الكاتب والروائي فتحي إمبابي ..
- رقص الإبل تنبأت بأحداث السودان الآن ..
- نعيش حالة تحريف للهويات القومية ..
- علي السلطة أن تتحمل كافة أشكال النقد
- الرواية هي إعادة اكتشاف الإنسان من جديد
- الحارة الشعبية لم تعد العالم
- لابد من التكريس لعودة حقوق الطالب السياسية
- التواجد المصري في إفريقيا تواجد حضاري وإنساني
- إسرائيل مجتمع سرطاني لا يمكن التعايش معه
- حرب غزة أعادت الوعي للشخصية المصرية
- أقرأ التاريخ بعين فلاح إبن فلاح
- هناك فنانيين ومثقفين يتم إغتيالهم معنوياً والسبب مجهول
- وجود كاتب عربي عالمي يعارض الرؤية الصهيونية
حوار/ أحمد إبراهيم
.. يعد الكاتب والروائي فتحي إمبابي واحداً من أعمدة الإبداع الأدبي المصري المعاصرين، فلما يقرب من نصف قرن ولازال يمارس شغفه وعشقة لعالم الرواية والكتابة دون توقف، متفوقاً وسط هذا كله بعوالم وشخصيات تتمتع بالجدة والطزاجة علي زائقة وذهنية القارئ العربي، كما أنه فاز أخيراً بجائزة ساويرس الثقافية …
- ما الذي يشغل الكاتب فتحي إمبابي حالياً؟
- الفكر هو ما يشغلي حالياً، فالفكر هو أعلي نشاط إنساني، والإنسان له أكثر من سمة، فهو حيوان اجتماعي أو ناطق، وهذا ما أهله لصناعة حضارة إنسانية هائلة، ومن هنا تأتي قيمة الفلسفة والإيدلوجيا، والقناعات والمفاهيم المختلفة.
- ما هو مشروعك الفكري والأدبي؟
- كل جيل هو ابن ما يقدم له، فجيل الثلاثينيات ينتمي لحزب الوفد، وفكرة الاستقلال التام أو الموت الزؤام، وكذلك جيل الخمسينيات والستينيات الذي أنتمي أغلبه لفكر وأيدلوجية ناصر، وحقيقة كثير من الأجيال لم يكن له حرية الاختيار، وأنا ابن المشروع الناصري وزمنه وحركات التحرك الوطني، وهذا التوجه لم أختره، ثم صدمنا بحرب 1965 والتي لازالت أثارها في الوجدان العربي والمصري باقيه إلي الآن.
- كيف كانت البداية ككاتب؟
- قررت أن أكون روائياً في سن الرابعة عشرة من عمري، وأول أعمالي ظهرت للناس سنة 1980، ودائما كان هدفي التكريس لفن الرواية، ولكل ما هو إنساني، وتحديداً أيدلوجية أن تكون إنسان، خصوصاً وأن الرواية فن عابر للجنس والنوع والأيدلولوجيات والإثنيات واللون، فالرواية تعبر عن العمق الإنساني، وأنا شخص يعشق مصروالحرية ، وابن الناصرية وفكرة العدالة الاحتماعية.
- هل تغير أفكار المصريين؟
- هناك تغير واسع لأفكار الإنساني المصري، بدأ في مرحلة السبعينيات، واتجه مع حالة النهب، إلي الجشع والاهتمام بكل ما هو مادي وبشكل مبالغ فيه، هذا إضافة لتآكل الإيمان بفكرة الوحدة العربية، وإلي مشروعية التعاون والتماهي مع الكيان الصهيوني، خصوصاً بعد حرب 1973، وهذا التغير شمل كتلة واسعة من المصريين، وهذه التغيرات كانت محيرة جداً فكيف لجماعة أن تغير مفاهيمها ومعتقداتها وأفكارها بكل هذه السرعة.
- وكيف حدث هذا التغير فعلاً؟
- إن ما حدث بالشخصية والهوية المصرية من تغير كان نتاج صدمات عنيفة مر بها هذا المجتمع وتحديداً هزيمة يونيو 1965، هذه الأحداث العنيفة، أثرت بلا شك علي الشخصية المصرية، ولكن حرب غزة أعادت الوعي العام للشخصية المصرية، وأن إسرائيل هي العدو، وبأن أميريكا ليست بالصديق.
- إذا فأنت ضد السلام مع إسرائيل؟
- إسرائيل كيان استيطاني توسعي، وأنا لست ضد السلام، ولكن إسرائيل لم تحدد لها حدود حتي الآن، وأحلامها المريضة لازالت دولة من النيل للفرات، كما أن علي إسرائيل التخلي عن حلمها النووي، وأن تتحول لمجتمع ديمقراطي حقيقي، وكمثقف مصري أري أن ما يحدث في غزة الآن، من الممكن أن يحدث في بورسعيد أو السويس بعد عشر سنوات أو أكثر، فإسرائيل مجتمع سرطاني لا يمكن التعايش معه، ولابد من توطين 5 مليون مصري في سيناء والاستعداد التام لحرب مع هذا العدو، خصوصاً بعد الدعم الغربي الهائل لإسرائيل، وهذه رسالة من مصري.
