عاد طرفي الصراع في السودان، الجيش والدعم السريع، إلى التفاوض مجددا فيما يطلق عليه “منبر جدة”، وسط آمال بالتوصل إلى هدنة إنسانية أو التوافق على بنود لإنهاء الصراع، في المقابل تعقد القوى المدنية اجتماعات مكثفة في أديس أبابا لأول مرة برئاسة عبد الله حمدوك رئيس الحكومة السابق.
هل الواقع على الأرض اليوم يسمح بتطبيق أي من البنود التي يمكن الاتفاق عليها؟
بداية، يقول يعقوب البشير، المحلل السياسي السوداني، إن “عودة فريقي التفاوض التابعين للجيش وقوات الدعم السريع إلى منبر المفاوضات في جدة بعد شهور من الصراع الدامي، هو أمر طبيعي لأن كل الحروب تنتهي بالتفاوض، وفي الحالة السودانية أعتقد أن الطرفين أصبحا على يقين بأن الحسم العسكري لصالح طرف على الآخر غير ممكن”.
الحسم العسكري
وأضاف أن “السجال العسكري بين الجيش والدعم السريع، خلال الأشهر الماضية لم يكن حاسما وقاطعا لصالح طرف على حساب الطرف الآخر، حيث نجد أن تقدم هذا الطرف في منطقة ما يتبعه تقدم للطرف الثاني في منطقة أخرى، وعلى ما يبدو أن الأطراف وجدوا أنه من غير المتوقع إنهاء الحرب بصورة حاسمة ونهائية بالأدوات العسكرية، لذا كان الخيار المتاح أمامهم هو التفاوض للوصول إلى اتفاق ينهي الحرب”.
وتابع البشير: “بعد أن دخلت الحرب شهرها السابع لم يجد الطرفان طريقا آخر بعد أن أخفقوا في الحسم العسكري سوى قبول دعوات العودة للتفاوض في منبر جدة الذي ترعاه المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية”.
الضغوط الداخلية
وأشار البشير، إلى أن “العامل الداخلي والمعاناه من ويلات الحرب التي تتمدد من الخرطوم إلى الولايات المجاورة جعلت نارها تطال أكبر عدد من السكان المدنيين، الأمر الذي زاد من الضغوط لوقف الحرب وإحلال السلام والاستقرار، وقد شاهدنا خلال اليومين الماضيين تقدم قوات الدعم السريع وإعلانها التقدم نحو نيالا والتقدم نحو الفاشر، هذه الأوضاع المستجدة على الساحة تنذر بمخاطر يضعها كل من الطرفين في اعتباره”.
الضعف والإنهاك
من جانبه، يقول وليد علي، المحلل السياسي السوداني: “من الواضح أن طرفي القتال في السودان بدأوا يشعرون بالضعف والإنهاك بعد قتال لأكثر من ستة أشهر، تلك النقطة قد تساعد بأن يكون هناك جنوح نحو الحلول السلمية والتفاوض لوقف الحرب، وقد يكون هذا ما دفعهم لقبول العودة إلى “منبر جدة”.
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”: “بالتزامن مع عودة التفاوض في منبر جدة، نجد أن نفس القوى المدنية التي تجتمع اليوم في أديس أبابا هي نفسها التي اجتمعت في القاهرة منذ شهور وقبلها في أديس أبابا، هي نفسها كتلة الحرية والتغيير(المجلس المركزي) لكنها قامت بتغيير اسمها”.
عبد الله حمدوك في الاجتماع
وتابع علي، أن “الإضافة في مسألة اجتماع القوى المدنية في إثيوبيا أنها استطاعت هذه المرة إقناع رئيس الحكومة السابق الدكتور عبد الله حمدوك، أن يتولى رئاسة المجموعة الجديدة التي أطلقت على نفسها اسم (الجبهة المدنية العريضة)”.
وأشار المحلل السياسي، إلى أن “الشواهد تؤكد أن هذا الاجتماع ربما كان متعجلا بعض الشيء، حيث اتضح تماما أن المجموعة الممولة لهذا الاجتماع (لالترويكا)، كان لها وجهة نظر بأن يتم تأجيل الاجتماع حتى يتم تحقيق أكبر قدر من الإجماع، لكن كان هناك إصرار على عقد الاجتماع رغم أن حمدوك كان يتفق مع دول الترويكا في مسألة التأجيل، لذا لا أعتقد أن الاجتماع سوف يأتي بجديد”.
