وسط تصاعد حدة المواجهات والنزاعات الحدودية بين لبنان وإسرائيل في قرية الغجر وكفر شوبا، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، استعداد بلاده “لترسيم كامل الحدود الجنوبية مع إسرائيل”.
وقال ميقاتي، في تصريحات صحفية: “نسعى جاهدين لحل قضية الخيم دبلوماسيا، ونعتبر أن بلدة الغجر لبنانية باعتراف الأمم المتحدة”، مؤكدا أن بيروت “أبلغت الأمم المتحدة استعدادها للقيام بالترسيم الكامل لكل الحدود الجنوبية”.
وطرح البعض تساؤلات بشأن إمكانية إعادة ترسيم الحدود البرية مع إسرائيل، والهدف منها في هذا التوقيت، لا سيما بعد الخسائر التي تكبدها لبنان من ترسيم الحدود البحرية.
تغيير قواعد الاشتباك
اعتبر داوود رمال، المحلل السياسي اللبناني، أن مطالب ترسيم الحدود البرية مع إسرائيل عملية مزمنة تعود إلى 25 مايو عام 2000 وخوض لبنان معركة شرسة في مواجهة إسرائيل والأمم المتحدة وأمريكا لترسيم حدوده الدولية المعترف بها دوليا، حيث تم ابتداع حينها ما يسمى بالخط الأزرق، وسجل لبنان 13 نقطة تحفظ والتي منعت إمكانية العودة إلى الحدود الدولية المثبتة بخرائط إعلان دولة لبنان الكبير 1920، وفي الترسيم الذي أجر
إن إدارة ملف ترسيم الحدود البحرية كانت هجينة، كما خسر لبنان الكثير من حقوقه، والأكثر فداحة أن ترسيم الخط البحري لم ينطلق من النقطة B1 البرية قبالة الناقورة، بل انطلق على بعد 7 كيلومترات في المياه الإقليمية اللبنانية فيما سمي خط الطفافات، وهو خط معلق على طفافات وينتهي على 3 نقاط متنازع عليها مع قبرص، موضحا أن الكثير من التحذيرات أكدت بأن عدم تثبيت النقطة B1 قد تؤدي إلى تغيير في معالم الحدود البرية.
وعن سبب توقيت الترسيم، قال المحلل السياسي اللبناني إن إسرائيل تتلكأ في الانسحاب من النقاط التي ضمتها في حرب 2006، وعمدت أخيرا إلى الضم النهائي للجزء الشمالي من قرية الغجر، وبدأت في وضع إنشاءات لتثبيت هذا الضم خلافا لما ينص عليه القرار رقم 1701، وهو الأمر الذي استدعى تحرك “حزب الله” من خلال وضع الخيام في منطقة متنازع عليها بكفر شوبا، وبات هناك معادلة جديدة مفاداها أن الانسحاب من قرية الغجر يقابلها فك خيام كفر شوبا.
ويرى رمال أن إثارة الأزمة بدأت عشية الدخول العملي في مباحثات حول التمديد لقوات الطوارئ الدولية المؤقتة العاملة في جنوب لبنان، والتي يفترض أن يتم في شهر أغسطس المقبل، على أن يكون التمديد لعام إضافي، مؤكدًا أن لبنان اعتاد على افتعال إسرائيل للأزمات عندما يقترب موعد التمديد.
وبين رمال أن تل أبيب تسعى إلى تحيق مكاسب لها علاقة بما يسمى تغيير قواعد الاشتباك المثبتة وفق القرارات الدولية، هذا التغيير يضع قوات اليونيفيل أمام تحديات خطيرة، أقلها إن أي تصرف لها خارج منطوق قرار 1701 سيواجه من قبل المواطنين اللبنانيين في هذه المنطقة، ما يجعل هذه القوات في عرضة للتنازع مع الأهالي هناك.
ويعتقد المحلل اللبناني أن لعب إسرائيل في هذه المسألة (يقصد تغيير قواعد الاشتباك) يفتح الباب على مسارات خطيرة وقد يؤدي إلى تغيير المعادلات جنوب خط نهر الليطاني، في منطقة عمل قوات اليونيفيل وهو ما سيدفع حزب الله إلى التحرر من التزاماته في هذه المنطقة بقرار ذاتي، باعتبار أن تغيير قواعد الاشتباك من قبل إسرائيل مدعوم من أمريكا سيقابله تغيير قواعد المقاومة، مشيرًا أن هذه الأزمة ستتوقف عندما يتم التجديد لقوات اليونيفيل.
