جمع الحطب… مهنة أنعشتها حرب غزة

مع حلول الساعة السادسة من صباح كل يوم، يخرج محمد عسلية من المكان الذي نزح اليه في مجمع «الشفاء» الطبي، إلى المناطق القريبة، بحثاً عن أشجار تضررت بفعل الحرب الإسرائيلية، مقطعة أو نصف محترقة، وما تيسر من قطع الخشب، في محاولة منه لتدفئة عائلته، من جهة، وكمصدر رزق جديد من جهة ثانية.
ويجمع عسلية (43 عاماً) من سكان جباليا البلد، والذي نزح منذ 5 أسابيع إلى مجمع «الشفاء» الطبي، تلك الأشجار، ثم يقطعها بمنشار يدوي ويحولها إلى حطب للاستخدام الشخصي، وبيع كميات منه للنازحين داخل وخارج المجمع.
قال عسلية إن «رحلة البحث عن الأشجار تستمر ساعات طويلة، مليئة بالمخاطرة… اعرف أنني قد أخرج ولا أعود. في كل لحظة يمكن أن تموت في غزة، بكل الطرق، عبر القصف أو الطائرات المسيّرة أو بالرصاص. لكن ما بيد حيلة».
ويغامر عسلية بتفقد المناطق التي قُصفت سابقاً في محاولة للعثور على الأشجار وقطع الخشب.
وكانت هذه مهنة عسلية الأصلية، لكنها تركها قبل نحو 10 أعوام، واتجه إلى الأعمال الحرة، قبل أن تدمر الحرب كل شيء يملكه، منزله وأعماله وماله.

وأوضح عسلية أن حاجة عائلته إلى الحطب، في ظل نقص الغاز والوقود والأجواء الباردة، دفعته للبدء في جمع الحطب، قبل أن يفكر في بيعه.
أضاف: «كنت أجمعه من أجل إعداد الطعام وكوسيلة للتدفئة، ثم بدأ يفيض عن الحاجة، وفكرت أنه قد يكون مصدر رزق في ظل هذا الوضع الصعب».
وفعلاً بدأ عسلية بجمع مزيد من الحطب، ثم عرضه على النازحين، وبدأ ببيعه داخل مجمع «الشفاء» بأسعار رمزية، ثم وسع ذلك إلى مناطق أخرى، مستعيداً مهنته التي تركها منذ سنوات.
ويضطر النازحون في مراكز الإيواء لاستخدام الحطب والخشب في حياتهم اليومية، لإعداد ما يتوافر من طعام وكذلك الخبز في حال توافر الدقيق، بينما يستخدمه كثيرون للتدفئة مع استمرار الأجواء الباردة التي تسببت بزيادة انتشار الأمراض خصوصاً في صفوف الأطفال.
ومع دخول فصل الشتاء زادت الحاجة إلى الحطب، وأصبح مصدر رزق لكثيرين.

وقال نازحون لـ«الشرق الأوسط» إنهم يخشون التحرك خارج المجمع أو لا يقوون على ذلك، لكنهم لا يستغنون عن الحطب الذي أصبح المادة الأهم خلال فصل الشتاء في خيمهم «لإعداد الغذاء، ولتسخين الماء، والحصول على الدفء».
وقال أبو محمد (70 عاماً): «لا أستطيع جمعه بنفسي، لكني مستعد لدفع كل ما أملك هنا من أجل الحصول عليه. على أية حال، الأسعار مقبولة نظراً للمخاطرة الكبيرة. والله يغير (هالحال)».
واستغل رياض العناني (21 عاماً)، عربته التي يجرها حمار، من أجل جمع الأشجار من مناطق مختلفة داخل مدينة غزة.
وقال العناني، النازح من منطقة جورة الصفطاوي إلى مجمع «الشفاء» الطبي، إنه يقوم كل يوم بجمع ما توافر من أشجار كبيرة وصغيرة، وحتى أخشاب يعثر عليها في ما تبقى من منازل دمرها الاحتلال أو غيرها.
أضاف لـ«الشرق الأوسط»: «أقوم بجمع تلك الأشجار والأخشاب بهدف بيعها للنازحين الذين بدورهم يقومون بقصها وتكسيرها بطرق مختلفة واستخدامها لتدبر أمورهم اليومية».
ويستغل العناني كل وقته في جمع ما يمكن جمعه من الأخشاب، ويبيعه بسرعة فور عودته، إذ «دائماً هناك من يريد شراء الحطب. الطلب مرتفع الآن، إلى حد أنني لا أجد أحياناً ما تبقى لي ولعائلتي». أضاف: «تحول ذلك إلى مصدر رزق إضافي إلى جانب العربة التي أملكها. الحياة هنا تعود بدائية… يجب أن نتعايش مع الوضع ونتحمل ونعيش. لا يوجد حل ثانٍ».