جزيئات جديدة قادرة على “تفجير” الفيروسات
مكن باحثون من جامعة نيويورك من استغلال “ثغرة أمنية” وتعطيل غشاء الفيروسات باستخدام مجموعة من الجزيئات الجديدة يُمكنها “تفجير” الفيروسات من الداخل، بحسب دراسة جديدة منشورة في دورية “الأمراض المعدية”.
والشيكونغونيا مرض ينتقل إلى البشر عن طريق البعوض في إفريقيا وآسيا والأمريكتين؛ ولا يوجد حالياً لقاح معتمد أو علاج محدد له. ويسبب حمى وآلاماً شديدة في المفاصل، غالباً ما تكون منهكة وتتفاوت في مدتها؛ ومن أعراضه الأخرى تورم المفاصل، والآلام العضلية، والصداع، والتقيّؤ، والتعب، والطفح الجلدي.
وتتشابه أعراض حمى الضنك وفيروس زيكا مع أعراض الشيكونغونيا، مما يجعل من السهل تشخيص هذا الداء بشكل خاطئ.
ولن يؤدي النهج الجديد إلى تطوير الأدوية التي يمكن استخدامها ضد العديد من الفيروسات فحسب، بل قد يساعد أيضاً في التغلب على مقاومة مضادات الفيروسات.
من المعروف أن تطوير العلاجات المضادة للفيروسات أمر صعب، حيث يمكن للفيروسات أن تتحور بسرعة لتصبح مقاومة للأدوية.
لذا؛ يحاول العلماء ابتكار جزيئات جديدة تعطل طبقات الحماية الخاصة بالفيروسات عوضاً عن تطوير مضادات الفيروسات التقليدية التي تتداخل مع البروتينات سريعة التحور الموجودة على سطح الفيروسات.
وتحتوي الفيروسات على بروتينات مختلفة على أسطحها، وغالباً ما تكون أهدافاً للعلاجات مثل اللقاحات والأجسام المضادة وحيدة النسيلة.
والأجسام المضادة أحادية النسيلة هي جزيئات مصممة مخبرياً لتعمل كأجسام مضادة بديلة يمكن أن تستعيد أو تعزز أو تعدِّل أو تحاكي هجمات الجهاز المناعي ضد الخلايا غير المرغوب بها، كالخلايا السرطانية.
لكن استهداف هذه البروتينات له حدود، حيث يمكن للفيروسات أن تتطور بسرعة، وتغير خصائص البروتينات وتجعل العلاجات أقل فعالية.
وتسببت تلك القيود في مشكلات متعلقة بمكافحة فيروس كورونا المستجد؛ إذ ظهرت متغيرات جديدة تهربت من اللقاحات المطورة ضد الفيروس الأصلي.
ويقول الباحثون إن هناك حاجة ملحة لتطوير أدوية مضادة للفيروسات تعمل بطرق جديدة لتعطيل الفيروسات.
ومن الناحية المثالية، لن تكون مضادات الفيروسات الجديدة خاصة بفيروس أو بروتين واحد، لذا ستكون جاهزة لعلاج الفيروسات الجديدة التي تظهر دون تأخير وستكون قادرة على التغلب على تطور المقاومة.
ويقول المؤلف الرئيس للدراسة كينت كيرشينباوم، وهو أستاذ الكيمياء بجامعة نيويورك: “نحن بحاجة إلى تطوير هذا الجيل القادم من الأدوية الآن ووضعها على الرفوف حتى نكون مستعدين للتهديد الوبائي القادم والذي سيشكل خطراً آخر بالتأكيد”.
تعطيل وتفجير الأغشية
ويحارب نظام المناعة الفطري لدينا مسببات الأمراض عن طريق إنتاج الببتيدات المضادة للميكروبات، وهي مواد تُشكل خط الدفاع الأول للجسم ضد البكتيريا والفطريات والفيروسات.
ويتم تغليف معظم الفيروسات المسببة للمرض في أغشية مصنوعة من الدهون، وتعمل الببتيدات المضادة للميكروبات عن طريق تعطيل أو حتى تفجير هذه الأغشية.
بينما يمكن تصنيع الببتيدات المضادة للميكروبات في المختبر، إلا أنها نادراً ما تستخدم لعلاج الأمراض المعدية لدى البشر لأنها تتحلل بسهولة ويمكن أن تكون سامة للخلايا السليمة.
وبدلاً من ذلك، طور العلماء مواداً اصطناعية تسمى “الببتويد” والتي تتكون من روابط كيميائية مماثلة للببتيدات الطبيعية لكنها أكثر قدرة على اختراق أغشية الفيروس وأقل عرضة للتحلل.
ويقول “كيرشنباوم” إن الفريق بدأ في التفكير في كيفية محاكاة الببتيدات الطبيعية وإنشاء جزيئات لها العديد من الخصائص الهيكلية والوظيفية نفسها مثل الببتيدات “ولكنها تتكون من شيء لن تكون أجسامنا قادرة على تحللها بسرعة”.
وحقق الباحثون في 7 ببتويدات ودرسوا تأثيراتها المضادة للفيروسات ضد 4 فيروسات؛ 3 مغلفة بالأغشية (زيكا وحمى الوادي المتصدع والشيكونغونيا) وواحد بدون (فيروس كوكساكي B3).
لكن؛ كيف تعطل الببتويدات الأغشية الفيروسية وتتجنب الخلايا الأخرى؟
تتكون الأغشية المحيطة بالفيروسات من جزيئات مختلفة عن الفيروس نفسه، حيث يتم الحصول على الدهون من العائل لتشكيل الأغشية.
أحد أنواع هذه الدهون “فوسفاتيديل سيرين” يتواجد في الغشاء الموجود على السطح الخارجي للفيروسات، لكن يتم عزله باتجاه الجزء الداخلي من الخلايا البشرية في ظل الظروف العادية.
ونظراً لوجود “فوسفاتيديل سيرين” على السطح الخارجي للفيروسات، يمكن أن يكون هدفاً محدداً للببتويد للتعرف على الفيروسات، ولكن لا يتعرف على خلايانا.
وحين اختبر الباحثون السبعة ببتويدات ضد الفيروسات الأربعة؛ وجدوا أنها عطلت جميع الفيروسات الثلاثة المغلفة – زيكا وحمى الوادي المتصدع وشيكونغونيا – عن طريق تعطيل غشاء الفيروس، لكنها لم تعطل فيروس كوكساكي B3، وهو الفيروس الوحيد الذي لا يحتوي على غشاء.
وكان فيروس الشيكونغونيا المحتوي على مستويات أعلى من فوسفاتيديل سيرين في غشاءه أكثر عرضة للإصابة بالببتويد.
على النقيض من ذلك، فإن الغشاء الذي يتكون حصرياً من مادة دهنية مختلفة تسمى “فوسفاتيديل كولين” لم تتعطل بواسطة الببتويد، مما يشير إلى أن “فوسفاتيديل سيرين” ضروري لكي تقلل الببتويد من النشاط الفيروسي.
ويواصل الباحثون الآن الدراسات قبل السريرية لتقييم إمكانات هذه الجزيئات في مكافحة الفيروسات وفهم ما إذا كان بإمكانها التغلب على تطور المقاومة.
وقد يكون نهج التركيز على الببتويد واعداً في علاج مجموعة واسعة من الفيروسات بأغشية يصعب علاجها، بما في ذلك الإيبولا والسارس والهربس.