منذ أكثر من 75 يوماً، تاريخ اندلاع الحرب على غزة، تقيم مسارح لبنانية نشاطات داعمة للصمود الفلسطيني. مبادراتٌ تكريمية، تُطوّع موضوعات مسرحية وأفلاماً وأغنيات وطنية في خدمة القضية.
نشاط جديد داعم لأهالي القطاع في محنتهم المفجعة، تشهده العاصمة الأسبوع المقبل، فتُنظم «الجامعة الأميركية في بيروت» حفلاً بعنوان «تحية موسيقية لفلسطين»، في 30 ديسمبر الحالي على خشبة «مسرح المدينة» في شارع الحمراء.
يقف وراء هذا الحدث، «برنامج زكي ناصيف للموسيقى» في الجامعة، الذي سبق أن نظَّم حفلات موسيقية منذ تأسيس مهرجانه السنوي قبل 10 سنوات. ومع فرقة الموسيقى العربية للبرنامج، تنشد منال بو ملهب مجموعة أغنيات بقيادة المايسترو فادي يعقوب من المعهد الوطني للموسيقى.
يشير مدير البرنامج الدكتور نبيل ناصيف إلى أنّ المشروع حضر في الأذهان منذ مدّة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «وُلد بشكل عفوي عندما طلب منا (مسرح المدينة) الإسهام في إعادة تنشيط برمجته الفنية. كما راودنا تكريم شعب فلسطين، فوجدنا في هذا التعاون فرصة لذلك».
طابع معظم أغنيات الحفل وطني، يتلوّن بأخرى فولكلورية من لبنان وفلسطين. كما تندرج فيه أغنيات خاصة بالأعياد، من بينها «حنانك يا رب الأكوان» لزكي ناصيف.
مارسيل خليفة من الفنانين الذين ستُؤدَّى بعضُ أغنياتهم، إضافة إلى ناصيف. هذا التعاون هو الأول لـ«برنامج زكي ناصيف للموسيقى» مع المايسترو يعقوب، بينما سبق أن تعامل غير مرة مع بو ملهب، مدرِّبة الكورال في الجامعة، التي لا تزال التمارين مستمرّة فيها رغم توقّفها عن الدراسات الموسيقية منذ أوائل السبعينات.
يروي ناصيف أنّ صاحب «نقيلي أحلى زهرة» كان أول مَن تخرّج في «الجامعة الأميركية في بيروت»، بعدما تابع دراسته الموسيقية فيها بين عامَي 1936 و1941. كان ألمع طلابها حينها، ليصبح واحداً من أكثر الفنانين غزارةً إنتاجية في تاريخ لبنان. ويُكمل: «إنه يقف وراء تأسيس مدرسة جديدة في الموسيقى المشرقية، وله غنّى أهم المطربين اللبنانيين».
تأسّس «برنامج زكي ناصيف للموسيقى» عام 2004 لاحتضان إرث كبار المبدعين والحفاظ على أرشيفهم. ونجح عام 2008 في أرشفة 1100 مقطوعة موسيقية، قدّمتها عائلة ناصيف إلى مكتبة «يافت» في الجامعة.
وفي عام 2009، وقّعت الجامعة مع جمعية «ساسيم» العالمية لحقوق الأغنية، اتفاقية لتسجيل كامل ألحان ناصيف وحمايتها. وأطلق هذا البرنامج مسابقة سنوية عنوانها «من كل مدرسة كورال» بمشاركة مختلف المدارس في المناطق اللبنانية، كما أطلق منذ عام 2014، مهرجاناً سنوياً في الذكرى العاشرة لرحيله، أصبح تقليداً سنوياً تتّبعه الجامعة.
بالعودة إلى حفل «تحية موسيقية لفلسطين»، تخبر منال بو ملهب «الشرق الأوسط» عن الأغنيات المُقدَّمة: «ستكون غالبيتها وطنية، اخترناها من لبنان وفلسطين، من بينها (زهرة المدائن) لفيروز، و(مهما يتجرّح بلدنا)، و(ميلي يا جنّات بلادي) لناصيف، إلى (بيني وبينك سجر البن)، و(منتصب القامة أمشي) لمارسيل خليفة». وتتابع: «هناك (ميدلاي) أغنيات خاص بخليفة، وترانيم ميلادية، وأخرى وطنية، للراحل وديع الصافي، منها (يا بيت صامد بالجنوب)».
وإذ تؤكد سعادتَها لإحياء حفل يعني لها كثيراً؛ تضيف: «جميعنا من فريق كورال و(برنامج زكي ناصيف) متحمّسون للأمسية. رغم ظروف لبنان الصعبة، لا بدّ من وقفة تضامنية مع فلسطين. نتمنّى إيصال رسالة الدعم إلى شعبها الصامد».
يأتي المشروع الفني من ضمن الإسهام في إكمال مسيرة «مسرح المدينة». عن ذلك يقول ناصيف: «يشكّل هذا المسرح قلب بيروت النابض، فقد واجه مشكلات كثيرة وتجاوزَها بصعوبة. عبر الحفل، قد نؤمّن مبلغاً يساعد في إكمال مسيرته. نأمل في أن يكفي ريع الحفل لتحقيق هذه الغاية، تزامناً مع الذكرى العشرين لغياب زكي ناصيف».
في سياق متصل، يرى أنّ الموسيقى تُبلسم الجروح وتداوي الروح، بما يكاد يقترب من علاجات الطب، ويضيف: «نتّبعُ في الجامعة الأميركية حالياً دروساً خاصة بالموسيقى ضمن مركز الدراسات المستدامة فيها. فنُعطي دروساً موسيقية من خلال صفوف غير طويلة الأمد. وفي مدّة قصيرة، يمكن لطلابها الحصول على شهادة، بعد تعلّمهم الغناء والعزف، خصوصاً أنه يمكن لجميع الأعمار الحضور».
يُشار إلى أنّ معهد الموسيقى الذي درس فيه زكي ناصيف في «الجامعة الأميركية» أسَّسه موسيقيون من روسيا. يومها جاؤوا إلى بيروت هرباً من الثورة البلشفية. كان سلفادور عرنيطة أحد أهم المدرِّسين فيه، وفيه تخرَّج موسيقيون نالوا لاحقاً شهرة واسعة، من بينهم صبري الشريف ومروان حرار.