في خطوة وصفها مراقبون بـ”الانعكاس الحقيقي لحراك بريكس”، أعلن المدير التنفيذي لمدينة مطار الإمام الخميني الدولي، أنه تم الانتهاء من اتفاق تبادل النفط بقيمة 2.5 مليار يورو مع الصين لتوسيع القسم الثاني من المطار.
وأفادت وكالة “تسنيم” الإيرانية نقلا عن المدير التنفيذي لمدينة المطار الدولي: “لقد تم الانتهاء من اتفاق تبادل النفط بقيمة 2.5 مليار يورو مع الصين لتوسيع القسم الثاني من المطار”.
وأوضح مراقبون أن هذه الخطوة مهمة اقتصاديا للدولتين، حيث تصب في صالح أمن الطاقة للصين، وضمن سياسة الالتفاف على العقوبات الأمريكية لإيران، كما تعكس مدى الشراكة الحقيقية ضمن منظومة “بريكس”.
كسر هيمنة الدولار
قال تشاو تشي جيون، الكاتب والباحث الصيني في الشؤون الآسيوية، إن الصين وباعتبارها واحدة من أكبر الدول الصناعية في العالم، لديها طلب كبير على النفط، ولا تستورد الصين النفط من الدول المصدرة له في جميع أنحاء العالم فحسب، بل تواصل أيضًا البحث عن موردين جدد للنفط الخام.
وب استوردت الصين في الأشهر الـ 26 الماضية أكثر من 25 مليون طن نفط من إيران، وقد وصل حجم المعاملات إلى مستوى قياسي، وتم إجراء معظم المعاملات باليوان، فيما وقعت الصين وإيران اتفاقية جديدة لتبادل النفط، من شأنها أن تزيد من حماية أمن الطاقة في الصين.
وتابع: “من جانب طهران، وبسبب العقوبات طويلة الأمد التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، تم استبعاد إيران منذ فترة طويلة من النظام الاقتصادي الرئيسي في العالم، مما تسبب في مواجهة سبل العيش والاقتصاد المحلي هناك للكثير من التحديات الكبيرة، وفي خضم خدمات البنية التحتية التي تقدمها الشركات الصينية ذات الجودة العالية والرخيصة، يمكن القول إن الاتفاقية الجديدة بين الصين وإيران هي نموذج للتعاون المربح للجانبين”.
ومن الناحية السياسية – والكلام لا يزال على لسان جيون- لا يستخدم هذا الاتفاق الجديد الدولار، وهو ما يعد محاولة مهمة من جانب الصين وإيران لكسر هيمنة الدولار، ويأتي بعد انضمام 6 دول من بينها طهران لمجموعة بريكس، وهو ما يُنظر إليه على أنه خطوة مهمة لبريكس لتسريع بناء نظام دولي متعدد الأقطاب والتخلص هيمنة الغرب.
وأكد أن الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1996، استخدمت هيمنتها في المجال المالي ليس فقط لتجميد أصول البنك المركزي الإيراني، وطرد إيران من نظام “سويفت”، ولكن أيضًا لتهديد المؤسسات المالية في البلدان الأخرى بعدم إرجاء تجارة النفط مع إيران، من أجل استئناف تجارة النفط.
وقال إن إيران حاولت إنشاء نظام تسوية جديد مع الدول الأخرى، مثل التوقيع على “وثيقة برنامج التعاون الشامل” لفترة 25 عاماً مع الصين. وفي هذه الاتفاقية، ستزيد الصين استثماراتها في منشآت الطاقة والبنية التحتية الإيرانية، وستستخدم تسوية النفط والمعاملات التجارية بين الصين وإيران الرنمينبي (عملة الجزء القاري من جمهورية الصين الشعبية) بدلاً من الدولار الأمريكي.
وأكد أن بكين تولي أهمية كبيرة للتعاون مع إيران، وإذا استمر التعاون لفترة طويلة سيكون هناك شركاء جدد في الشرق الأوسط وآسيا وحتى في الغرب يرغبون في التجارة مع الصين باستخدام عملاتهم الخاصة بدلاً من الدولار الأمريكي.
وخلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للصين في فبراير الماضي، وقعت الصين وإيران 20 اتفاقية تعاون بقيمة 400 مليار دولار أمريكي، وتعد اتفاقية تبادل النفط اليوم مجرد بداية لعصر جديد من التعاون بين بكين وطهران. وستعمل الدولتان مع الأعضاء الآخرين في مجموعة بريكس لتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي وكسر هيمنة الدولار الأمريكي تدريجيا، وفقا للمحلل الصيني.
التفاف دولي
بدوره اعتبر محمد غروي، المحلل السياسي الإيراني، أن الاتفاقيات التي توقع بين دول لها أو عليها عقوبات من الولايات المتحدة الأمريكية تكون بالدرجة الأولى مناهضة لسياسات واشنطن، وأبرزها العقوبات التي تشمل أكثر من ثلثي سكان العالم.
وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”، حصلت الولايات المتحدة الأمريكية بانتهاجها هذه السياسية الخاطئة على ردات فعل عكسية تمامًا، كما حدث في بريكس، وقبلها تجمعات اقتصادية أخرى، حيث بات واحدة من ضمن مخرجات العقوبات الأمريكية على الدول تكتلها حول بعضها البعض لتجري عملية التفافية على هذه العقوبات.
وأوضح أن هناك عملية خروج من الضغوط الأمريكية والأوروبية في هذا الإطار، فالصين أكبر اقتصاد عالمي يشتري النفط من إيران مقابل أن تحصل طهران على بعض الخدمات سواء في قضية السكك الحديدية أو تطوير المطارات، أو غيرها من الخدمات مقابل بيع النفط.
وقال إن التعاون في هذا الإطار، له دلالات وسياسات وأهداف خفية كبيرة، تعرفها الولايات المتحدة الأمريكية جيدًا، بحيث أن إيران تبيع أكثر من مليون ونصف برميل نفط للصين، وهو ما يشكل اكتفاءً ذاتيا لطهران، على الرغم من وجود العقوبات وعدم العودة للاتفاق النووي، باتت إيران يمكنها بيع النفط بسهولة للصين، وسط تطلعات عن بيعه لدول أخرى مثل الهند.
ويرى غروي أن هذه أولى بوادر التكتلات الدولية مثل بريكس وغيرها، وهو يصب في مصلحة الاقتصاديات الجديدة النامية والمتشكلة أخيرا في العالم، والخارجة عن سياسة القطب الواحد، كما يخدم السياسية التي تسعى لها طهران بضرب الدولار والخروج عن هيمنته.
ويعتقد أن في هذا الإطار، قد تكون هذه التبادلات الاقتصادية فيما بين إيران والصين بادرة لفتح آفاق واسعة أمام الدولتين، وباقي دول العالم للالتفاف على العقوبات الأمريكية الظالمة، وضد الإرهاب الاقتصادي التي تمارسه أمريكا على دول العالم.
يذكر، أن إيران عززت تعاونها مع روسيا والصين بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث وقعت اتفاقية تعاون مدتها 25 عامًا مع بكين في عام 2021، ووضعت اللمسات الأخيرة على اتفاقية مماثلة مع موسكو في وقت سابق من العام الحالي.