تزايدت، خلال الأيام القليلة الماضية، عمليات استهداف القواعد والمصالح الأمريكية في العراق، بصورة كبيرة، تضامنا ودعما للفلسطينيين في قطاع غزة، والذين يتعرضون لحرب مدمرة من قبل الجيش الإسرائيلي.
واستدعت عمليات التصعيد في غزة، جبهات عديدة اتخذت من المصالح الأمريكية أهدافا مشروعة لها، بعد إعلان واشنطن دعمها الرسمي وغير المحدود لإسرائيل.
ويرى مراقبون أن تلك التطورات داخل الأراضي العراقية وضعت حكومة السوداني وباقي السلطات العراقية في مأزق حرج، في ظل الاتفاقات الموقعة مع الجانب الأمريكي والسيطرة الإيرانية على الداخل والقرار العراقي.
وأكدوا أن ذلك يعني أن السوداني يواجه صعوبة كبيرة في الموائمة بين المصالح والأهداف الأمريكية والإيرانية في العراق، وأن زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، للعراق ربما حملت رسائل قوية لبغداد وتهديدات إذا تخطت ضربات المقاومة قواعد الاشتباك.
فما الذي يملكه السوداني لضبط الأوضاع والحفاظ على علاقات متوازنة مع كل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية، والحفاظ على حياد بلاده؟.
بداية، يقول د.غازي السكوتي، مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، إنه من الصعب جدا على السوداني تحقيق توازن في العلاقات مع كل من طهران وواشنطن، نظرا لما يجري على أرض الواقع.
وأضاف: “هناك نفوذ إيراني يتسع ويتعمق في العراق، وفقا لتصريحات الجنرال إسماعيل قآني، قائد فيلق القدس الإيراني، وفي نفس الوقت هناك ارتباط شراكة استراتيجية واقتصادية وسياسية واجتماعية وعسكرية وأمنية مع أمريكا، وحلف شمال الأطلسي والعديد من الاتفاقيات مع الدول الغربية، علاوة على اتفاقات التسليح وغيرها، ما يجعل الموائمة بالغة الصعوبة”.
وتابع السكوتي: “إيران قامت بتحويل العراق خلال العقدين الماضيين إلى مسرح للعمليات العسكرية وللمواجهة بينها وبين أمريكا، الأمر الذي تكبد العراق بسببه خسائر كبيرة، وفقدت بغداد القدرة على تحقيق التوازن بسبب وجود تنظيمات مسلحة”.
واعتبر أن “المقاومة الإسلامية في العراق اليوم ترتبط مباشرة بفيلق القدس، وهذه التنظيمات عابرة للحدود ولا تؤمن في الأساس بالمصلحة الوطنية العراقية ولا الدستور، الذي يتناول في المادة التاسعة كيفية وطبيعة تشكيل القوات المسلحة العراقية، التي يفترض أن تكون بعيدة عن السياسة وتحقق التوازن بين المكونات ولا تشارك بالعملية السياسية، وتحظر الفقرة “ب” من المادة نفسها على حظر تشكيل ميليشيات مسلحة خارج إطار القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية”.
إحراج الحكومة
وأشار مدير المركز العراقي إلى أن كل التنظيمات المسلحة الموجودة اليوم في العراق، منها ما يرتبط مباشرة بفيلق القدس ومنها ما يعد دولة داخل الدولة، ولها قرارها الخاص وتقوم بتنفيذ عملياتها وفق رؤيتها، وتتصرف بشكل يشبه التمرد والعصيان على سياسة الدولة، ويحوّل السلطات الثلاث في العراق إلى سلطات هشة، الأمر الذي يضعف ويحرج النظام أمام حلفائه في أمريكا وأوروبا وغيرها من الدول، ويخلق حالة من عدم الاستقرار ووجود أمن حقيقي في البلاد.
وشدد السكوتي على أن هذه التنظيمات المسلحة ترتبط في النهاية بمافيات شبكات تهريب النفط والعملة والحوالات السوداء والبنوك الوهمية والاتجار بالبشر والمخدرات، وجميع ما سبق يمثل انتهاكات خطيرة ضد الأمن، وتتشكل تلك الميليشيات نتيجة عدم وجود مركز موحد للقيادة والسيطرة في العراق، على الصعيدين العسكري والأمني.