- وكيف يكون هذا الاستعداد؟
- نحن جيل حرب التحرير الشعبي، وفيتنام هزمت أميريكا بمواطنيها، فكل مواطن في بيته جاهز للقتال من أجل تحرير وطنه، وإعمار سيناء هو خير وسيلة للدفاع عنها.
- هل هذا رأي أم قراءة للتاريخ؟
- حقيقة أقرأ التاريخ بعين فلاح إبن فلاح، وليس من خلال السلطة أو حتي كمثقف، ولمصر تاريخ عظيم للفلاح المصري، فلقد تعرض لظلم بين منذ حكم الرومان لمصر، ومنعه من التجنيد أو حتي إمتلاك الأراضي أي نزع الملكية وحق حمل السلاح، فلقد تعرض المصري لعمليات نهب ممنهجة بدأ مع مطلع التاريخ، وهذا ما أشرت له في رواية نهر السماء.
- ولكن هذا الفلاح بني حضارة كبيرة ؟
- مصر منذ الاحتلال الروماني في معية الآخرين من خلافة عثمانية مروراً بالمماليك والأمويين والخلافة البيظنطية وغيرهم كثر مروا علي مصر واستعمروها، فالمصري كان يعيش في ظل مجتمع عبودي، عندما احتل الرومان مصر حكموها بمنتهي القسوة، فلقد كانت روما تحتل كل العالم وانتهت بمصر كجائزة، ومن وقتها تعرضت خيرات المصريين وحضارتهم للنهب، فالمستعمر جرد مصر كي لا تنهض أبداً فلا ملكية للأرض ولا رخصة بالتجنيد أو حمل السلاح وهو ما يعد وئداً لأي معلم حضاري في يد الإنسان.
- ما رؤيتك للفن والأدب الآن ؟
- الفن والأدب الحقيقي يعيشان في غابة بدائية، هذه الغابة ينتج بداخلها فن الرواية، والرواية المصرية ذات إنتاج غزير جداً، وفن الرواية يمر بعدة حلقات هي المبدع والناشر والناقد ثم الإعلام فالقارئ، وهنا عدة حلقات لا تقوم بدورها، وهذا ما أنتج فوضي هائلة جداً في نمط إبداعي في منتهي الروعة، وهناك حالة من البحث عن أنماط ثقافية تابعة وهشة لقتل ضمير الأمة، والآن هناك عملية إختيار لمن مع السلطة أو من ضدها، ولدينا 4000 رواية تنتج كل عام، فأين الإعلام والنقاد من هذا الإنتاج الضخم.
- أين هي الرواية المصرية الآن؟
- ما نراه الآن تسبب في أن يصبح فن الرواية خارج التاريخ، بسبب اختيار كتاب متواضعي الموهبة وبلا قدرات فنية أو معرفية، فالرواية هي تعبير عن العالم الإنساني أي الذات الإنسانية والذات الجماعية لهذا الوطن، ومن يريد أن يتحدث عن هذه العلاقات طوال الوقت يحتاج لأن يتعمق ثقافياً وفكرياً، إضافة لاستغراق في الذات وهذا غير متاح الآن.
- هل تغيرت ذائقة القاري؟
- حقيقة مجتمع القراءة تجاوز فن نجيب محفوظ وعالم الحارة الشعبية، وللعلم هو له نصوص في منتهي الروعة، ولكن ما يحدث من قتل الإبداع الجديد، يقتل الضمير أيضاً، والمؤسسات القائمة علي عمليات الإبداع تصدر الهش والضعيف، والآن لا يمكن أن نتجاهل رواية الحرب ورواية الهجرة، فالرواية ليست سرداً لحكايات ولكن هي إعادة اكتشاف الإنسان من جديد، والخلاصة أن ما يقدم للقراء ردئ ولا يمكن أن نقدر الذائقة الحقيقة له بوضوح.
- وما تأثير ذلك؟
- تأثير خطير للغاية، وقتل القدرة علي التخيل وعدم الإيمان بالمجتمع، فمثلاً أثناء الاحتلال الأميريكي للعراق كانت هناك تعليمات بعدم التعرض لأي قضايا كبري والانشغال بما داخلي وهذا بالطبع تسطتيح للشخصية العربية.
