أخبار عربية ودولية
“طلائع طوفان الأقصى” في لبنان
في خضم استمرار الاشتباكات بين إسرائيل و”حزب الله” اللبناني، شكل إعلان حركة “حماس” تأسيس “طلائع طوفان الأقصى” في لبنان لخدمة فلسطين، منعطفًا كبيرًا على الرغم من تراجع الحركة عن ربط هذه المجموعة بما يحدث في غزة.
وقالت “حماس” إن أسباب إطلاق هذا المشروع في لبنان هو منع الشباب من الانجذاب إلى الظواهر المجتمعية الخطيرة والانجرار للاستخدام في مشاريع معادية ومضرة، وربطهم بالقضية الفلسطينية والعمل من أجلها والدفاع عنها.
وأوضحت أن البرنامج لا يرتبط بتوجهات استراتيجية لها علاقة بالرجوع إلى الوراء نحو التجربة الفلسطينية السابقة، كما يمكن أن يتوهم البعض، مؤكدة على احترام سيادة لبنان، والالتزام بقوانينه، والحرص على أمنه واستقراره، وعدم التدخل بشؤونهم الداخلية، وفقا لصحيفة “الشرق الأوسط”.
ولاقى إعلان التأسيس رفضًا لبنانيًا كبيرًا، وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إن هذا الأمر مرفوض نهائياً ولن نقبل به، فيما اعتبر رئيس “التيار الوطني الحر”، جبران باسيل، أن أي عمل مسلح انطلاقا من الأراضي اللبنانية هو اعتداء على السيادة الوطنية.
ورغم التراجع النسبي لـ”حماس” عن أهداف التأسيس، طرح البعض تساؤلات بشأن الأسباب وسر التوقيت وراء الإعلان، وهل يمكن أن يجر الجنوب اللبناني وتحديدًا “حزب الله” لمزيد من المواجهات مع إسرائيل.
رفض لبناني
اعتبر داوود رمال، المحلل السياسي اللبناني، أن “حماس تستعجل تثبيت وقائع على الأرض اللبنانية لا يمكن لها تثبيتها لعدة اعتبارات أبرزها أن تجربة ما قبل الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982 لن تتكرر، هناك إجماع لبناني على رفض أي عمل مسلح لأي فصيل غير لبناني، حتى العمليات التي تقوم بها حماس، إطلاق الصواريخ من الجنوب باتجاه فلسطين المحتلة تلقى رفضًا جماعيًا لبنانيًا”.
وإن “مسارعة حماس للإعلان عن تشكيل طلائع طوفان الأقصى، واعتبار أن ساحتها هي ساحة لبنان، تندرج عمليًا في إطار المخطط الحمساوي للإمساك بالمخيمات الفلسطينية في لبنان”.
وأضاف رمال: “هناك 12 مخيمًا فلسطينيًا في لبنان وتحديدًا عين الحلوة الذي يعتبر عاصمة الشتات كبديل عن ضعف نفوذ الحركة المرتقب في قطاع غزة، حتى في الضفة الغربية نتيجة ما يحدث الآن، باعتبار أنها سلمت قرار التفاوض للحل لدول تتبع لها، وتتلقى الدعم المالي منها، تحديدًا قطر وتركيا”.
وتابع: “لبنان لن يكون ساحة مستباحة لأي فصيل فلسطيني، وتحديدًا للفصائل مثل حماس؛ فالواقع اللبناني لا يحتمل هذا الأمر على الإطلاق، المسألة ليست انقسامًا، بل إجماعًا لبنانيًا على رفض استباحة الساحة اللبنانية، لبنان بمقاومته قادر على مقاومة المحتل الإسرائيلي فيما يخص النوايا العدوانية الإسرائيلية، إذا وجدت حماس حاجة لنصرة المقاومة في غزة فلتذهب إلى غزة وتقاوم هناك”.
وفيما يتعلق بإمكانية أن تدفع هذه الخطوة بمواجهة بين لبنان وإسرائيل، قال إن “إسرائيل ليست بحاجة لذريعة من أجل الاعتداء على لبنان، وهي تعتدي باستمرار منذ صدور القرار 1701 في العام 2006 على لبنان من خلال عشرات الآلاف من الخروقات البرية والبحرية والجوية، واستخدام الأجواء اللبنانية للعدوان على سوريا”.