من جانبه، يقول الدكتور مخلد حازم الدرب، المحلل السياسي والخبير الأمني العراقي، إن “السوداني في موقف حرج جدا، حيث ضغوط الكتل السياسية، والتي لديها أذرع في فصائل المقاومة ومشتركين في الحكومة، وفي المقابل الولايات المتحدة والاتفاقات التي وقّع عليها، التي انطوت على رؤية قدمت للسوداني، بضرورة تحييد عمل فصائل المقاومة وعدم استهداف المصالح والقواعد الأمريكية في العراق”.
زيارة بلينكن
وأضاف إن “الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للعراق فيها نوع من الغموض وفيها رسالة سرية بكل تأكيد تمت مناقشتها مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ولو لم تكن هناك رسالة مهمة لما اضطر بلينكن للحضور ليلا”.
وتوقع الدرب أن يكون محتوى الرسالة يخص فصائل محور المقاومة التي دائما ما تستهدف القواعد والمصالح الأمريكية.
ومضى بقوله: “لا نستطيع القول بأنها رسالة تهديد، لكن الأمريكان يتعاملون وفق نوع من البراغماتية ما بين الدبلوماسية والتهديد، وبالتأكيد أن الرسالة التي تسلمها السوداني كانت تقول إن هناك حدود وقواعد للاشتباك غير مسموح بتجاوزها، وإذا ما تعدت الفصائل تلك الحدود فإنهم سوف يواجهون ضربة ماحقة، الأمر الذي سيكون له تأثير على الجبهة الداخلية والاقتصادية والسياسية والأمنية، ويمكن أن تستغل بعض التنظيمات الإرهابية تلك الحالة ويتحول العراق إلى ساحة للصراعات”.
ضبط الإيقاع
وعبر الخبير الأمني عن “اعتقاده بأن السوداني قد يعمل على ضبط إيقاع المقاومة، لكنه يعلم جيدا أن ضبط هذا الإيقاع ليس من الداخل العراقي، وقد يكون ناقش خلال زيارته لطهران هذا الأمر مع المرشد الإيراني، وأوضح أنه حال حدوث شىء للعراق في ظل استمرار القصف على القواعد الأمريكية من داخل الأراضي العراقية، فإن إيران سوف تتضرر من هذا الموضوع، فمنذ سنوات تعد العراق الرئة الاقتصادية لإيران”.
ولفت الدرب إلى أن “الأيام القادمة قد تشهد تقليص العمليات التي تستهدف القواعد والمصالح الأمريكية، أو معالجة أمور أخرى بعيدا عما نتوقعه أو يتوقعه الجانب الأمريكي بشأن خروج تلك الضربات عن قواعد الاشتباك الطبيعية، ويمكن أن نشهد عمليات على فترات زمنية متباعدة، بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي للعراق وزيارة السوداني إلى طهران”.
وحذّر بلينكن، خلال خطاب في العراق، بثته القنوات التلفزيونية العربية، جميع الفصائل الموالية من استغلال حرب غزة لمهاجمة المصالح الأمريكية، مؤكدًا أن الولايات المتحدة لا تبحث عن صراع مع إيران، لكنها ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية القوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة.
الجدير بالذكر، أن جميع القواعد الأمريكية، انطلاقًا من قاعدة التنف في ريف حمص على الحدود السورية – الأردنية – العراقية، مرورًا بقواعد حقل “العمر” النفطي وحقل “كونيكو” للغاز في ريف دير الزور، وصولاً إلى قواعد الشدادي وخراب الجير والمالكية في ريف الحسكة، تعرضت خلال الأسابيع الماضية، إلى أكثر من 50 هجومًا صاروخيًا أو عبر الطائرات المسيرة الانتحارية، والتي خلفت خسائر بشرية ومادية كبيرة لم يفصح عنها الجيش الأمريكي، وذلك نقلاً عن مراسل.
ويعاني سكان قطاع غزة من كارثة إنسانية محققة، على خلفية امتناع الجيش الإسرائيلي عن إدخال المساعدات الكافية لنجدة سكان القطاع الذين يعيشون تحت وطأة القصف الإسرائيلي المكثف والمستمر، منذ يوم 7 أكتوبر الماضي.
وأعلنت إسرائيل، مساء يوم 27 أكتوبر الماضي، أنها بدأت المرحلة الثانية من “حرب طويلة وصعبة مع حماس”، تضمنت توغلات برية في غزة، بالتزامن مع غارات جوية مكثفة.
ومرّ 32 يوما منذ بدء عملية “طوفان الأقصى”، التي نفذتها حركة “حماس” الفلسطينية على المستوطنات الإسرائيلية المتاخمة لقطاع غزة، ما أسفر عن مقتل نحو 1400 إسرائيلي وأسر ما يزيد على 200 آخرين.