Site icon مصر 30/6

جراد البحر أيقونة الأغنياء

الكركند

رغم هيكله الخارجي الأحمر اللامع، وسمعته كحشرة بحرية، بات جراد البحر أو “الإستاكوزا” لقرون أحد العناصر الفاخرة غير المتوقعة، ورمزا راسخا للثراء، ووصل إلى مكانة ثقافية تتجاوز الكافيار أو قطع اللحم باهظة الثمن.

جراد البحر أو الاستاكوزا

وفي قوائم الطعام، يمكن أن تصل أسعار جراد البحر لأرقام مرتفعة للغاية، ففي لاس فيجاس يبلغ سعر الطبق منه 700 دولار أي نحو 32 ألف جنيه، أما النوع المملح العملاق فيأتي مقابل 460 دولارًا. وفي الفن، يرمز إلى طول العمر والقوة في المطبوعات اليابانية القديمة بجراد البحر.

يعيش جراد البحر الذي يعرف أيضا بـ”الكركند” أو “الإستاكوزا” في المحيطات، وهو مرغوب على نطاق واسع لا سيما في دول آسيا، وتبلغ قيمته السوقية العالمية مليارات الدولارات وفقًا لشركة تحليل البيانات “Markets and Research”.

أيقونة ثقافية

وعلى مر العصور، باتت “الإستاكوزا” رمزا للصعود من الفقر إلى الثراء، فقديما كان طعاما للسجناء والعبيد في أمريكا الاستعمارية، فيما يشير كتاب “جراد البحر: تاريخ عالمي” للأمريكية إليزابيث تاونسند إلى أن جراد البحر كان يؤكل منذ 250 مليون عام على الأقل.

وقدم الكتاب سردًا أصليًا وشاملًا عن تحول “الإستاكوزا” من طعام الفلاحين إلى طعام شهي فاخر، فيوضح الأنواع الأمريكية ذات المخالب الكبيرة من الكركند التي تقدم على الكعك إلى جراد البحر الشوكي المرغوب فيه في اليابان، والنوع الصخري الذي يتناوله الناس في جنوب أفريقيا وأستراليا، وحتى تمجيده في المطبخ الفرنسي، إذ يتمتع بتاريخ طهي طويل ومتنوع في جميع أنحاء العالم.

وترى الكاتبة أن قصة حب العالم لجراد البحر بدأت بدافع الضرورة، إذ كان البشر بحاجة إلى تناول الطعام وكانت القشريات في كثير من الأحيان في متناول اليد، ولكنه أصبح في نهاية المطاف أكثر من مجرد يرقات، وتحول وضعه من بروتين حيوي إلى رمز ثقافي.

من “طعام البقاء” إلى طعام شهي

قديما، كان يعتبر جراد البحر طعامًا للبقاء على قيد الحياة لنفس الأسباب التي تجعله قيمًا اليوم، إذ يصعب جمعه ونقله لأنه يتحلل بسرعة بمجرد قتله، لكنه كان يُبجل أيضًا في الحضارات القديمة أيضًا، ففي الحضارة الفرعونية ظهر على معبد مصري من القرن الخامس عشر قبل الميلاد.

كما ظهر في أرضية فسيفساء من القرن الأول قبل الميلاد تقريبًا في بومبي، وهي مدينة قديمة في إيطاليا، واعتبره الرومان القدماء “مكافأة”، كما ظهرت زخارف جراد البحر على السيراميك من حضارة موشي في بيرو بين القرنين الأول والثامن، والتي تشير إلى قيمته داخل مجتمعاتهم الساحلية.

وعلى مر العصور، استهلك جراد البحر بطرق مختلفة، كانت أبسط تحضيراته هي السلق أو التدخين أو الخبز، كما هو الحال في مجتمعات الأمريكيين الأصليين الساحلية قبل فترة طويلة من شهرة إقليم إنجلترا الجديدة بأطباق المحار المحشوة بالمأكولات البحرية. وبحلول الوقت الذي دخلت فيه أوروبا العصور الوسطى، كانت كتب الطبخ تقترح أطباقًا مثل حساء جراد البحر المتبل، على الرغم من أن المكون كان باهظ الثمن بسبب تكاليف النقل.

ومع بدء التجارة البحرية في إعادة تشكيل العالم، أصبح مكونًا رئيسيًا للأوروبيين الأرستقراطيين الذين قدموا الأعياد المليئة بالمكونات العالمية الغريبة لإظهار ثروتهم وقوتهم، ففي القرنين السادس عشر والسابع عشر، عكس الفن في فلاندرز البلجيكية، نفس الرغبة في تجميع مجموعة رائعة من السلع، حينها أصبحت مدينة أنتويرب الساحلية مركزًا للتجارة الاستعمارية.

رمز فاضح

وفي الفن، أعطى الفن الهولندي جراد البحر دورًا داعمًا مهمًا، وقدمت له الحركة السريالية في منتصف القرن العشرين فرصة ليكون نجمًا، وبحلول ثلاثينيات القرن العشرين، وأصبح ركيزة أساسية في المطاعم الفاخرة. وكان العصر الذهبي للطبخ الفرنسي، والذي ابتكر طرقًا متقنة لإعداد الإستاكوزا بالكمأة والشمبانيا، بينما كان الصناعيون الجدد في نيويورك يستمتعون به في أرقى مطاعم المدينة.

كما دخل “الكركند” إلى عالم الأزياء الراقية، بعد أن قدمه سلفادور دالي كرمز مثير في عمله السريالي “هاتف جراد البحر” عام 1936، وفي العام التالي كان فستان مصممة الأزياء الإيطالية إلسا سكياباريلي الحريري الأبيض مزخرفا بجراد البحر، وتحول هذا الفستان لنموذج أيقوني الآن.

هذا الفستان ارتدته واليس سيمبسون، دوقة وندسور، عام 1937 وظهرت به في مجلة “فوج” قبل أيام قليلة من زواجها من الأمير إدوارد دوق وندسور، الذي صدم بريطانيا بالتنازل عن تاجه من أجل زواجهما.

ومنذ ذلك الحين، أصبح الكركند حجر أساس في تاريخ الموضة والفن، ويعود إلى الظهور بانتظام، إذ ارتدته آنا وينتور في حفل ميت غالا عام 2012، وكذلك المغنية الأمريكية زندايا التي ارتدت تنورة مرجعية من فستان سكياباريلي العام الماضي.

Exit mobile version