“أحمد إبراهيم” يكتب: “فتاة الأفيون” .. الطاوس والزوجة العذراء ..!!
.. ما قيمة أن نستورد أوراقاً وأحباراً بالمليارات كل عام لننتج في النهاية لا شئ ..!!
إن صناعة الثقافة والفكر أكثر الصناعات كلفة – ولا أقصد المال أو النقود – بل كلفة أكبر بكثير من جهد وعرق واحتراق للأعصاب وضياع للوقت والحاجة التامة للتفرغ وصفاء الذهن.
فخ الفقر
ورواية “فتاة الأفيون” تغوص في أعماق الفقر وأحياءه العشوائية في زينهم، وتحديداً لجوار مشرحتها العتيدة، وكعادة الكاتب والأديب “محمد حسن الألفي” العمل يمتلئ بكثير من الشخصيات الحية الطازجة التي سحقها الفقر وهشم فؤادها قبل أضلعها، بداية من الصول “متولي جاويش” الشرطي الفقير الذي يُلح ويقبل الرشاوي الصغيرة من أجل كتابة محضر أو التحرك لضبط منحرف أو حتي تلفيق قضية لزوجة ترفض زوجها .. !! مروراً بزوجته العشوائية البسيطة “سلاطين” التي أصابها الجنون بعد أن فقدت ابنها وأملها في الحياة الطالب الجامعي “صلاح” الذي تاه فؤاده بعد معاشرته للمرأة الجميلة الفاتنة المادية “سحر” التي دفعت زوجها “رمضان” للسفر من أجل الدرهم والريال فتحول لإرهابي مخضرم قتلها في دقائق معدودة هي ومدربتها “صفية” القوادة التي دفعتها لبيع جسدها للعرب والأجانب وتحديداً الإسرائيلين من أجل الدولار والعملة الصعبة، وأخيراً “آية” بنت الصول متولي صاحبة الجمال الملفت والسلوك القويم الهادئ، محور عالمنا المتخيل والضحية في عالمنا الحي القاسي المتطاوس.
الطاوس .. الزوجة العذراء
“فآية” رمز الجمال والأنوثة وقبل منهما العطاء والمستقبل، أجبرتها الظروف أو أمها “سلاطين” علي النزول مبكراً لسوق العمل وهجر العلم من أجل لقمة العيش، ثم أجُبرت علي الزواج من ابن عمها المعنون جنسياً بسب تعاطي المخدرات، والذي طلقها بعد يومين فقط من زفافهما في تطاوس دون رحمة أو شفقة.
لتكون المحطة الثانية “حجازي” باشا المحامي الكبير والعجوز العايق، الذي يُمني نفسه بالزواج من هذه الفرسة السخية النضارة والشباب – ويتحقق له ما يرد- لكنه هو الآخر عنين وعاجز عن إتمام أي لقاء دافئ، بدافع السن وانشغال الذهن بقضايا موكليه الكبري وبشبكة علاقاته المتوحشة التي تهيئه لكي يصبح وزيراً في القريب العاجل.
وتقرر “آية” العيش في ظل هذا الطاوس نجاة من الفقر، ولكن يدب الخلاف بينهما بعد أن رفض هذا الداهية الألعوبان الترافع عن أبوها الصول، الذي أتُهم ظلماً بقتل الغانية سحر، فتهدده “آية” بفضح سره للنائب العام بما تملك من أدلة ومستندات علي فساده وفساد حاشيته.
فيقرر “حجازي” التخلص من “آية” بقضية شرف، فيزج بتلميذه المحامي الشاطر “حسن” الشيوعي النبيل- الذي أحب “آية” قبل أن يخطفها هو منه- ولكن التلميذ لا يرضخ لحيل أستاذه أو لرشوة المليون جنيه لإذلال حبيبته القديمة وتلويث شرفها، فيقتله “حجازي”، ويتدخل القدر ويموت المحامي العجوز المتطاوس فجأة وتنجو “آية” عذراء من هذا الفخ وهذه المصيبة.
ليخطفها الشيخ “رمضان” الإرهابي انتقاماً من زميله الإرهابي أخوها “صلاح” الذي عاشر وزني بزوجته “سحر”، ويزوجها لشيخه وأمير جامعته الشيخ “جلال” المجرب المزواج الذي لا يقدر هو الآخر علي فض عذرية آية لرفضها ولحيلها المتكررة للنجاة منه.
لتنجو “آية” في النهاية بنفسها من هذه الزيجة ومن معسكر الأمير بحيلة ذكية وتكون هي طوق النجاة لآخوها “صلاح” من براثن الإرهاب، ليعود إلي زينهم وإلي دراسته للتاريخ من جديد.
… إقرأ أيضا …
فراشات ذابلة
إن عذرية البطلة “آية” محور هذا العمل والتي تحمل الكثير من التأويلات والرموز والدلالات؛ بداية من الاسم وحتي الظروف والشخصيات التي صادفتها في عالم الرواية لأمر محير، ولكن في عالمنا الحي أي فتاة تمر بظرف قاسي بالزواج لمرة دون أن تجد في شريكها رجلاً لهو قتل بارد لفؤادها وقلبها وأعصابها وحياتها كلها، فما بالك أن يتكرر هذا الحظ وهذا الظرف المؤلم لمرات ..!!!؟
وحقيقة رواية “فتاة الأفيون” بعيداً عن عالمها الخيالي وشخوصها بنات أفكار كاتبها، تتميز ببراعة اللقطة، فالزوجات العذراوات أصبحن كُثر، وأمراً متكرر المصادفة، ويبدو أنها ظاهرة نغض عنها الطرف، أغلبهن للأسف أرواح محترقة وفراشات ذابلة بأجساد بضة ووجوه جميلة وحكايات مؤلمة وتصرفات حائرة مضطربة..!!
وإن كانت رسالة “الألفي” وهدف هذا العمل هن هذه الشريحة من الفتيات والزوجات الضحايا، فإنه لأمر حسن نبيل، وهذا هو الهدف الأسمى في رأي من أي إنتاج فكري ثقافي أدبي كان أو فني.
فلقد جعل “الألفي” النهاية والخلاص علي يد “آية” في صلابة روحية صعب أن تجدها في أنثي تعرضت لهزيمة أو لهزائم متكررة من هذا النوع المؤلم، في رسالة منه بأن كن قادرات علي الصمود والتجاوز بل والنجاح والتحليق بأنفسكم والعبور بمجتمعكم من جديد فلا تيأسن …!!!