خطة مصر لزيادة التصنيع المحلي وتقييد استيراد السلع الاستفزازية
د سامح توفيق
وضعت مصر ملف زيادة العوائد الدولارية على رأس أولوياتها خلال الآونة الأخيرة، وذلك حتى تضمن الحفاظ على استقرار أسعار الصرف وزيادة قوة الجنيه، وهو ما يتوزاى مع استراتيجية تقليل فاتورة الواردات التي تستحوذ على حصة كبيرة من الحصيلة الدولارية المتاحة، الأمر الذي ظهر بقوة في التوجيهات الجديدة من البنك المركزي المصري للبنوك العاملة في القطاع المصرفي، بعدم توفير العملة الأجنبية لتمويل السلع الترفيهية إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة منه.
وكشفت مصر عن تحركها بقوة نحو تعميق التصنيع المحلي وإحلال المنتجات المصرية بدلا من المستوردة، بما يرفع من الناتج المحلي من جانب، ويزيد الصادرات ويقلص فاتورة الاستيراد من جانب آخر، وخاصة فيما يتعلق بالسلع الترفيهية، أو ما يعرف بالسلع الاستفزازية، وهو ما أشار إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية خلال افتتاح محطة قطارات صعيد مصر في بشتيل أمس، إذ أكد أنه إذا أردنا تجاوز تحدي الدولار يجب تصنيع نسبة كبيرة من المنتجات محليا وهذا أمر ليس سهلا، مشيرا إلى أن عدد من السلع والمنتجات غير الضرورية التي يتم استيرادها من الخارج تمثل فرصًا واعدة لرجال الأعمال لتوطين هذه الصناعات في مصر.
تصريحات الرئيس السيسي فتحت الباب بقوة أمام التساؤل حول مدى الأهمية حاليا، هل هو تمويل استيراد السلع الترفيهية أم تمويل مصانع لإنتاج البديل؟
وهو ما طرحناه على الخبراء للتعرف على رؤيتهم للإجراءات والسياسات التي سيتم اتباعها خلال الفترة المقبلة، بالتزامن مع تحركات البنك المركزي المصري، وتوجيهات الرئيس السيسي للوصول إلى أهداف الدولة الرامية إلى وضع مصر بقوة على الخريطة الصناعية ورفع قيمة الجنيه أمام الدولار.
وقال الرئيس السيسي: “لما بنتكلم على 9 مليارات دولار تكلفة استيراد الموبايل، غير تكلفة استيراد الأدوية، في أدوية ممكن منقدرش نوفرها في مصر، لكن يا ترى كل الأدوية اللي بنستوردها منقدرش نصنعها في مصر”، والناس بدل ما تجيب الكلام ده وتعمله في مصر وتدخل في متاهات مع أرض وتمويل ونقل تكنولوجيا من برا عشان يطلع المنتج، يقولك أشتريها أسهل، الدولة محاولتش تشتغل بجدية وصلابة وصرامة”.
الدكتور على الادريسي، الخبير الاقتصادي أكد أن ما شهدته مصر خلال العامين 2022 و2023 من خروج الكثير من الأموال الساخنة بسبب التوترات العالمية مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية، أدى إلى وضع البنك المركزي المصري سياسات جدية للحفاظ على الحصيلة الدولارية وتوجيهها إلى السلع الاستراتيجية الأساسية، إذ صدر قرار في العام 2022 بوضع قيود على استيراد 13 سلعة رفاهية، ومن ثم بعد زيادة الحصيلة الدولارية عقب توقيع صفقة رأس الحكمة بدأت الحكومة في حصر كل الطلبات المعلقة للسلع المحظور وسمح بتدبير العملة لها حتى لا يتضرر التجار.
وأضاف أن التوجيه الأخير الصادر عن البنك المركزي المصري لا يمثل ضرر على التجار أو السوق، بل إنه سيتم تحديد احتياجات الأسواق من هذه السلع والسماح بتوفير السيولة لها بموافقة من البنك المركزي، وهو ما سيقرره بحسب الحصيلة المتاحة لديه.
وتابع، أنه من المتوقع أن يتم السماح باستيراد السيارات وبعض الأجهزة الكهربائية، والملابس، ثم سيتم العمل تدريجيا على خفض معدلاتها، بالتوازي مع توفير منتجات بديلة محلية، لافتا إلى أن ملف تصنيع السيارات محليا هو الخطوة الأكثر قوة والتي سيكون لها أثرا كبيرا على سعر الجنيه أمام الدولار في السنوات المقبلة.
ومن جانبه أكد الدكتور أحمد شوقي الخبير المصرفي، أن الأولوية حاليا في مصر هو توطين التصنيع وزيادة الاعتماد على المنتجات المحلية، وهو ما سيصب في صالح الناتج القومي وإقامة العديد من المصانع وتوفير ملايين فرص العمل، مع جذب كبرى الشركات الأجنبية للعمل في مصر والاستفادة من موقع مصر في فتح باب التصدير لتلك الشركات إلى السوق الإفريقية.
وتابع أن القرار الصادر عن البنك المركزي المصري بحظر استيراد السلع الترفيهية إلا بموافقة منه، يأتي نظرا لزيادة الطلب على الدولار وهو ما تزامن مع زيادة حدود الائتمان على البطاقات وسداد الحكومة 23.8 مليار دولار من أعباء خدمة الدين الخارجي من الفوائد والأقساط خلال 9 شهور في الفترة من يوليو 2023 حتى مارس 2024، الأمر الذي قد يزيد الضغط على الدولار، مما دفع البنك المركزي لتلك القرارات لمنع ارتفاع أسعار العملات أمام الجنيه، أو فتح باب جديد لعودة السوق الموازية التي تم القضاء عليها.