اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارا بإنشاء بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق بشأن الوضع في السودان، وأكد القرار الحاجة الملحة للتحقيق فيمن ارتكب انتهاكات حقوق الإنسان ومكان وقوعها.
وتقدمت بمشروع القرار المملكة المتحدة نيابة عن ألمانيا والنرويج والولايات المتحدة الأمريكية.
ووفقا للموقع الرسمي للأمم المتحدة، تتألف البعثة، وفقا للقرار، من ثلاثة أعضاء من ذوي الخبرة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، على أن يتم تعيينهم في أقرب وقت ممكن من قبل رئيس مجلس حقوق الإنسان لفترة أولية مدتها عام واحد.
وتم تكليف البعثة من جانب المنظمة الدولية بالتحقيق وإثبات الحقائق والظروف والأسباب الجذرية لجميع المزاعم حول انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات وانتهاكات القانون الإنساني الدولي- بما فيها تلك المرتكبة ضد اللاجئين- والجرائم ذات الصلة في سياق النزاع المسلح المستمر الذي بدأ في 15 نيسان/ أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، بالإضافة إلى الأطراف المتحاربة الأخرى.
ودعا القرار أطراف النزاع إلى التعاون- بصورة كاملة- مع بعثة تقصي الحقائق في أداء عملها، كما دعا المجتمع الدولي أن يقدم الدعم الكامل للبعثة في سبيل تنفيذ ولايتها.
وتعليقا على تلك الخطوة يقول محمد مصطفى، رئيس المركز العربي الأفريقي لثقافة السلام والديمقراطية في السودان، إن “مشاريع القرارات الأوروبية والأممية لم تحقق أي تقدم تجاه معالجة أزمة السودان ولا تحقيق العدالة لضحايا الحرب، بل أخرت عملية التغيير كثيرا في عهد الإنقاذ لأنها جعلت حكومة الإنقاذ تصر أكثر على السيطرة على الدولة عبر أجهزتها الأمنية خوفٱ من المحاكمات إذا سقط نظامها الاستبدادي”.
اختلال كبير
وأضاف هنالك اختلال كبير في آليات تنفيذ القانون لدى الأمم المتحدة، لذلك دائمٱ ما يصدر مجلس الأمن قرارات كثيرة ولكن أغلبها لم تنفذ، بل قد تتسبب في كوارث إنسانية إضافية في البلدان المعنية.
وتابع مصطفى: “لجنة التحقيق الدولية قد تكون ضرورية إذا وجدت آلية مساعدة ولديها كل عناصر القوة الضرورية لتنفيذ النتائج، لكن وحسب التجارب الشبيهة لم تكن هنالك تجربة واحدة ناجحة إلا في بعض الحالات المتعلقة بالانتخابات في بعض الدول الأفريقية، والآن قد حدثت انتكاسة كبيرة في مجريات التحول الديمقراطي على مستوى أفريقيا، و لم نجد أي محاولة ناجحة لإفشال الانقلابات التي حدثت في دول غرب افريقيا كبوركينافاسو أو مالي أو حتى النيجر، فقط مجرد تهديدات وبعد فترة تحدث تطبيعات بين النظام العسكري والدول الرافضة للانقلاب، وتستمر الحياة وتتراجع الديمقراطية”.
المسؤولية الوطنية
ويرى رئيس المركز العربي الأفريقي أنه من الأفضل الضغط لتحقيق مطالب الشعب بطرق مختلفة وأكثر فاعلية، بعد إقرار مبدأ الدولة الموحدة والجيش الواحد والديمقراطية والسلطة المدنية.
وأشار مصطفى إلى أن هناك ضحايا للحرب وجرائم كبيرة قد تحدث، ووفقٱ للمواثيق الدولية قد يكون بعضها متجاوز للمسموح به، وبالتالي لا بد من وجود تحقيق على المستويين المحلي والدولي، وهنا قد تتورط أطراف النزاع بدرجات متفاوتة.
واختتم بقوله: “المسؤولية الوطنية والأخلاقية قد تجعل كل من تولى مسؤولية مجتمع ودولة ، أن يسعى لفرض كل ما يحقق العدل والمساواة لشعبه، وبالتالي فإن على البرهان أن يتحمل مسؤوليته كاملة وفقٱ لموقعه ويدافع عن نفسه في أي تهمة تقع عليه”.
