فرصة أخيرة للولايات المتحدة قبل اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط
فرضت التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في الشرق الأوسط منذ اغتيال إسرائيل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الفلسطينية، أثناء حضوره احتفال تنصيب الرئيس الإيراني الجديد بطهران، وفوائد شكر، القيادي الكبير في “حزب الله” اللبناني، ببيروت مؤخرا نفسها على أغلب عواصم العالم في ظل الخوف من نشوب حرب إقليمية شاملة بين إيران وحلفائها في الدول العربية من جهة، وإسرائيل وحلفائها الغربيين من جهة أخرى.
وفي تحليل نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية قال دانيال ديفيز الليفتينانت، الكولونيل المتقاعد في الجيش الأمريكي الذي شارك في أربع معارك قبل تقاعده، إن الولايات لن تكسب شيئا وقد تخسر كل شيء إذا دخلت في حرب ضد إيران، مضيفا أن على الرئيس الأمريكي ألا يعرض أرواح أفراد الجيش من الرجال والنساء للخطر إلا إذا كان للدفاع عن الأمن الأمريكي وليس لأن حكومة أجنبية، بغض النظر عن مدى صداقتها لواشنطن، قررت القيام بعمل يستدعي ردا عسكريا من دولة معادية لها.
وأشار ديفيز إلى أنه نشر قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة عام 2020 كتابا تحت عنوان “الساعة الحادية عشرة في أمريكا 2020” رصد فيه تدهور السياسة الخارجية الأمريكية والمطلوب من الحكومة القادمة لإصلاح هذا التدهور. وقال إن “الولايات المتحدة تواجه خطر التورط في عدة حروب يمكن تجنبها، والآن بعد أربع سنوات من صدور الكتاب تبدو الولايات المتحدة على بعد ساعات وربما دقائق من التورط في واحدة من تلك الحروب”.
فالولايات المتحدة ترسل الآن قوات مقاتلة كبيرة إلى الشرق الأوسط تحسبا للرد الإيراني الانتقامي على الأعمال الإسرائيلية. فيما الحكومة الإسرائيلية تدعو مواطنيها إلى تجهيز الملاجئ والاستعداد لمواجهة انقطاعات كبيرة في الكهرباء ونقص مياه الشرب فترة طويلة. والتقارير تقول إن إيران وصلت إلى المراحل النهائية من الاستعداد لشن هجوم انتقامي على إسرائيل.
والمفارقة الغريبة في هذا الصدام المحتمل بين العمالقة في الشرق الأوسط هي أنه كان من الممكن منع الموقف من الوصول إلى حافة الهاوية باستخدام الدبلوماسية البارعة والتفكير الرصين منذ فترة طويلة، لكن يبدو أن واشنطن وتل أبيب تكرران أسوأ الاتجاهات التي حددها ديفيز في كتابه عام 2020 عندما كتب “أستطيع القول بكل يقين إنه إذا تمسكت أمريكا بموقفنا الراهن في السياسة الخارجية ورفضنا إنهاء الحروب الأبدية وفشلنا في تبني طرق جديدة للتفكير في كيفية الانخراط مع العالم فسوف نفشل”.
وبدأ الانفجار الحالي بما يعتقد الكثيرون في الغرب أنه هجوم حركة “حماس” الفلسطينية على غلاف غزة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1200 مدني وعسكري إسرائيلي. وفي حين أن من حق إسرائيل الرد على هذا الهجوم، فليس من حقها انتهاك قوانين الحرب. وإذا كان من حق الولايات المتحدة دعم إسرائيل، فعليها أن تعطي الأولوية لأمن أمريكا وتجنب أي حرب في هذا السياق. لكن يبدو أن واشنطن مندفعة بصورة آلية نحو حرب أخرى في الشرق الأوسط، على حد وصف ديفيز الزميل الباحث في معهد “أولويات الدفاع” الأمريكي.
فوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلنكين أبلغ نظراءه في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى أن الهجوم الإيراني قادم خلال يوم أو يومين، ووزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن قال بلا تردد: “إذا تعرضت إسرائيل للهجوم سنساعد في الدفاع عنها. لقد فعلنا ذلك في أبريل، ويمكن أن تتوقعوا منا ذلك مرة أخرى”، في إشارة إلى اشتراك الولايات المتحدة في التصدي للهجوم الجوي الذي شنته إيران على إسرائيل ردا على قصف قنصليتها في دمشق.
ويقول ديفيز إن من المعروف أن إيران تمتلك قوة صاروخية كبيرة، لكنها بخلاف ذلك تعتبر قوة عسكرية إقليمية متوسطة، ولا تقارن على الإطلاق بالجيش الإسرائيلي. ولكن إسرائيل هي التي خلقت المشكلة في أبريل عندما انتهكت القانون الدولي وهاجمت هدفا داخل مجمع السفارة الإيرانية لدى سوريا، مما دفع إيران إلى الرد عليها بقصف أهداف داخل إسرائيل. وفي الأسبوع الماضي اغتالت إسرائيل قائدين كبيرين في “حزب الله” و”حماس” ببيروت وطهران. ونظرا لأهمية الهدفين وحساسية موقعي الهجوم الإسرائيلي، سواء في طهران أو في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية، فمن المرجح أن يكون هناك رد عسكري من جانب إيران.
ويرى ديفيز أنه في الوقت نفسه تعتبر إسرائيل ملزمة بالقيام بكل ما يلزم لضمان أمنها. لكن عندما يقوم قادتها بمغامرات تسفر عن مزيد من الهجمات ضدها، فعليها أن تكون مستعدة للتعامل بنفسها مع الموقف. لكن هذا لن يحدث، فتل أبيب تنتظر من الجيش الأمريكي أن يحارب جنبا إلى جانب مع الجيش الإسرائيلي للتصدي لنتائج مغامرات قادة إسرائيل. في المقابل على واشنطن ألا تنخرط في عمليات عسكرية تناقض أهداف أمنها القومي ويمكن أن تجرها إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط.
وختم المحلل والعسكري السابق الأمريكي دانيال ديفيز تقريره بالقول إن على الولايات المتحدة منع الحرب الاختيارية التي تندفع إليها وإلا ستدفع في يوم ما ثمنا لا يمكن للأمريكيين تخيله.