تخيلت نفسي في آلة الزمن أمام مجموعة من الأزرار ؛ كل زر يمثل حقبة زمنية ستتولى الآلة نقلي إليها .
وإذ بي أضغط على زر نقلني إلى العصور القديمة لأجد نفسي أقف أمام المنطقة الجنوبية الشرقية لهضبة الجيزة، حيث أنه مكان إقامة العمال المشاركين في بناء هرم الملك المصري خوفو وهو عبارة عن منازل ومخازن وثلاثة شوارع رئيسية ومبنى إداري ملكي داخل أسوار تلك المدينة، وكذلك أربعة صالات ضخمة تمثل الثكنات التي كان ينام فيها عمال بناة الأهرامات ويعدون بها طعامهم. وشاهدت كمية هائلة من الأطعمة والسمك والطيور والأبقار والأغنام والماعز مما يدل على تكفل الدولة برعاية العمال لضمان الحصول على أفضل مقابل في كفاءة العمل ؛ كما شاهدت الأطباء يقدمون الرعاية الطبية لبعض المرضى وبجوارهم بعض المرضى الذين تماثلوا للشفاء مما يؤكد وجود رعاية طبية بجانب التغذية يلقاها العمال .
مشاهد عظيمة بعثت في نفسي الفخر بمصرنا الحبيبة؛ ووسط انبهاراتي أخذت شهيق عميق وأغمضت عيني لدقائق معدودة لأجد نفسي فزعا بين العتم ، بعكس ما كان في قديم الزمان. وبعد العتم بقليل تعلو أصوات وأضواء مفرقعات، لا أستطيع تحديد موقعها أو أسبابها. ولا أعرف أين أنا حتى لاح لي مكان للاختباء وجدت فيه مجموعة من إخواني السودانيين فعرفت أنني بين مطرقة الحرب الأهلية وسندان الخراب والدمار في السودان الشقيقة .
وعلى الفور أغمضت عيني ورجعت لآلة الزمن وبسرعة ضغطت على زر آخر نقلني للعصور الوسطى لأجد نفسي في أحد القصور المملوكية، قصر رائع بفناء كبير في الوسط تتـوزع حوله مـن الجهات الأربع مباني الـقـصـر الرئيسية والفرعية، وأهمها جناح الحرملك والمقعد ” السلاملك” أي المبنى الرئيسي المخصص للاستقبال، والتوابع والإسطبل. وهو ينقسم لناحية قبلية وأخرى بحرية. في الجهة القبلية، يقع الإسطبل والقاعة الملحقة به وحواصل ومخازن وأحواض الدواب والسكن الشتوي الذي يعلو المدخل الرئيسي، أما الناحية البحرية، فهي الناحية السكنية حيث الحرملك الخاص بسكن السيدات ويجاوره السلاملك الخاص بالرجال ومبنى الاستقبال.
والقاعة العلوية للحرملك تنقسم لثلاثة أجزاء، الإيوان الرئيسي وإيوان مقابل فرعي صغير ويتوسطهم النافورة وعلى جانبي الإيوان الرئيسي توجد حجرتين، إحداهما زخرف سقفها بشكل الكأس وهو رمز وظيفة الساقي ويقابل هذه القاعة حجرة شتوية بها مدفأة، وملحق بالحرملك حمامات علوية تتكون من ثلاث حجرات، حجرة باردة ثم دافئة ثم ساخنة بها المغطس، والتغطيات جميعها بزجاج ملون والذي كان يؤدي وظيفتين واحدة معمارية وهي الإضاءة من خلال أشعة الشمس والأخرى زخرفية بالألوان المختلفة الأحمر والأخضر .
إنه قصر الأمير المملوكي الأمير سيف الدين عبد الله طاز بن قطغاج، أحد أمراء السلطان الناصر محمد بن قلاوون وساقيه وزوج ابنته .
ووسط هذه المناظر الغناء غلبني النوم في حديقة القصر لأستيقظ على صوت الرصاص الثقيل، ثم المدافع، وبعدها يطل مشهد جثث ملقاة على الأرض ونساء وأطفال وحطام أكواخ وإذ بي أجد نفسي في مخيمات النازحين السوريين التي تضم ما بين 1.5 مليون و2.5 مليون على أرض الشقيقة لبنان، التي ليست أحسن حالا من سوريا وتذكرت في الحال مايحدث في العراقواليمن وليبيا وفلسطين.
فقررت العودة إلى بلدي مصر أردد عبارات الحمد والثناء لله أنه حفظ مصر وأهلها بإرادة جيشها وشعبها ورئيسها فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي.