مقالات وأراء

د “ريهام مصطفى” تكتب: مصرالعلا وضميرالعالم ..

المصريون هزموا الهكسوس وأعادوا الأمن والسيادة والاستقرار للمنطقة ..

تمرالقضية الفلسطينية بمرحلة من أشد مراحلها خطورة. فالشعب الفلسطيني يتعرض لممارسات وحشية وعمليات إبادة لما يقرب من عشرين شهراَ، في تحد صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية. إضافة لاتساع رقعة الحرب لتمتد للبنان وسوريا والسودان وليبيا واليمن والصومال والبحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي في محاولة لتغيير خريطة المنطقة، مما يتطلب من الجميع إحكام العقل والعمل معا والتنسيق المستمر للتوصل لحلول وخطوات سياسية ودبلوماسية تجنب المنطقة الانزلاق إلى حرب شاملة.

د ريهام مصطفي: السيسي يملك رؤية ومشروع تنموي متكامل ..

إلا أنه جاءت قمة بغداد بعد شهرين من قمة القاهرة الاستثنائية بحضور عربي ضعيف، فقد غاب عن هذه القمة معظم أعضاء الجامعة العربية باستثناء مصر وفلسطين واليمن والصومال وموريتانيا وجزر القمر, بالرغم من الحضور الدولي الجيد من قبل أمين عام الأمم المتحدة ورئيس وزراء إسبانيا، وأمين عام منظمة التعاون الإسلامي ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي والمبعوث الخاص للإتحاد الأوروبي. كانت كلمة مصركلمة تاريخية كاشفة تسجل جرائم الإحتلال، وتضع المجتمع الدولي أمام مسئولياته. كما تؤكد الموقف المصري الثابت الداعم للقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية. فقال الرئيس السيسى: «حتى لو نجحت إسرائيل، فى إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية، فإن السلام الدائم والعادل والشامل فى الشرق الأوسط، سيظل بعيد المنال، ما لم تقم الدولة الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية». فكانت الكلمة معبرة عن موقف المصريين ورؤيتهم، وعن صوت الضمير العربي والضمير الإنساني، وهذا ليس جديدا على مصر. فهذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها منطقتنا مثل هذا النوع من التهديدات والأخطارالتي تكاد تعصف بها. فتمتلك منطقة الشرق الأوسط العديد من المقومات والثروات التي جعلتها مطمعا للقوى الكبرى، بداية من موقعها الاستراتيجي فـي القلب من العالم، وتحكمها فـي أهم ممرات الملاحة الدولية، حيث تمتلك أهم المعابر البحرية؛ كقناة السويس ومضيق باب المندب. بالإضافة إلى ثرائها الديني، فهي أرض الرسالات السماوية. وهي أيضا مهد الحضارة الإنسانية؛ الحضارة الفرعونية والفينيقية والبابلية والسومرية والإسلامية . فضلا عما تمتلكه المنطقة من مصادر للطاقة، بداية من الاكتشافات البترولية فـي القرن الماضي، وصولا لإكتشافات الغاز الطبيعي الأخيرة، وما تمتلكه من ثروات طبيعية، وثروات معدنية هائلة كالفوسفات والحديد والذهب والزئبق والبوتاسيوم، إضافة إلى الثروة الحيوانية والسمكية والأراضي الزراعية. فعلى مدار تاريخها الممتد لآلاف السنين تعرضت مصر والمنطقة لهجمات مشابهة.مع الأخذ في الاعتبار تطور أساليب الحرب وأدواتها. فمن قديم العهد، عندما قام الهكسوس بغزو بلاد الشام ودخول مصر من سيناء، بوابة مصر الشرقية. طارد أحمس الأول الهكسوس حتى طردهم من وادي النيل، وحرر مصر وحقق استقلالها. فالمصريون هم من تمكنوا من هزيمة الهكسوس والقضاء عليهم، وأعادوا الأمن والسيادة والاستقرار للمنطقة، مرورا بانتصار تحتمس الثالث أعظم القادة العسكريين في تاريخ مصر، على القادشيين في «معركة مجدو» والذي أعاد هيبة مصر في فلسطين، واستطاع أن يسترجع شمالها الذي كان قد خرج عن النفوذ المصري في هذا الوقت. ثم انتصار رمسيس الثاني في «معركة قادش» شمالاً في سوريا، والذي تمكن أيضاً من القضاء على الاضطرابات جنوباً في النوبة في نفس الوقت، واستعاد السيادة والاستقرار للمنطقة. فأمن المنطقة ومحيط مصر الإقليمي هو جزء لا يتجزأ من أمن مصر.

ومصر هي «فجر الضمير»؛ فكما أن للكون قوانين إلهية تحكمه وتنظمه وتمنع سقوطه فى هاوية الفوضى، فللإنسان أيضا قوانين تحكم سلوكه وتنظمه وهو ما عرف عند قدماء المصريين بقوانين الماعت الـ 42. وقد وجدت قوانين الماعت مدونة فى كتاب الخروج الى النهار الذى سبق ظهور الوصايا العشر بنحو 2000 عام. قوانين الماعت لم تكن قواعد أخلاقية وانما كانت جوهر الفضيلة التى أودعها الله داخل الإنسان وهى موجودة منذ بداية الخلق. وتنتقل من جيل الى آخر وكل ما يحتاجه الانسان هو استدعاء واستحضار الفضيلة من داخله، و هو ما يعرف بمصطلح «إيقاظ الضمير» .فلا يحتاج الانسان الى قواعد أخلاقيه تفرض عليه من الخارج، لأن بداخله الضمير وهو جوهر الفضيلة وماعلي الإنسان سوى تفعيل الضمير، ولهذا أصبح المصريون «أمة فجر الضمير الإنساني».

فمن يقرأ كتاب التاريخ جيداً سيتأكد أن مصرهي القادرة دائماَ على التصدي للغزاة والمعتدين والحفاظ على وحدة وتماسك أراضيها والحيلولة دون تشرذمها وتفتتها، وهي القادرة أيضا على إزالة آثار العدوان، وطرد المعتدي الغاصب، واسترداد السيادة الكاملة على الأرض.ولهذا كتب الشاعر اللبناني شكري نصر الله قصيدة بعنوان «مصر العلا»، لحنها وغناها المطرب اللبناني وديع الصافي. تقول القصيدة «إذا مصر قالت نعم أيدوها، وإن أعلنت لاءها فاتبعوها، فمصر منزهة فى الأرب، ومصر العلا وضمير العرب».

فالآن والعالم يمر بمرحلة شديدة التعقيد بالغة الدقة، وفي القلب منه منطقتنا، التي تمر بمنعطف شديد الخطورة، والذي يعد الأخطر في تاريخها الحديث؛ فهي تخوض «حرب وجود». على الأشقاء العرب قراءة تاريخ المنطقة جيدا، والسير في ركاب مصر والاهتداء برؤيتها، خاصة وقت المحن والتهديدات، لتفردها وحدها بالخبرات المتراكمة التي تمتد لآلاف السنين، والتي تمكنت فيها من سحق المعتدين على مر العصور. ربما يكون هذا هو النداء الأخير، لضمان السلامة للجميع. وأخيراَ أختم كلماتي بدعاء الشاعر اللبناني لمصر «حمى الله نيلهـا من كل عاد، وجنب شعبهـا غزو الطغاة، فيا رب بـارك بمصـر الحبيبة وكـن معهـا فى الليالـى العصيبـة».

 * أستاذ الاستراتيجية والسياسات العامة جامعة حلوان ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights