Site icon masr 306

“عبدالحليم قنديل” يكتب: إيران الأقوى بعد الحرب ..

عبد الحليم قنديل

   فى مقالنا الأخير المنشور هنا قبل أسبوع ، كان العنوان (لا تنتظروا نعى إيران) ، وكانت الحرب الأمريكية على إيران تصعد إلى ذروتها ..

وكان مضى أكثر من أسبوع قصف “إسرائيلى” متصل بمئات القاذفات الأمريكية ، وكنا بانتظار دور القاذفات الأمريكية الشبحية الأضخم من طراز “بى 2 ” ..

وأطلق الرئيس الأمريكى “دونالد ترامب” الهجوم الأكثر ترويعا فى التاريخ ، واستخدم أغلب مخزون أمريكا من أم القنابل “جى . بى . يو 57 ” ، سقطت 14 قنبلة منها على منشآت إيران النووية العلنية فى “نطنز” وأصفهان” و”فوردو” بالذات ..

أضيف إليها 30 صاروخ كرروز من نوع “توماهوك” أطلقت من البحر ، وفى الهجوم الأقسى تاريخيا ، شاركت سبع قاذفات “بى 2” ، ومعها حشد هائل من 125 طائرة حماية وطائرات تزود بالوقود فى الجو ، وبعد انجلاء غبار الهول الجحيمى ، بدا أن شيئا جوهريا لم يتغير ، لا فى إيران ولا فى منشآتها النووية ..

إقرأ أيضاً.. لا انتظروا النعي في إيران https://masr306.com/?p=77744 ..

فقد كانت إيران على علم بالضربة الأمريكية غير المسبوقة ، تماما كما كانت واشنطن على علم مسبق بالضربة الإيرانية الرمزية على “العديد” أكبر قواعد أمريكا الجوية فى المنطقة ..

بعدها كانت نهاية الحرب إلى حين ، وقد أعلنها “ترامب” على طريقة “حفظ الله إسرائيل وحفظ الله إيران” ، والتزم “بنيامين نتنياهو” رئيس الوزراء “الإسرائيلى” بقرار ترامب وقف النار بعد توجيه إيران لصاروخها الأخير إلى “بير سبع” ، ثم إعلانها هى الأخرى التوقف عن قصف الكيان المحتل.

   وبعد المشاهد الأخيرة المفرطة فى عبثيتها وهزليتها ، كان “ترامب” كما “نتنياهو” يواصلان معزوفة النصر البائس ..

كان “نتنياهو” يكرر مزاعمه عن النجاح المدوى لعملية “الأسد الصاعد” ، لكنه اضطر بعدها بقليل لصناعة “فيديو” حزين ، كان سببه عملية “كتائب القسام” جنوب “خان يونس” ، التى أودت بحياة سبعة من ضباط وجنود جيش الاحتلال ، وجرحت أضعافهم فى كمين عبقرى مركب ، كانت الصدمة كاشفة لخواء تباهى “نتنياهو” بالنصر على إيران وحلفائها ..

وكما كان بؤس “نتنياهو” ، كان معلمه “ترامب” يتلقى الصفعات بدوره ، وكانت تقارير أجهزة المخابرات الأمريكية تتسرب وتفسد عليه متعة حركاته وأقواله “البهلوانية ” الاستعراضية ..

وتؤكد خطأ مزاعمه بالنجاح الساحق للضربة الأمريكية ، وأنها قضت تماما على البرنامج النووى الإيرانى إلى الأبد ..

بينما كانت شبكة “سى.إن.إن” الأمريكية تنقل عن تقارير جهاز مخابرات الدفاع ، أن الضربة الأمريكية لم تدمر المكونات الأساسية للبرنامج النووى الإيرانى ..

وأنها قد تكون عطلته فقط لأسابيع أو لشهور على الأكثر ، مما زاد من غضب ترامب ، الذى اندفع إلى وصلة شتائم وبذاءات صاخبة ضد تقارير المخابرات والإعلام الأمريكى ، وراح ينشر ضجة إعلامية معاكسة بفيديو موسيقى وأغنية على منصته الخاصة “تروث سوشيال” ، عنوانها “إقصف إيران” ، تقول كلماتها “إقصف إيران. سأخبر آية الله (يقصد خامنئى) بأننى سأضعه فى صندوق . العم سام (رمز أمريكا) ساخن جدا . سيحول إيران إلى موقف سيارات” (!) ..

