برزت في الآونة الأخيرة حوادث رمي الأطفال حديثي الولادة بالقرب من مكبات النفايات أو المراكز الدينية ودور الأيتام في مختلف المناطق اللبنانية، بالتزامن مع واقع مؤلم تعاني منه الأسر نتيجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحادة التي رفعت معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات غير مسبوقة.
وتعيش معظم العائلات في لبنان تحت ضغط الفقر وعدم القدرة على تأمين الطعام والسكن والرعاية الصحية اللازمة لأطفالهم.
واعتبر الباحث الاجتماعي سعيد نجدي أن “موضوع رمي الأطفال حديثي الولادة يندرج في النسق المجتمعي ككل، خصوصًا في وقت يتراجع فيه البعد الاقتصادي ويكثرالتفكك الأسري، وكل ذلك ينعكس على تراجع في المستوى الأخلاقي، لأن المستوى الأخلاقي عادة يتحلل انطلاقًا من تحلل النسق المجتمعي ككل”.
وأوضح نجدي أن “سبب رمي الأطفال حديثي الولادة أخلاقي، والموضوع الأخلاقي انعكاس للأزمة الاقتصادية”، مشيرًا إلى أنه “اليوم في ظل ما يشهده البلد فيما يخص الوضع الاقتصادي والمالي والمعيشي، من الطبيعي أن ينخفض سقف الأمان لأن العوز والحاجة أصبح كبيرًا ونسب الفقر وما تحت خط الفقر مرتفعة جدًا، وهذا كله في النهاية يقلل الرادع الأخلاقي”.
بدورها، قالت روز حبشي مديرة برنامج الحصانة والمرونة في جمعية “حماية” التي تعنى بالأطفال إن “رمي الرضع على الطرقات واقع مرير وأليم، وهي ممارسات ضد القانون وتتناقض كليًا مع إتفاقية حقوق الطفل المصادق عليها لبنان، ومن الضروري إن كانت الجمعيات أو الجهات الرقابية في الوزارة المعنية أن تمارس دورها الرقابي”.
واعتبرت أن “العنف ضد الأطفال ليس جديدًا وهو موجود قبل الضائقة الاقتصادية التي يشهدها لبنان منذ العام 2020”.
الحالة للأسف تستدعي تدخل كل الأطراف من عائلة إلى مؤسسات دولة أو مؤسسات أهلية لأن تتحرك لكي تعطي الدعم اللازم والحماية للأطفال على كل الأراضي اللبنانية.
ولفتت إلى أن “الجمعية موجودة على الأراضي اللبنانية منذ العام 2008، وهي تتدخل مع كل أنواع سوء المعاملة أو العنف ضد الأطفال، إن كنا نتحدث عن العنف المعنوي أو النفسي إن كان الإهمال، العنف الجسدي أو العنف الجنسي، كل هذه الأنواع جمعيتنا مثل بقية الجمعيات التي تتدخل لحماية الأطفال هي متواجدة لكي تعطي الدعم للعائلة أو للأطفال”.
من جهتها، اعتبرت الخبيرة التربوية سلوى هلال أن “ظاهرة الطفل المرمي أمام مسجد أو مكان عام أو مستشفى عادة ما كانت تحدث في لبنان ولكن ليس بهذه الكثرة ولا بهذا الشكل”.
وقالت هلال لـ”سبوتنيك” إن “الأمر يعود إلى سببين، إذا كنا نعتبر أنها جريمة أخلاقية أو أن لأهل وجدوا أن الطريق مسدود أمامهم لتربية الطفل بالنسبة للمناحي الاقتصادية”.
نحن أمام كارثة بكل معنى الكلمة سواء لجهة إلقاء المواليد أو الأطفال أو موضوع اغتصاب الأطفال، أو العنف تجاه الأطفال المجتمع ضائع والأكثر عرضة في هذا الضياع هم الأطفال الذين ليس لديهم لا حول ولا قوة”، مؤكدة أن الطفل هو الضحية.
كما لفتت هلال أن “العنف في المجتمع مثل المرض ينتقل بالعدوى، ونحن اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا وطائفيًا لنا عشرات السنوات تصب علينا عنفًا”، مشيرة إلى أن “هذه الظاهرة تحصل في كل المجتمعات حتى في المجتمعات الغربية ، ولكن الخوف أن المجتمع اللبناني أصبح يعتبر هذه المسائل وكأنها ظواهر، ظاهرة تنتشر وتكثر، وفي السنوات الأخيرة ازدادت الجرائم وليس فقط تعنيف الأطفال”، لافتة إلى أنه “بسبب هذا الكبت والضغط الذي يعانيه اللبناني سوف تكثر بالتأكيد هذه الظاهرة وهذه الجرائم، وللأسف سواء سياسيين أو رجال دين أو حتى في مجال التربية نحن ضائعون وللآن لم نتفق من أين نبدأ”.