فناني السينما، بل لقد استطاع بإمكانيات متواضعة وقليلة جداً من المساعدة وتسهيل الانتاج لعدد كبير من الأفلام مثل ” مسألة حياة، سنترال،..، وغيرها من الأعمال القصيرة والتسجلية، بل لقد دشن مهرجاناً سينمائياً سنوياً للأفلام القصيرة والتسجلية، كما أن له عادة دائمة ومنتظمة في استضافة كبار الفنانيين وعرض أعمالهم علي الطلاب الدارسين لمناقشة الكبار في أعمالهم وأفكارهم.
إبدأ حلمك
بلد لقد إمتدت أحلامه وخيالاته الفنية لأن ينشر فكر السينما وعلومها بأقاليم مصر المختلفة من خلال تجربة فنية نادرة وهامة جداً هي مشروع “ابدأ حلمك السينما بين إيديك”، فهو يوماً بالإسكندرية وبالتالي علي حدودنا الغربية بمحافظة مطروح الجميلة، وبالثالث هناك علي ضفاف بحيرة قارون بمحافظة الفيوم يعلم فنون السينما لشبابها وينتج فيلماً تسجليا لهذه البقعة الجميلة الساحرة.
لقد حقق الفنان ” تامر عبد المنعم” ما لم يتحقق منذ عقود، ألا وهو كسر إحتكار العاصمة “القاهرة” لكل أشكال تعلم الإبداع والفنون وذهب بنفسه وبرجاله ليعلم ويدرب شباب مصر المتعطش للفكر والإبداع، إنه بقلب سليم يحمي مواهبنا وطاقاتنا الشابه من الاستغلال والتعرض للنصب والاحتيال بل والتعرض للتنكيل الفكري والثقافي والزج بهم في أتون الأفكار السودوية المشوهة والمدمرة، ولما لا وهو إبناً من أبناء الكاتب والصحفي الكبير محمد عبد المنعم، واحداً من أهم كتابنا ومفكرينا وأحد مدبري خطة الخداع الإستراتيجي بحرب أكتوبر المجيدة.
ذكاء فني وقدرة إدراية يسانده فيها مجموعة من أكفاء إدراي وموظفي وزارة الثقافة المصرية.
وحقيقة إن الفنان “تامر عبد المنعم” في حاجة إلي إختبار أكبر فلماذا لا تسند له هيئة أو إدارة كبري من إدارات وزارة الثقافة ؟، فهو دوما يثبت قدرته علي إدراة المواقع الثقافية والفنية وهي من أشقي وأصعب أنواع الإدارة، كما أنه دائما ما يثبت قدرته علي الإنتاج والإنجاز.
النصابين كترم..!!
خصوصاً بعد إنتشار دكاكاين النصب الفني والإعلامي في كل شبر في مصر، فعدد الورش الفنية التي تتدعي قدرتها علي تعليم الفنون المختلفة أصبح بالآلاف وهي لا تهدف لشئ سوي النصب علي موريديها والإحتيال عليهم من أجل المادة، والغريب أن 99.9 % من هذه الكيانات غير معترف به من أي نقابة فنية، ولا يخضع لأي تقيم من أي جهة أو مؤسسة بالدولة، ولا تقدم إقرارا ضريباً بمدخلاتها وما حققته من أرباح، ولا تقدم بالأساس أي فكر أو جديد لدارسيها، هي مجرد دكاكين للنصب تعتمد علي الشو والإبهار لخداع أصحاب الموهبة المتعطشين للمعرفة وثقل قدراتهم الفنية والإبداعية.
ومن هنا يأتي من جديد دور وزارة الثقافة المصرية في حماية الشباب من التعرض لعمليات النصب والإحتيال من تلك الدكاكين الوهمية، فلماذا لا يكون بالوزارة هيئة أو إدارة لتدريب وتطوير شباب المبدعين والفنانين ؟، تقدم هذه الهيئة أو الإدارة كافة العلوم الفنية والإبداعية وأيضا السلوكية والإنسانية ..!!!