- ماذا عن نموذج سهام صبري ؟
- سهام صبري هي نموذج للمرأة المصرية، هي سيدة كادحة وعاملة عرفتها وكتبت عنها في السبيعنيات، والآن وبالرغم من كل السلبيات الحالية وعدم فهم معني وأهمية الأسرة، لازالت المرأة المصرية قادرة علي التفوق والتحدي، ولكن هناك عيوب طرأت علي تركيبتها كمرأة مصرية كالأنانية الكبيرة والمبالغ فيها، ولكن إجمالاً المرأة المصرية هي انعكاس للمجتمع بكل إيجابياته وسلبياته.
- ماذا عن رواية رقص الإبل؟
- أنا أعشق السودان وعشت بها لفترة قصيرة، وهذا ما حقق لي فرصة المعايشة والإقتراب من الروح السودانية، وفكرة رواية رقص الإبل، تتعلق بالشغف والرغبة الدائمة في البحث عن الحقيقة، وحقيقة لم أكن أعرف أنه من الممكن أن يجري ما يجري للسودان الآن، فالرواية كانت نبؤة لما يحدث بالسودان الآن.
- وما دلالات أسماء شخصيات الرواية ؟
- أخترت أسماء الشخصيات من بيئة الأحداث، فالتلب هو التمساح العشاري، وهو بطل الرواية الذي يخوض الحرب ويعشق بنت عمه مسك الجنة، ولابد من اختيار أسماء معبرة عن عالم الأحداث والبيئة الحقيقية له، كنوع من المصداقية والأمانة.
- ما هي رسالة الرواية؟
- أحد خصائص الهويات أو ما يسمي بقضية الهوية، أن يكون هناك من يكتشفها، وأنا كمثقف دوري أن أكتشف هوية وادي النيل، ولم يكن يجب أن نقبل بفصل السودان عن مصر ونحن منذ عام 1821 ونحن دولة واحدة وحتي استفتاء 1952، وهناك أهمية مطلقة لإكتشاف هوية وادي النيل فإرتباطي بالنيل حياتي وحيوي، ومصر مهددة الآن بالكيان الاستيطاني الصهيوني وأثيوبيا التي تسيطر علي منابع النيل، ونحن كمصريين لا نعرف أهمية السودان لمصر، كما أن الرواية توضح أن التواجد المصري في إفريقيا هو وجود حضاري وإنساني.
- كيف تناولت الجيش المصري بالرواية؟
- المكونات الرئيسية للدولة هي الحفاظ علي الأمن الداخلي والأمن الخارجي والقضاء العادل، ووجود جيش قوي من أهم داعم الدولة، ومصر عاشت 2000 سنة بلا جيش، والجيش المصري إبن الوطنية المصرية تربي ونشأ في حضنها، ومع اللائحة السعدية كانت أول فرصة لعودة المصريين للجيش وحتي بدأ الإحتلال الإنجليزي الذي حل الجيش المصري، كي يظل رديف وليس جهة مقاتلة، فالجيش المصري هو أحد دعائم الدولة، وكل من يسئ للجيش يرتكب خطأ جسيم، ويجب أن نفرق بين القوات المسلحة المصرية والسلطة الحاكمة.
- وكيف يتحقق هذا ؟
- أياً كانت السلطة فيجب عليها أن تتحمل كافة أشكال النقد، بل تتيح وتمنح والمساحة والحرية وتوفر المناخ له، لأن النقد هو ما يتيح ويحقق التطور للمجتمعات.
- ماذا عن كثرة الحواشي والهوامش ؟
- هذه الحواشي أو الإشارات هدفها الأمانة الفكرية وأيضاً تبسيط لغة وألفاظ الجماعات الغريبة للقارئ الغير متخصص والعادي، وهذا يحقق أبعاداً أفضل لفهم الرواية المعرفية، والتوثيق هام جداً لمعرفة طبيعة الحداث التاريخية والعوالم المجهولة بفضاء الرواية، وهذه الملاحق تحقق الثراء المعرفي لوعي القارئ.
- ماذ عن الحراك الطلابي حالياً ؟
- عملية أبطال الدور السياسي للطلبة، دمر المؤسسة التعليمية وحاصر اشعاعها الثقافي والفكري، ولابد من التكريس لعودة حقوق الطالب السياسية، وتاريخ 17 نوفمبر هو يوم الطالب العالمي، عندما فتحت قوات الإنجليز كوبري عباس علي الطلبة المصريين، والطلبة لهم دور عريض وهام سياسياَ وإجتماعياً، وهو دور محوري في إعادة المجتمع لتأهيل وبناء نفسه من جديد، والتعليم الخاص مأساة حقيقية.