جبهات متعددة
ولفت علي، إلى أن “الشق المدني به أربع مجموعات سياسية في الوقت الراهن وهي: المجلس المركزي للحرية والتغيير والكتلة الديمقراطية التي تعاني انشقاقات داخلية كبيرة جدا، ومجموعة أطراف سلام جوبا والمجموعة الرابعة تم تكوينها من قبائل البجا في شرق السودان وتسمى بالجبهة الوطنية وهي مجموعة ليست بالهينة لأنها تحتوي على مجموعة كبير من شيوخ القبائل ومن الإسلاميين السابقين”.
وأوضح المحلل السياسي، أن المجموعات الأربع السابق ذكرها ليس بينها أي نوع من التواصل، لذا لا أتوقع أن الجبهة المدنية التي تم تشكيلها في أديس أبابا يمكن أن تحقق تقدم على الصعيد السياسي.
وقال علي: “لا أعتقد أن العودة إلى العملية التفاوضية في منبر جدة بالسعودية سوف تؤدي إلى هدنة ووقف إطلاق النار، لكن تلك الجولة قد تقود إلى تصور حول كيفية وقف إطلاق النار، لأن الإشكالية التي توجه كل المبادرات هو كيفية وقف إطلاق النار”.
واختتم بقوله: “من الواضح تماما أن بيان الخارجية السعودية قد قطع كل الاحتمالات لسلام شامل في الوقت الراهن”، مشيرا إلى أن اللقاءات في منبر جدة سوف تتم في الجانب العسكري فقط ولن تحمل أي طابع سياسي، هذا يعني أن الوصول إلى السلام في السودان لا يزال بعيدا، فقد تتم في تلك الجولة توافقات على بعض النقاط التي ربما يصعب تحقيقها على أرض الواقع، وقد لا يتم وقف القتال في الوقت الراهن”.
وانطلقت المحادثات بين وفدي التفاوض للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، اليوم الأحد، في مدينة جدة السعودية، عقب إجراءات تعديلات على تشكيل الوفد الممثل للجيش السوداني.
وأكدت وزارة الخارجية السعودية، في بيان صحفي اليوم الأحد، بدء المحادثات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في مدينة جدة السعودية التي تتركز على إيصال المساعدات الإنسانية وتحقيق وقف إطلاق النار وبناء الثقة، إضافة إلى إمكانية التوصل لوقف دائم للأعمال العدائية”.
وأضافت الخارجية في بيانها أن “السعودية وأميركا ومنظمة الإيقاد والاتحاد الأفريقي، الميسرون لعملية التفاوض، أن المفاوضات لن تتناول قضايا ذات طبيعة سياسية”.
وأكدت قوات الدعم السريع، لمراسل أنه “تم إبعاد السفير عمر الصديق ضمن وفد الجيش، وينال صفة خبير فقط جراء الاعتراض عليه من قبل وفد قوات الدعم السريع الذي يترأسه العميد عمر حمدان بسبب انتمائه للنظام والحزب السابقين (المؤتمر الوطني) المنحل”.
لماذا تتمسك قوى سياسية بـ”منبر جدة” من أجل وقف الحرب في السودان؟
وتتواصل الاشتباكات، رغم بدء المفاوضات بين طرفي الصراع (الجيش وقوات الدعم السريع)، حيث أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على مدنية نيالا بولاية جنوب دارفور وهي ثان أكبر مدن السودان من حيث عدد السكان.
وتشهد العاصمة الخرطوم والمدن المجاورة لها قتالا عنيفا بين القوات المسلحة وبين قوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي، إثر خلافات سياسية وأمنية، تسببت في نزوح أكثر من خمسة ملايين سوداني داخل وخارج البلاد، بالإضافة إلى مقتل أكثر من 5 آلاف من المدنيين مما تطلب تدخل منظمات إنسانية محلية ودولية لمساعدة المتضررين.