.. يعد الفنان عادل إمام حجر الزاوية وركنا ركيناً في صناعة الفن والترفيه المصري، فلأكثر من نصف قرن وهو أحد ألطف الظرفاء والمضحكين وأكثرهم مودة وحباً بقلوب الجماهير العربية والمصرية، ولقد استطاع إمام بفنه وفكره المتقدم الأصيل، أن ينتصر لمصالح وقضايا وطنه بشكل واضح صريح، ليس فقط علي مستوي المواقف والأراء الشخصية، ولكن أيضاً علي المستوي الدارمي، ففي خضم مشوار السلام المزعوم مع الكيان الصهيوني، بدأت الدولة المصرية بالسماح والإفراج عن بعض ملفات حرب الإرادة والعقول التي يخططها وينفذها رجال أشداء يعملون في الظل بعيداً عن الأضواء لحماية الوطن من عبث الجواسيس والكارهين، ليقدم الكاتب والسيناريست صالح مرسي واحدة من روائع العمل الدرامي والتلفزيوني ..
.. بداية ساخنة ..
ففي يوم صيف عام 1980 كان المتفرج المصري والعربي في موعد مع مسلسل تلفزيوني جديد من نوعه علي الشاشة الفضية، دراما تناقش وتطرح قضية وطنية تخص وجود الإنسان المصري وتضرب في صميم وقلب حياته ومستقبله، في ظل تهديد دائم من عدو صهيوني زُرع عنوة وفي غفلة من الزمن علي باب داره الشمالي الشرقي، وهو مسلسل “دموع في عيون وقحة” بطولة الفنان عادل إمام نجم الشباك الأول والأكثر تحقيقاً للإيرادات بالسينما والمسرح في دراما تلفزيونية تتناول قصة واحداً من أبطال الظل هو جمعة الشوان أو المواطن المصري البسيط أحمد محمد عبد الرحمن الهوان، الذي يعيش في ظروف من أقسي وأصعب ما يمكن أن يمر به إنسان، فهو متزوج من إبنة خالته المصابة بفقد البصر، ويعيش وسط أسرة يعد هو عائلها الوحيد بعد أن رحل عنها والده، كما أن له أخ طائش متمرد يهوي مصاحبة الأشرار والقرب منهم، وفوق كل هذا هو أحد المهجرين من مدن القناة التي ضربها العدو الصهيوني مع حرب السادس من يونيو 1967 .. ظروفاً قاسية تصنع إنساناً مقهوراً مكسوراً لا بطلاً قومياً يضحي بنفسه من أجل الأخرين، ولكنها أصالة الإنسان المصري وقدرته الفريدة علي الفرز والإختيار ..
فالشوان يرفض التجسس لصالح جهاز الموساد المعادي لمصر ولكل الوطن العربي، بل يتفوق علي نفسه ويتحدي كل الظروف والضغوط التي وضعت لاختباره وقياس مدي فاعليته وقدرته علي تحقيق المهام، والتي كانت ذروتها العرض علي جهاز كشف الكذب، والذي يقوم بتشخيص حالة المُختبر فيزيولوجياً من خلال قياس إيقاع التنفس وعدد ضربات القلب وتأثير الأسئلة علي معدلات إرتفاع وإنخفاض ضغط الدم ومدي استجابة حدقات العين إنفعالاً بما يُطرح عليه من استجوابات، والذي يتمكن المواطن المصري البسيط أحمد الهوان من خداع هذا الجهاز المتقدم جداً علمياً، بل ويخدع جهاز الموساد بأكمله ويحصل علي أحد أعقد أجهزة الإرسال والإستقبال المتطورة التي كانت تستخدمها إسرائيل في التواصل مع عملائها وجواسيسها …
لتنتهي هذه المهمة المعقدة الشاقة بعد ست أعوام عاش فيها الهوان بين أحضان أفاعي العدو ومع ضباعه، وهذا العمل التلفزيوني الهام المكون من 15 حلقة برسالة أثيرة وهي ” من المخابرات المصرية إلى المخابرات الإسرائيلية: نشكركم على تعاونكم معنا طوال الست سنوات المثمرة، وقد توجتم هذا التعاون بإمدادنا بجهازكم الإنذارى الخطير مع رجلنا جمعة الشوان، نكرر الشكر إلى اللقاء فى عمليات أخرى ..!!! والتي لازال يرددها محبي ومتابعي هذه النوعية من أعمال البطولة والإثارة والتشويق ..
