روماني حافظ “الروح بالنور”
أحمد إبراهيم أبو صالح
الوصول لحالة من الإبداع الفني الحقيقي أصبح الآن حدثا نادراً؛ ليس فقط لإنشغال الإنسان بالكثير والكثير من تفصيلات الحياة المعقدة ، ولكن لأن الوصول بالذهن الإنساني لعملية من عمليات الصفاء والتأمل الحقيقي أضحي من الصعوبة البالغة لأسباب كثيرة ومتنوعة أبسطها الخوف من المستقبل والحيرة فيما هو حادث ويدور حولنا الآن .
ولكن في معرض الفنان الفوتوغرافي “روماني حافظ ” والذي أسماه ” أن تكون حاضراً – TO BE PRESENT” والمقام بقاعة جاليري ” بياكسو ” بحي الزمالك ، ستختلف النظرة تماما وستجد نفسك في حالة من حالات العصف الذهني التي تدفع بك مُلحة لعوالم التأمل والهروب من شرنقات الآني المضطرب الحائر والعودة لهدوء النفس وسكينة الروح .
فإن كان فن الفوتوغرافيا هو فن الرسم بالنور وتشكيل العوالم المختلفة به ، وهذا بالطبع ما يحتاج لحساسية ودقة شديدة في إلتقاط الكادر وأيضا لبراعة وذكاء عالي ومعرفة عميقة بمتي تكون لحظة الالتقاط وزاويتها .
فمن النظرة الأولي لأعمال للفنان الفوتوغرافي “روماني حافظ ” ستكتشف أنه شخصية تتمتع بالانضباط والدقة وأيضا بالحساسية الفائقة والإفراط في التأمل الفكري الفني ؛ وهذا ما يظهر جلياً من احتفاظ كادراته بالعديد من التفصيل المجردة البعيدة عن التحديد والتشخيص , والتمسك بكل ما هو تجريدي كتكنيك لأغلب الصور أو بالأصح اللوحات الفنية المعروضة علي جدران معرضه أو بالأدق معبده .
فعملية دمج الواقعي بالرمزي بالسريالي خلقت عالماً فنياً وبصرياً موازيا للعالم الحي الحقيقي – عالماً تحتاج لأن تعيشه بدقه وأن تتنفسه وتتأمله – وإن كانت هدف الصورة الفوتوغرافية هو التوثيق وإن كان انشغال الفنان ” روماني حافظ ” بالحفاظ علي كل ما هو إنساني وأصيل ، فلقد تحقق الهدف ، فمثلا بإحدي الكادرات التي التقطها “روماني” بإحدي القري المصرية والتي ظهر فيها تغول الكتل الأسمنتية والبناء الحديث علي أغلب الرقعة الزراعية؛ ستجد أنه اختار لنفسة زاوية التقاط وتكوين للكادر يؤكد بأن السيطرة لازالت للأخضر وأن الأمل والخير قادم علي الرغم من كل الظروف .
ليست هذه فقط هي اللوحة التي جذبت انتباهي بهذا المعرض ولكنها الأبسط والأيسر شرحا والتي تعبر عن روح وفكر الفنان الذي إستخدم تكنيكاً معقداً يحتاج لفوتوغرافر ماهر متقنا لصنعة النور عالما بمعني التعريض التراكمي المتكرر والممتد .
لم تقتصر عمليات التشكيل الضوئي بكل ما هي حسي محسوس الوجود ظاهر بالكادر ، بل إن أغلب اللوحات الفوتوغرافية الموجودة بالمعرض عمدت إلي تسجيل لحظات وجود الإنسان والحفاظ علي الذاكرة البصرية للمكان من خلال الظلال وإنعكاسات خطوط النور المختلفة فرؤيتك لأيّ من اللوحات السابقة الذكر ستشعر بوجود الإنسان بهذه الكادر في لحظة معينة وإن كانت غير معلومة بدقة ولكنك ستشعر وتتأكد بأن إنساناً ما كان حاضرا ويعيش هنا .
إن الهيئة البصرية التي عمد لتكوينها ونسج تفاصيلها الفنان “روماني حافظ” والتي من الممكن أن تبدو لك بأنها سهلة يسيرة الصنع إلا أنها في حقيقتها عملية فنية معقدة وحساسة جدا تحتاج لفنان عميق الجذور دارس بعمق وعالم حقيقي بتفاصيل عالم الرسم والتكوين بالنور .
إن أيا من لوحات معرض ” أن تكون حاضراً – TO BE PRESENT” تؤكد أننا أمام واحداً من نحاتينا الكبار الذين خلدوا الطابع والروح المصرية بمنحوتاتهم الشامخة ، وإن كانت أدوات فنانّا هذه المرة هي العدسة والنور .
وإحقاقا للحق فإن الفنان “روماني حافظ” هو نحات النور لهذا العصر فلقد استطاع رسم تفاصيل الروح وتجسيد أغلب حالتها بالنور ودون تعقيد فني، بل لقد قدم فنه بلغة سهلة بعيدة عن التعقيد وإن كانت بحاجة لساعات وساعات من التأمل العميق .