على الرغم من عدم الحديث، على المستوى الرسمي، عن قرب حدوث التعويم المرتقب للجنيه المصري، لكن المعطيات تشير إلى أن ساعة الصفر تقترب، في ظل وجود حزمة محاور تشير إلى قرب توقيت إعلان القرار الصعب.
في السوق الرسمية، يشهد سعر صرف الدولار استقراراً وثباتاً من الخفض الأخير للجنيه مقابل الدولار في بداية العام الحالي، ويجري حالياً تداول الدولار في البنوك عند مستوى أقل من 31 جنيهاً، لكن في المقابل، وعلى الرغم من استمرار السلطات المصرية، في تضييق الخناق على السوق السوداء، لكن تحدث متعاملون عن تحرك سعر صرف الدولار عند مستويات تتراوح بين 40 و43 جنيهاً في التعاملات الأخيرة.
وتبقى التحركات الخاصة بتعزيز الحصيلة الدولارية هي الفاصل في ملف التعويم المرتقب. وفي هذا الملف تكثف الحكومة المصرية تحركاتها سواء عبر برنامج الطروحات أو توقيع اتفاقات تبادل العملة سواء مع الإمارات أو الصين أو روسيا، أو إصدار سندات “باندا” و”ساموراي”، وأيضاً تقليص مسحوبات بطاقات الخصم في الخارج.
لكن الأهم في هذا الملف هو حديث صندوق النقد الدولي بشكل إيجابي عن الإصلاحات التي تجريها الحكومة المصرية، على الرغم من تردد أنباء بشأن طلب القاهرة زيادة قيمة برنامج التمويل من 3 إلى 5 مليارات دولار، وحديث صندوق النقد بشكل إيجابي يشير إلى إمكانية موافقته على هذا الطلب، لكن في المقابل سيعلن البنك المركزي المصري عن التعويم المرتقب والذي يراه خبراء الصندوق ضرورة ملحة لضبط سوق الصرف وتخفيف الضغط على العملة المحلية.
صندوق النقد
وفي 12 أكتوبر الجاري قال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور إن الصندوق لا يضع توقعات لسعر صرف الجنيه المصري، والعرض والطلب هو ما يحدد سعر الصرف الحقيقي لأي عملة.
وأضاف أزعور خلال كلمة في الاجتماع السنوي للصندوق والبنك الدوليين في مراكش بالمغرب بثها الصندوق مباشرة إن وجود سياسة سعر صرف مرن في مصر جزء أساسي لحماية الاقتصاد في مواجهة الصدمات العالمية.
وقبل أيام، أعلنت وكالات تصنيف دولية، خفض التصنيف الائتماني لمصر، وألمحت بعض الوكالات إلى إمكانية القيام بخفض جديد، وهو ما يعد أحد الضغوط التي تمارس بشكل غير مباشر على الحكومة المصرية للقيام بتنفيذ مطلب صندوق النقد الدولي و اتباع سياسة سعر الصرف المرن.
مبادلة العملة
في تعليقه، قال الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، الدكتور خالد الشافعي، إن الحكومة تعمل على توفير مصادر جديدة ومستمرة للعملة الصعبة، وذلك حتى لا تلجأ إلى خفض جديد للجنيه مقابل الدولار.
وأشار في حديثه لـ”العربية.نت”، إلى تحرك مصر بقوة في ملف مبادلة العملة سواء مع الإمارات التي وقعت معها اتفاقية مبادلة عملة بقيمة 5 مليارات درهم ما يعادل أكثر من 40 مليار جنيه مصري وتجري القاهرة أيضا مفاوضات مع الصين في هذا الاتجاه، وأيضاً تسعى بقوة في تسريع وتيرة تنفيذ برنامج الطروحات، وبالفعل تمكنت من جميع حصيلة معقولة سواء من السياحة أو قناة السويس أو تحويلات المصريين في الخارج، وكل ذلك يصب في إطار تقليل العجز وخفض حجم المدفوعات الخارجية المستحقة خلال الفترة المقبلة.
وفي سياق تعزيز الحصيلة الدولارية وقبل أيام، أعلن وزير المالية المصري، محمد معيط، أن بلاده نجحت في جمع نحو 2.5 مليار دولار من برنامج الطروحات خلال النصف الأول من العام الحالي. لكن من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم مع قرب إتمام صفقة “وطنية” التي أكدت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، هالة السعيد، عن إتمامها خلال 6 أسابيع.
كما تعمل السلطات المصرية على مد أجل المبادرات التي طرحتها قبل أشهر وكان الهدف منها تعزيز حصيلة البلاد من النقد الأجنبي مثل مبادرة إعفاء سيارات المغتربين من الجمارك مقابل إيداعات بالدولار يحصل عليها المستفيدون بعد نهاية المدة بالعملة المحلية وفق سعر الصرف آنذاك، و مبادرة الإعفاء الجمركي للذهب الذي يجلبه القادمون من الخارج وبيع الأراضي بالدولار و غيرها من المبادرات.