ويرى رمال أن إسرائيل “ليست بحاجة إلى ذريعة وبالتالي المنطلق اللبناني في مقاربة مسألة محاولة حماس أن تنفلج عسكريًا في لبنان، كما انفلجت سياسيا وإعلاميًا، هو محل رفض لبناني، الإجماع اللبناني على هذه المسألة ليس له علاقة بالخشية الإسرائيلية من تعرض لبنان لاعتداءات، إنما له علاقة بتجارب سابقة كان لها انعكاسات مدمرة على لبنان ما زلنا ندفع أثمانها حتى الآن”.
فراغ أمني وسياسي
بدوره، قال العميد خالد حمادة، الخبير العسكري اللبناني، ومدير “المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات”، إن بيان حركة حماس في لبنان حول تشكيل “طلائع طوفان الأقصى”، أحدث “نوعا من الصدمة الإضافية”، مع المشهد المتدهور في الجنوب اللبناني على المستوى الأمني “حيث كان له وقع كبير كمؤشر على تدهور الوضع أكثر فأكثر، وعلى استخدام لبنان كمنصة للاشتباك مع إسرائيل من قبل تنظيم غير لبناني ولم يكن أساسا موجودًا في لبنان”.
ولا شك أن “اللبنانيين مقتنعون أن البيان موقع من حزب الله وبموافقة إيرانية، فليس هناك لأي فريق موجود على الساحة اللبنانية بشكل علني، أو أي ساحة عربية، أن يتدخل في الجنوب اللبناني دون إرادة حزب الله وموافقة طهران”.
ويرى أنه يمكن قراءة البيان وكأنه “نوع من جس النبض لمدى تحمل الساحة والبيئة السياسية اللبنانية والتنوعات لمثل هذا المتغير أن يدخل كعامل إضافي على هذه الفوضى السياسية والمليشياوية الموجدة في لبنان، وربما الموضوع قابل للتطور إذا تدهور الأمر أكثر في الجنوب اللبناني، ويمكن في هذه الحالة أن تستخدمه طهران للقول إن ما يجري على الساحة اللبنانية ليس من قبل حزب الله المحسوب عليها، وإنما هناك فصائل أخرى كحركة حماس السنية، ولا تتحمل طهران وحزب الله تبعات هذا النشاط”.
وأوضح حمادة أن “ردة الفعل اللبنانية ربما أسهم لحد ما في لجم هذا الموضوع، وقامت حماس بالقول إن البيان كان نوعا من رفع المعنويات لدى الشباب الفلسطيني، ومحاولة شحذ الهمم لمناصرة غزة، لكن مضمون البيان يوحي بأكثر من ذلك، هو دعوة صريحة للمشاركة في القتال، عبر المطالبة بتحرير القدس والمسجد الأقصى”.
ويعتقد أن “اشتباكات حزب الله في الجنوب والعامل الإضافي الذي طرأ في بيان حماس، ليس سوى نتاج لكل هذا الغياب الرسمي للبناني عما يجري في الجنوب (..) لم يتم أي اجتماع في الحكومة حتى الآن، لمناقشة ما يجري في غزة وتداعياته على لبنان، أو إجراءات اتخذها الجيش اللبناني لمواجهة الوضع المتفجر في الجنوب”.
وبيّن أن “هذا الفراغ السياسي والأمني والتخلي اللبناني عن أبسط واجبات لحماية البلاد، يتم ملؤه من قبل حزب الله أو هذه الأعراض التي يحاول حزب الله وطهران اختلاقها على الساحة اللبنانية لمزيد من إرسال الرسائل نحو الولايات المتحدة، أن لبنان ساقط بشكل كامل في يد إيران، وأن طهران جزء من هذا المشهد وإن كانت تدعي أنها خارج ما يجري في غزة والجنوب اللبناني”.
وفيما يتعلق بهذه الرسائل، أوضح أن “طهران تريد القول إنها موجودة في المشهد، ويجب أن تكون جزءًا من أي تسوية في المنطقة”، معتبرًا أن “البصمات والتوقيع الإيراني على البيان واضح للعيان سواء اعترف حزب الله عن صلته به أو لم يعترف، وهو مزيد من الرسائل وتثبيت نفوذ حزب الله في لبنان مكان الفراغ اللبناني الذي تمثله السلطة السياسية والأمنية في لبنان”.
وقالت حركة حماس في لبنان في بيان: “نعلن تأسيس طلائع طوفان الأقصى، وندعو الشعب الفلسطيني والشباب والرجال الأبطال إلى الانضمام إلى طلائع المقاومين، وأن يشاركوا في صناعة مستقبل شعبهم، في تحرير القدس والمسجد الأقصى المبارك”.