تسوية جديدة
بدوره اعتبر سركيس أبو زيد، المحلل السياسي اللبناني، أن هناك خلافا داخليا في لبنان حول مسألة ترسيم الحدود البرية، هناك من يعتبر أن الحدود البرية تم ترسيمها مع إسرائيل بالفعل، والمطلوب تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في حينه، فيما تعيد أطراف أخرى طرح الموضوع وكأنها تعيد النظر في هذه المسألة.
وبحسب حديث أبو زيد لـ”سبوتنيك”، فإن الهدف من هذا الطرح إحراج المقاومة وإسرائيل، أو إيجاد حل للإشكال الأخير الذي حصل بين خيم حزب الله والتمدد الإسرائيلي في قرية الغجر، فيما يعتبر البعض أن ترسيم الحدود مجددًا بمنطقة الغجر يمكن أن يجد حلا في خيام حزب الله والتمدد الإسرائيلي في المنطقة.
ويرى المحلل السياسي أن إعادة عملية تدويل ترسيم الحدود اللبنانية يأتي في ظل الدور الأمريكي والأمم المتحدة وعدة أطراف أخرى من أجل جر إسرائيل وحزب الله للجلوس على طاولة المفاوضات، من أجل احتواء الأزمة على الحدود الجنوبية.
وأكد أبو زيد أن لا مصلحة لدى إسرائيل أو المقاومة اللبنانية أو أي طرف آخر للتصعيد في ظل هذه المرحلة، والتي بدأت فيها “توتال” بضخ تجارب استخراج النفط من البحر، وكذلك في ظل الأجواء الدولية والإقليمية التي لا تتحمل أي عملية تصعيد، معتبرًا أن الطرح إعلامي سياسي لجر الأطراف المتنازعة إلى تسوية جديدة.
يشار إلى أن إسرائيل قد وجهت، قبل يومين، رسالة تهديد إلى “حزب الله” اللبناني، بشأن الخيام المقامة على الحدود مع إسرائيل، إذ بعثت برسالة قوية عبر الأمم المتحدة إلى الحزب بأنها ستزيل الخيام التي أقامتها على حدود إسرائيل، حتى لو استدعى ذلك اندلاع جولة قتال تستمر لأيام”.
وقبل أيام، وجّه “حزب الله” تحذيرا إلى إسرائيل، من أي خطأ يمكن أن يحصل نتيجة حسابات خاطئة، بينما قال موقع إسرائيلي، إن “لواء النخبة الإسرائيلي “غولاني” أجرى في الآونة الأخيرة تدريبات على سيناريو مواجهة الحزب لدى توغله داخل الأراضي الإسرائيلية”.
وكانت إسرائيل قد وجهت شكوى إلى الأمم المتحدة، الشهر الماضي، محذرة من أنها ستستخدم القوة العسكرية لإخلاء موقعين، قالت إن “حزب الله” اللبناني أقامهما داخل الأراضي الإسرائيلية.
وأفادت وسائل إعلام لبنانية بأن “إسرائيل أشارت في رسالتها إلى الموقعين اللذين أقامهما “حزب الله” اللبناني في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا”، وهي المنطقة التي تعتبرها إسرائيل جزءا من الجولان السوري المحتل، ربطًا بقرار ضم الجولان المحتل إلى إسرائيل”.
وحسب الرسالة، فإنه “ما لم يخلِ حزب الله الموقعين فإن الجيش الإسرائيلي سيبادر بنفسه إلى إخلائهما بالقوة، وذلك بعد أسبوعين من وساطات قامت بها عواصم أوروبية على تواصل مع حزب الله في لبنان”.
وزاد التوتر الحدودي بين لبنان وإسرائيل، والذي تركز في الآونة الأخيرة في مزارع شبعا، ليشمل قرية الغجر.
وندد لبنان بمنع إسرائيل دخول مواطنيه إلى قرية الغجر، واتهمها بأنها محاولة ضم وقضم للحقوق، ووصفت الخارجية اللبنانية هذه الخطوات بأنها “خرق واضح لقرار مجلس الأمن رقم 1701”.
وقال بيان للخارجية اللبنانية إن هذا الأمر يخلق واقعًا جديدا على الأرض، ودعا جميع الأطراف الدولية للتدخل من أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين واستقرار الجنوب، مطالبًا بالضغط على تل أبيب لوقف هذه الخطوات.