فيما يتعلق بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، رجحت وكالة “بلومبيرغ”، أن تحصل مصر على بعض الدعم الاقتصادي، حيث ذكّرت الأزمة القائمة حاليا في غزة ، القوى العالمية بمكانة مصر والدور المحوري الإقليمي الذي تلعبه، وهو ما عزز بالتالي فكرة أنها أكبر من أن تخفق في تنفيذ برنامجها الاقتصادي.
وقال مدير مشروع شمال أفريقيا لدى مجموعة الأزمات الدولية، ريكاردو فابياني، إنه من “المحتمل أن يمارس المساهمون الرئيسيون في صندوق النقد الدولي في الولايات المتحدة وأوروبا، ضغوطًا على الصندوق، لتخفيف متطلباته والمضي قدمًا في البرنامج رغم بطء وتيرة الإصلاحات في القاهرة.
وأوضح، أن هذه الضغوط أيضًا ستنبع من الصراع الحالي الذي يسلط الضوء على حالة عدم الاستقرار المتزايدة في الوقت الراهن على كل الحدود المصرية في ليبيا والسودان والآن في غزة، ما يضع أمام الولايات المتحدة وأوروبا ضرورة أن تضمن بقاء القاهرة شريكًا مستقرًا وموثوقًا في المنطقة يستحق الدعم الخارجي.
توسع في إصدار السندات
على صعيد ملف إصدار السندات، تعتزم الحكومة المصرية طرح سندات “ساموراي” بعملة الين الياباني قبل نهاية نوفمبر المقبل، بقيمة 500 مليون دولار، بحسب تصريحات وزير المالية المصري محمد معيط.
وفي مارس من العام الماضي، ولأول مرة، طرحت الحكومة المصرية، سندات “ساموراي” دولية بقيمة 500 مليون دولار.
ويأتي ذلك بعد أن أصدرت مصر في وقت سابق من الشهر الجاري ، سندات “باندا” في السوق الصينية بعملة اليوان، بقيمة 500 مليون دولار أيضًا.
وعلى الرغم من ارتفاع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي إلى 34.970 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضي، لكن في المقابل، تواجه مصر فجوة تمويلية تراكمية تقدر بأكثر من 11 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، وفقا لمجموعة “غولدمان ساكس”.
الالتزامات الخارجية
وتشير بيانات البنك المركزي المصري، إلى وجود التزامات خارجية على مصر بنحو 11.327 مليار دولار يحين موعد سدادها خلال الأشهر المتبقية من العام الجاري 2023.
وتتوزع هذه الالتزامات، بحسب بيانات تقرير وضع مصر الخارجي، بين نحو 2.96 مليار دولار سعر فائدة (عبء الدين)، و8.367 مليار دولار أقساط قروض.
وتشير البيانات الرسمية إلى ارتفاع الديون الخارجية المستحقة على مصر إلى نحو 165.4 مليار دولار بنهاية مارس الماضي، لكن وزير المالية المصري قال في وقت سابق، إن بلاده تمكنت من سداد التزامات خارجية بقيمة 25.5 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الحالي.
يرى نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربي بجامعة الدول العربية لشئون التنمية الاقتصادية، الدكتور أشرف غراب، أن اعتزام الحكومة المصرية طرح سندات “ساموراي” إضافة إلى طرح الصكوك السيادية الاسلامية بقيمة 1.5 مليار دولار لأول مرة، مع إجراءات أخرى لزيادة حصيلة البلاد من النقد الأجنبي يعزز موقف الجنيه في سوق الصرف.
أوضح، أن هناك الكثير من الميزات من إصدار سندات الـ”ساموراي”، أهمها أنه يهدف لتوفير العملة الأجنبية من النقد الأجنبي الضرورية لاستيراد خامات ومستلزمات الإنتاج وتمويل الفجوة التمويلية للموازنة العامة، كما تهدف إلى الاعتماد على أدوات تمويل متعددة وتنويع أدوات الدين وآجال الدين دون التقيد في التمويل بمصادر معينة. ويأتي ذلك في إطار خطط خفض تكلفة التمويل وكلفة الدين وإطالة عمره وجذب مستثمرين جدد.
البورصة المصرية
تشهد البورصة المصرية خلال الأسابيع الماضية موجة ارتفاعات لمؤشراتها مدعومة بتوقعات المحللين لإجراء تحرير لسعر الصرف وارتفعت مؤشرات البورصة المصرية بنحو جماعي في ختام تعاملات جلسة، أمس الاثنين، بدعم مشتريات المؤسسات، وربح رأس المال السوقي للأسهم المقيدة أكثر من 52 مليار جنيه.
وقفز المؤشر الرئيسي “إي جي إكس 30” لأعلى مستوى تاريخي متجاوزا 22500 نقطة، رابحا 2.01%، ليغلق عند 22572.49 نقطة، وبلغ أعلى مستوى للمؤشر بجلسة أمس 22614.70 نقطة.