في المقابل يرى عامر حسبو، الحقوقي السوداني والخبير في شؤون المحكمة الجنائية الدولية، إن تحفظ السودان على تصويت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على تشكيل لجنة تقصي حقائق للوقوف على الانتهاكات لحقوق الإنسان والتي تم ارتكابها من جانب طرفي الصراع، هو نتيجة لأن تلك الجنة سوف تكشف عن حقائق كبرى للرأي العام، لأن الحكومة أو بالتحديد الفريق البرهان يعتبر المسؤول الأول عما يجري في السودان، وقد كان له دور كبير في أحداث سبقت الثورة السودانية.
وأضاف إن رفض الخرطوم وموافقة الدعم السريع على قرار مجلس حقوق الإنسان بتشكيل اللجنة، ربما يشير إلى أن الدعم السريع يعلم أنه جزء من القوات المسلحة وبقرار رسمي، وأنه كان يتلقى التعليمات من الجيش ويقوم بتنفيذها، أي أن الدعم لم يكن صاحب قرار، هنا تكمن مخاوف قادة الجيش من تلك اللجنة والتي قد تفتح الأبواب على الكثير من الملفات التي تمت إزاحتها من المشهد منذ سنوات.
وأشار حسبو إلى أن موافقة مجلس حقوق الإنسان على تشكيل لجنة التحقيق أو تقصي الحقائق، قد جعل الأوضاع تحت الرقابة الدولية وقد يذهب بالبلاد إلى سيناريوهات غير متوقعة إذا ما استمر الجيش السوداني في الرفض أو كما أعلن “التحفظ”، و”لا ننسى أن قائد الجيش السوداني كان له دور كبير في إنشاء الدعم السريع وإعطائه الصفة الرسمية”.
الدعم السريع
وأوضح الخبير في شؤون المحكمة الجنائية الدولية، “أن قوات الدعم السريع أنشئت باعتراف رسمي من حكومة البشير السابقة عام 2013، وكانت تقاتل في صف القوات المسلحة آنذاك خاصة في دارفور و جبال النوبة، و أجاز البرلمان قانون عام 2017، إذ انتقلت تبعيتها بموجبه إلى القوات المسلحة تحت مسمى قانون الدعم السريع (قوات عسكرية قومية التكوين و تتقيد بالمبادئ العامة للقوات السودانية)، وساهمت هذه القوات، في وقت سابق، في تأمين الحدود من التهريب والاتجار بالبشر، فضلا عن أن قائد قوات الدعم السريع هو نائب رئيس مجلس السيادة بحكم الدستور”.
ولفت حسبو، إلى أن “الوضع القانوني لقوات الدعم السريع بحسب الدستور والقانون، هو الذي حدّد نظرة المجتمع الدولي والإقليمي للصراع الحالي بين الدعم السريع والجيش، وأنه صراع بين فصيلين داخل القوات المسلحة، أي هو صراع داخلي”.
وأعلنت وزارة الخارجية السودانية، الخميس 5 أكتوبر الجاري، رفضها القاطع لمشروع القرار الذي قدمته بريطانيا إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مشيرة إلى أن هذا المشروع ينص على تشكيل بعثة تحقيق حول الانتهاكات والجرائم التي تشهدها البلاد في سياق الحرب بين الجيش الحكومي وقوات “الدعم السريع”.
ونقل موقع “الراكوبة نيوز”، عن الخارجية السودانية بيانا، أشارت فيه إلى أن بعض الجهات الغربية بدأت حملة سياسية وإعلامية منظمة، منذ أواخر أغسطس الماضي، تهدف إلى استغلال العديد من المنظمات غير الحكومية للمطالبة بتبني قرار بشأن الأزمة السودانية.
ووصفت الخارجية مشروع القرار بأنه غير موضوعي وغير عادل، حيث يعتبر القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على قدم المساواة، ويطالب بتشكيل لجنة للتحقيق في الحقائق.
واختتمت الوزارة بيانها بأن مشروع القرار البريطاني يصيب في توصيفه للأحداث في السودان، ولكنه يتجاوز الحدود في الاتهام للقوات المسلحة السودانية، كما أنه لم يأخذ بالاعتبار أولويات السودان الحقيقية في هذه المرحلة، والتي تتمثل في إنهاء التمرد أولا، ووقف الجرائم المستمرة، وإخلاء المناطق السكنية والممتلكات المدنية.
ويشهد السودان منذ 15 أبريل الماضي، اشتباكات عنيفة وواسعة بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، في مناطق متفرقة في أنحاء السودان.
ويسعى كل من طرفي النزاع إلى السيطرة على مقرات حيوية، بينها القصر الجمهوري ومقر القيادة العامة للقوات المسلحة وقيادة قوات الدعم السريع وعدد من المطارات العسكرية والمدنية، واتفق الطرفان عدة مرات على وقف لإطلاق النار، لكن لم يتم الالتزام به.