.. نقلة نوعية ..
وبهذا الشكل والنوعية يعد مسلسل “دموع في عيون وقحة” أول عمل درامي مخابراتي علي الشاشة الصغيرة، يقدمه النجم الجماهيري الأول بمصر والوطن العربي، والذي تدور أحداثه بعدة بلدان أوروبية كإنجلترا وفرنسا واليونان، ليرسخ صورة واحداً من أهم أجهزة ومؤسسات الدولة هو جهاز المخابرات المصرية، ليكون الطريق بعد هذا المسلسل وهذه البداية ممهداً سهلاً لكل ما يليه مع أعمال درامية مخابراتية، والذي قدمه المخرج يحي العلمي بحرفية وبقدر كبير من الدقة والمصداقية مما حقق له قبولاً جماهيرياً ونجاحاً مذهلاً ..
كما استطاع النجم عادل إمام أن يحقق لنفسه وفنه نقلة كبري ويقدم عملاً استثنائياً، فبعد أن كان يقدم أدوار كوميدية فقط، ينجح في اختبار فني صعب ويتفوق علي ذاته ويقدم دوراً جاداً معقداً يحتاج إلى مهارات تمثيلية خاصة، والذي ينجح فيه إمام نجاحًا مبهرًا ويثبت أنه ممثل كبير قادر على أداء أنماط وأنواع مختلفة من الشخصيات والأجناس الفنية، إضافة إلى قدرته على تلوين واحتواء أى شخصية، مهما كانت جادة، بخفة دمه وقبوله الاستثنائى وهو ما أهله فيما بعد للكثير من الأدوار الجادة وأفلام الحركة …
.. العميل المزدوج ..
تكمن أهمية وصعوبة مسلسل دموع في عيون وقحة، في أنه يقدم شخصية إنسانية عادية تعرضت لظرف استثنائي فريد، حيث اضطرته الظروف من أن يمارس نشاط التجسس لدولتين معاديتين هما مصر والكيان الصهيوني، لكنه إختار وانتصر لبلده ورفض التعاون مع المعتدي الصهيوني السارق للأراضي المصرية والعربية، مع أنه كان وقتها نظرياً وواقعياً هو الأقوي والأكثر تملكاً لمعايير القوة والعلم والتفوق، ولكن لحنكة ومهارة ضابط المخابرات المصرى المسئول عن تشغيله ومتابعته وتطويره “الريس زكريا” اللواء عبد السلام المحجوب محافظ الإسكندرية الأسبق، أو الفنان صلاح قابيل، والذي خدع ضابط الموساد أبو داود، شيمون بيريز، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أو الفنان مصطفى فهمى.
ولقد كانت لموسيقي العمل دوراً هاماً في تحقيق النجاح الجماهيري، فلقد استطاع الفنان عمار الشريعى أن يقدم موسيقي تصويرية مصاحبة للأحداث والبطل، تتميز بصدق التعبير عن المشاعر الوجدانية واللحظة الدرامية التي يعيشها ويمر بها الأبطال، مقدماً عدة مقطوعات موسيقية تتنوع ما بين الحماسى والمثير والتراجيدي والرومانسي الدافئ، مستخدماً الوتريات وآلات النفخ والإيقاعات الحماسية في نسيج موسيقي عبر باقتدار عن ملحمة بطولية نادراً ما تتكرر .