إذا أراد الشباب التعبير عن شئ مختلف فإنهم يصفونه بأنه “حمادة تاني خالص” وهذا بالضبط ما يمكن أن نصف به فكرة مسلسل المداح التي لابد أنها كُتبت خصيصا للفنان الرائع حمادة هلال الذي يُعرف عنه ميله للتدين وحبه لآل البيت، ولذلك سيظل هذا العمل في ظني هو الأقرب إلى قلب هلال مهما قدم من أعمال أخرى ناجحة لأنه يعبر عن شئ من طبيعته المتصوفة.
ينتمي مسلسل المداح إلى دراما البطل الخارق، والبطل هنا ليس خارقا بقواه البدنية أو العقلية وإنما بقواه الروحانية التي تمكنه من التواصل مع العالم السفلى وهو ما يتيح له معرفة الأسرار وكشف المستور واستخراج الكنوز المخفية عن عين الإنسان ومحمية بجنود الجآن.
عُرض هذا المسلسل في شهر رمضان المبارك فكان توقيت عرضه مناسبا لفكرته الروحانية التي تناسب روحانيات الشهر الفضيل ولكن المفارقة الغريبة كانت في نجاح المسلسل جماهيريا بشكل كبير وغيابه شبه التام عن تقييمات النقاد للأعمال المشاركة في سباق الدراما الرمضانية!
ولعل سبب هذه المفارقة يرجع إلي سطوة بعض النجوم الذين تقف خلفهم جهات إنتاجية أقوى من الجهة التي انتجت مسلسل المداح. أو خوف النقاد من تناول هذا العمل بالتحليل بسبب اختلاف فكرته وجرأتها لدرجة يصعب معها تحديد موقف النقد تجاهه سواء بالإشادة أو الانتقاد، فاختار النقاد إيثار السلامة والتعامل مع المسلسل كأن لم يكن، رغم ما حظى به من نجاح جماهيري ساحق.
تعتمد دراما البطل الخارق في المقام الأول على إبراز قوة خصومه، وإلا فلا معنى لكونه خارقا إذا انتصر على من هم دونه في القوة. وقد يواجه البطل خصوما ليسوا بقوته ولكنهم أقوياء باتحادهم ضده؛ لذلك قهرت قوة صابر المداح الأخلاقية جميع من تآمروا عليه متحدين ممن لا يمتلكون أدنى حظ من الأخلاق.
ولكن على المستوى الروحاني لم يواجه صابر المداح من شياطين الإنس إلا شيطانا واحدا استطاع أن يغويه ويوقعه في حباله ويجره إلى طريق الشر هو سمير أبو المجد الذي أداه بعبقرية لافتة الفنان محسن منصور .
وإذا كان أداء حمادة هلال لشخصية صابر المداح قد تميز بعذوبة الصوفي وقوة المؤمن فإن أداء محسن منصور لشخصية سمير أبو المجد كان حمادة تاني خالص.
ورأيي أن نجاح المسلسل اعتمد في الأساس على المباراة الرائعة التي جرت بين صابر المداح وسمير أبو المجد.
يدهشك محسن منصور حين يقول بصمته في المشاهد التي يؤدي فيها دور الوسيط بين علية القوم والمداح ما يفوق كل جمل الحوار الطويلة.
الكاميرا تحب تعابير وجه محسن منصور الذي يستطيع التمثيل بقفاه إذا أعطي الكاميرا ظهره ، وعين المشاهد تبحث عنه وإن لم ينطق بكلمة لدرجة تجعلك تشفق على جهازه العصبي.
أتقن محسن منصور أداء شخصية سمير أبو المجد لدرجة تخطت حدود دوره إلى مستوى فهمه العميق للآفاق التي يتطلع إليها العمل ككل، فاختار طبقة صوت عميقة تُشعرك أنها قادمة من عالم الغيب الغامض، واختار نظرة عين نافذة قادرة على اختراق من أمامه، واستخدم نبرة ود مصطنعة تناسب حيل الغواية.
اللافت أن التفاوت الكبير في مستوى الأداء بين الممثلين أعطى المسلسل ثراءً عجيباً وكأنه فيض من بركة حلت بالعمل.
خلاصة الكلام : اتفقت أو اختلفت مع مسلسل المداح ستظل مأخوذا به ومستمتعا بمشاهدته ولن تتوقف عن متابعته إلى أن تصل إلى آخر مشهد في حلقته الثلاثين.