وهكذا بدا “ترامب” بطبع “البلياتشو” فى تكوينه ، وكأنه يعوض عن بؤس الوقائع المرئية ، ويصطنع نصرا ساحقا فى خياله وفيديوهاته وأغانيه ، بينما الدنيا كلها ، وفى أولها مخابرات بلاده وصور أقمارها الصناعية تثبت أن أضرارا حلت فعلا بمواقع البرنامج النووى الإيرانى ..

لكنها لم تدمر البرنامج الإيرانى قطعا ، فقد نجحت إيران فى نقل 400 كيلوجرام يورانيوم مخصب بنسبة 60% بشاحنات قبل الضربة الأمريكية بثلاثة أيام ، وبالذات من منشأة “فوردو” المحصنة تحت الجبل ..

كما نقلت إيران آلاف أجهزة الطرد المركزى من الجيل السادس ، وكانت إيران قد أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل الحرب بعزمها إنشاء موقع تخصيب جديد لم تفصح عن مكانه ، والمعنى ببساطة أن قصة البرنامج النووى الإيرانى لا تزال على الطاولة ..

وأن حرب الأيام الإثنى عشر على ضراوتها الفتاكة ، لم تحقق هدفها الأول المعلن فى واشنطن وتل أبيب ..

بينما يؤكد الجانب الإيرانى على لسان “محمد إسلامى” رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية ، أن إعادة تأهيل المواقع النووية الإيرانية تجرى كما كان مخططا لها مسبقا ..

ولا تتحدث المصادر الإيرانية الرسمية طبعا عن مواقع البرنامج النووى الموازى ، وإن كان الأرجح فيما نظن ، أن يستمر البرنامج الإيرانى فى مواقع سرية جديدة ، وربما تتعامل إيران مع ما جرى من ضرر لمنشآتها النووية على نحو آخر ، تستفيد فيه من مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة الستين بالمئة ..

وربما تزيد نسبة التخصيب إلى 93% اللازمة لصنع نحو عشر قنابل ذرية سريعا ، وتوقف العمل بالفتوى المحرمة لصناعة القنابل الذرية ..

وعلى قاعدة الضرورات التى تبيح المحظورات ، ولو فعلت وعلقت التزامها بضمان التفتيش كما قرر البرلمان الإيرانى ، أو انسحبت من معاهدة حظر الانتشار النووى ..

فقد تتم المفارقة التاريخية فصولها ، ويكون لترامب فضل لم يقصده على إيران ..

فقد كان انسحاب “ترامب” من الاتفاق النووى عام 2018 مفيدا للبرنامج الإيرانى ..

وسمح برد إيرانى زاد نسبة التخصيب من 3.67 % المتفق عليها إلى نسبة الستين بالمئة وأكثر ..

ثم قد تكون ضربة “ترامب” الاستعراضية للمنشآت النووية سببا دافعا لتسريع حيازة إيران للقنابل الذرية ..

بعد أن أدركت طهران أنه لا معنى للتلكؤ ولا للتفاوض ، وأنه يمكنها السير على طريق الهند وباكستان وكوريا الشمالية و”إسرائيل” ذاتها ..

وكلها أطراف نووية باتت غير ملتزمة أوغير موقعة على معاهدة الحظر النووى ..

وقد لا تحتاج إيران إلى أى عون نووى من طرف آخر ، فلديها معارفها وصناعاتها النووية المتقدمة ..

وعندها جيش هائل بعشرات الآلاف من العلماء والمهندسين والفنيين النوويين ، ولا تؤثر فيها خسارة عشرات من أكبر العلماء النوويين ، على نحو ما جرى فى الحرب الأخيرة وقبلها.

    وقد لا يجادل أحد فى خسارات وضربات فادحة تلقتها إيران ..

فقد تلقت ضربة “قطع رأس” فى الدقائق الأولى للحرب الأخيرة ، وفقدت العشرات من كبار القادة العسكريين والنوويين ..