- ما رؤيتك للصراعات المنشترة حالياً ؟
- هو تحقيق للرؤية الصهيونية للمنطقة، بغرض تقسيم البلاد العربية، لدويلات صغيرة، لسهولة التحكم فيها، والنهل من خيراتها وثوراتها، ولعدم عودة مصر لقواتها، فمصر القوية تنتقل بالعالم العربي وبلدان العالم الثالث لمنطقة ثانية، وهذا يحقق اشكاليات للسيطرة علي ثرواتها من قبل الاستعمار الجديد وهي الشركات المتعددة الجنسيات.
- ماذا عن فكرة الدولة القومية؟
- فكرة الدولة القومية كانت أعظم ما جسد الحلم العربي بالوحدة والتطور الحضاري، ولكن الاستبداد الذي سيطر علي مفاصل هذه الدولة سهل سرعة إنهيارها، وبالرغم من كوني يساري إلا أنني أؤمن بالحرية المطلقة والثقة في الشعوب، ولم نعد في عصر الإرتباط بفكرة أو أيديولوجية معينة فالإختيار للشعوب وحده الآن دون وصاية فكرية، فالنظام الديمقراطي والحرية هم الفكرة الأبقي الآن.
- هل هناك تهميش للمثقف اليساري ؟
- أغلب شرائح المثقفين تنتمي للسلطة الآن، وأغلبهم إقترف جرائم لا تغتفر في حق الثقافة والفكر، والمبدع لا يملك ترف الإكتشاف والمساندة من الآخرين، وجزيرة الروائي هو حريته، والمثقف يمارس عمل تثقيفي، أما المبدع لابد أن تكون جزيرته هي حريته كي يكتب عن الناس بحرية التي تعد الطاقة الخلاقة لإكتشاف الذات والعالم، وليس كل مثقفي اليسار من المهمشين، ولكن هناك فنانيين ومثقفين وكتاب مميزين يتم إغتيالهم معنوياً والسبب مجهول.
- ماذا عن حركة الترجمة ؟
- رجاء النقاش كتب عني مقال بعنوان فتحي إمبابي مشروع نوبل، وكثيراً ما يتم طرح رواية نهر السماء للترجمة، ولكن يحدث دائما تراجع عن ترجمة أعمالي والسبب مجهول، والجامعة الأميريكة تقدم ترجمات لبعض الروايات، ولكن كل هؤلاء لم ينتقل أحد منهم للعالمية بشكل واضح، لأن آليات الترويج ليست بالناجزة، كما أن ما يتم ترجمته يعد أدباً ضعيفاً وليس بالقدر الواضح من القوة، إضافة لأن الغرب ليس لديه الرغبة بظهور أحد من روائينا علي ساحاته.
- هل هناك استحالة بفوز كاتب عربي بنوبل جديدة؟
- لا استطيع أن أقول هذا، ولابد لكاتب عربي أن يحصد جائزة نوبل يوماً ما، ولن التحقق والتواصل مع شعوب الغرب يحتاج لأمريين أما أن تكون كاتباً تكتب بلغتهم، أو أن تكون متربعاً علي عرش عالم الرواية ولك حضور كثيف وواضح لديهم، مثلما فعل نجيب محفوظ، ولكن الحقيقة الواضحة أن إمكانية وجود كاتب عربي متحقق عالمياً تعارض الرؤية والأهداف الصهيونية، إضافة لأشياء أخري.
- وما هي ؟
- هناك عداء للرواية الإنسانية، فالغرب لم يعد ينتج الرواية بمعناها الراقي كرواية الحب والسلام، عناقيد الغرب لم تعد تنتج بالغرب، وهناك تغيرات عامة في الزوق الغربي، وهناك كتلة واسعة من المثقفين والعرب لا يفهمون الأفكار المعادية للإنسانية، ونحن نعيش حالة تحريف عامة للهويات القومية منتشر الآن بكل العالم.
- ماذا عن التقنيات الحديثة في عالم الرواية ؟
- التقنيات التكنولوجية تداخلت بكل شئ الآن، كفكرة الرواية التفاعلية، التي تتيح اختيار النهايات للقارئ، ولكن كلها تجارب، ولازالت الرواية الكلاسيكية هي الأم، وهناك منتج روائي شديد الاتساع الآن، ولكن لازلنا في حالة التجريب.
- هل جائزة ساويرس تكفي؟
- منذ سنوات طويلة فزت بجائزة الدولة التشجعية، وقدمت لمنح جازة الدولة التقديرية، ولكني لم أفز بها وحجبت الجائزة وحتي الآن لا أعرف لماذا حجبت، وأي جائزة هي نوع من التكريم المعنوي، نوع من البهجة والفرح الهائل الذي يشعر به المبدع، ونوع من التقدير، ومع لعبة الجوائز لا تستطيع أن تحدد لماذا فزت ولما تم تجاهلك، والفكرة هي أن تكون حراً أم لا تكون ..