“سوزان عبد الله” تكتب: نقد المجتمع الاستهلاكي
النِّزعة الاستهلاكية
عوامل ظهورها – نقد المجتمع الاستهلاكي
” جان بودريار نموذجاً “
يعيش الإنسان في العالم المعاصر ضمن مجتمع تتخلله النزعة الاستهلاكية، وهي من أهم مفرزات مابعد الحداثة، إذ تنحصر أهداف الإنسان في امتلاك السلع الاستهلاكية الثانوية، بغرض مجرد اقتنائها أو العرض التقليدي، مما يوقعه فريسة التسوق، بحيث تشجع المؤسسات هذه النزعة وتساعد في انتشارها، الأمر الذي يجعل هذه النزعة الاستهلاكية من أبرز ملامح الحضارة المعاصِرة، ومن أهم التغييرات التي تواجِه الإنسان المعاصِر، فظهور أنواع جديدة من الحاجات ومن الرغبة في التسوق والإعلان، وتبدُّل التوقعات الشرائية وسلوك المستهلِك، قد أحدث حالات جديدة ومتنوعة من السلوكيات ومن تغيُّر القيم، مما يسبب له نوعاً من خيبات الأمل في حياة تخضع لهذه النزعة.
على الرغم من جِدّة ظهور النزعة الاستهلاكية في العصر الحديث، إلا أنه من الممكن ملاحظة آثارها منذ القرن الثامن عشر، فهي تتمثل في الانتشار الواسع للمحلات و وجود طرق جديدة للتسوق، بحيث أدرك أصحاب تلك المحلات ومنتجو السلع الاستهلاكية أن الرغبات والحاجات غير ثابتة، إنما لها قابلية كبيرة للتوسع و التجديد. فبدأ أصحاب المتاجر بنزع كل العوائق أمامهم بهدف إغراء الزبائن، كتغيير شكل واجهات المحلات و تزيين السلع، وإبراز الجانب الجمالي في المواد رخيصة الثمن، بهدف جذب الانتباه والإغراء بشرائها، مستخدمين لأجل ذلك كل الوسائل الممكنة، كاستخدام الصحف و الإعلانات والملصقات التجارية، كما تتميز هذه الموجة الاستهلاكية بتقليد الطبقات الأدنى والمتوسطة للطبقات العليا، بقيام المصممين بتقليد وسائل ومنتجات الرفاهية التي كانت تقدَّم للطبقات الأرستقراطية ولكن بنماذج أرخص. ولعل أبرز أسباب ظهور هذه النزعة هو الرخاء الاقتصادي واكتساب الأموال الجديدة والجذابة وطرق التسوق، وغيرها.
وهذا ما بحثه جان بودريار وأفرد له كتاباً خاصاً هو “المجتمع الاستهلاكي”. فيصف هذا العالم المعاصر بأنه عصر الأغراض. ويقصد بذلك أننا نعيش في ظل عالم استهلاكي، يستخدم الحاجات الثانوية الكمالية، ويُحوّل كل شيء، وكل قيمة إلى سلعة قابلة للتداول.
وقد استمر تعاظم النزعة الاستهلاكية في العالم المعاصر،
مع تطور التقنيات وانتشار وسائل الإعلام، وظهور أدوات
ووسائل جديدة للاستهلاك، ومن أبرز هذه الأدوات الجديدة “التلفاز” وإعلاناته المؤثرة في تحريض المطالب الاستهلاكية لدى الجماهير، ولاسيما عند الأطفال، إضافةً إلى التطور الهائل في عملية البيع والشراء الذي ساعدت عليه التقنيات المتطورة، لاسيما انتشار الانترنت الذي يفسح المجال أمام التسويق الأوسع، والانتشار الهائل في الإعلان عن السلع الجديدة على أوسع مجال.
فكثرة المنتجات وتنوعها، أثّر في تحديث آليات وتقنيات
البيع بما يناسب هذا التطور الهائل في حركة البيع و الشراء والاستهلاك، والذي يوقظ حاجات جديدة لدى الجمهور تتناسب مع السلع المعروضة، وبذلك يتضخم الاستهلاك وتندفع عجلته دون توقف. كل هذا يؤثر في تغيير المفاهيم و العادات، وتحريض الناس على الاستهلاك والإنفاق أكثر، وشراء سلع مختلفة ولو بالتقسيط لا بهدف سدّ حاجاتهم الأساسية، بل بغرض إشباع رغباتهم في التملك، وتحولهم إلى أفراد مستهلكين. وحول هذا يقول بودريار : “إن الاستهلاك لا يفكك الوقاحة الاجتماعية، من خلال إغراق الأفراد في الرفاه والمكانة المرموقة. بل على العكس من خلال ترويضهم على نظام قاعدة اللاوعي، ومن خلال التعاون التنافسي على هذه القاعدة”.
وهنا يتضح نقد بودريار للمجتمع الاستهلاكي الذي يقصِر حياة الفرد بالمظاهر السطحية والزائفة، والتي لا تدوم إلا لفترة قصيرة جداً، وتوهِم الفرد أنه قادر على امتلاك كل شيء ويصل إلى الرفاهية والرقي، لكنها في الحقيقة لاتزيده إلا بؤساً، لأنه لن يتمكن من الحصول على كل تلك السلع. وهذا إنما يمثِّل ضغطاً عنيفاً على الفرد في دفعه قسراً لمواكبة واقتناء هذا الإنتاج السِلَعي المتسارع.
وبذلك يتميز المجتمع الاستهلاكي بالسطحية واهتمامه باقتناء كل ماهو كمالي وثانوي وزائد عن الحاجة، وترويج هذه السلع عبر وسائل الإعلام المختلفة وتقديمها بصور جذابة، بهدف إغراء المستهلك، مايؤدي إلى الإسراف في اقتناء تلك البضائع، وتلك من أبرز سلبيات هذه النزعة الاستهلاكية بنظر جان بودريار.
• سوزان عبد الله إدريس. باحثة وكاتبة مقال