وتبين أن الاختراق الأمنى للداخل الإيرانى بلغ حدودا مفزعة ، وأن جيوش الجواسيس هربت وصنعت عشرات آلاف المسيرات فى الداخل الإيرانى ..

إضافة لاستخدام سلاح الجو “الإسرائيلى” لقواعد أمريكية فى سوريا والعراق بالذات ، لكن القيادة الإيرانية على كثرة صور معارضاتها العرقية والاجتماعية والثقافية ، أثبتت صلابة مذهلة ، وتمكنت من استعادة زمام المبادرة فى الحرب بعد ساعات قليلة ..

وبدأت ضرباتها الصاروخية على كيان الاحتلال فى مساء يوم ضربة المفاجأة الأولى ..

ونقلت حمم الدمار الواسع إلى قلب الكيان ، ورغم كل ما قيل وهو صحيح عن ضعف الدفاعات الجوية الإيرانية ، وانفتاح السماء الإيرانية لطائرات القصف “الإسرائيلى” الأمريكى ، وشن ضربات متوالية عنيفة على منشآت إيران النووية والعسكرية والمدنية ، وارتقاء مئات الشهداء والمصابين الإيرانيين ..

لكن الصمود الإيرانى امتص كل الضربات المعادية ، وبما فيها الغارة الأمريكية الأخطر فى التاريخ ، ونجح فى نقل حرائق النار إلى قلب الكيان طولا وعرضا ، من مستعمرة “المطلة” فى الشمال إلى “بير سبع” و”إيلات” فى الجنوب ..

ووضع ملايين الإسرائيليين اليهود فى الملاجئ طوال أيام الحرب ، ودفع مئات الآلاف منهم إلى الهرب وشل كل جوانب الحياة فى “إسرائيل” ، وتحويل مناطق كثيرة فى “تل أبيب” وما حولها ..

وفى “حيفا” نزولا إلى “أسدود” و”النقب” والقواعد الجوية ومصافى البترول ومعاهد البحث ومراكز المخابرات ، حول القصف الإيرانى الصاروخى أغلب هذه المناطق والمبانى إلى مواقع منكوبة بالدمار ، وعلى نحو لم يحدث أبدا فى سيرة كيان الاحتلال ، وقد يكون العدو الأمريكى “الإسرائيلى” نجح فى خداع ومفاجأة الضربة الأولى فجر 13 يونيو 2025 ..

لكن الرد الإيرانى جعل نجاح العدو مجرد سبق تكتيكى ، زادت الاختراقات الأمنية الواسعة من خطورته ، بينما بدا النجاح الإيرانى استراتيجيا باهرا ، قهر كل أنظمة الدفاع الجوى “الإسرائيلى” الأمريكى ، وجعل من أنظمة “ثاد” و”مقلاع داود” و”حيتس” و”القبة الحديدية” أساطيرا مهشمة ومزحات ثقيلة ..

وكان تطور الصواريخ الإيرانية مفاجأة الحرب الكبرى ، وقد جرى استخدام مدروس متدرج لها ، وزادت نسبة اختراقها وإفشالها لما يوصف بأنه أفضل نظام دفاع جوى فى العالم ، وجعلت الصواريخ الإيرانية الأحدث سماء “إسرائيل” عارية ..

وحققت صواريخ إيران الفرط صوتية الدقيقة أثرا مرعبا ، وصارت أسماء صواريخ إيران “فتاح” و”سجيل” و”خيبرشكن” و”خرمشهر” وغيرها ، وبالذات الأجيال متعددة الرءوس التفجيرية منها ، صارت هذه الأسماء أبطال ونجوم الدرجة الأولى فى الدراما الحربية المفتوحة ، وبدت كأنها أكثر خطرا من صواريخ أمريكا وأم قنابلها “جى.بى.يو57” .

   وبالجملة ، فلم يحقق العدوان الأمريكى “الإسرائيلى” أى نصر مؤكد ، لا فى تفكيك البرنامج النووى ولا البرنامج الصاروخى ، ولا فى تهديد بقاء النظام الإيرانى ، ولم تهزم إيران طبعا ، بل بدت فى الوضع الأقوى بعد الحرب داخليا وإقليميا .

KANDEL2002@HOTMAIL.COM

Exit mobile version