أخبار عربية ودولية
قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام “العدل الدولية”

أعادت قرارات محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، الجمعة، بشأن طلب جنوب إفريقيا الذي قدمته للمحكمة في 16 مايو الجاري، لفرض تدابير طارئة لوقف الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح جنوب قطاع غزة، الزخم للقضية الأوسع، والتي تُتَهمُ فيها إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال بارتكاب “إبادة جماعية”، وفقا لتقرير نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”.
وفي آخر جولات المحاكمة، أمرت “العدل الدولية” إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية أو أي أعمال أخرى في رفح جنوب القطاع، وفتح معبر رفح لدخول المساعدات الإنسانية، وضمان وصول أي لجنة تحقيق أو تقصي حقائق بشأن تهمة الإبادة الجماعية، وأن تقدم للمحكمة خلال شهر تقريرا عن الخطوات التي ستتخذها في هذا الشأن.
واعتبرت المحكمة أن الهجوم العسكري في رفح تطور خطير يزيد معاناة المواطنين، لا سيما أنه تسبب بنزوح نحو 800 ألف شخص من رفح منذ بدء الهجوم البري في السابع من مايو الجاري.
وذكر رئيس المحكمة، أن الظروف المعيشية لمواطني قطاع غزة تدهورت بشكل ملحوظ، وأن الوضع الإنساني في رفح كارثي بعد أسابيع من القصف.
ورأت المحكمة أن إسرائيل لم تقدم ما يكفي لضمان سلامة وأمن النازحين من رفح إلى منطقة المواصي، وأن الوضع الناجم عن هذا الهجوم يمثل خطرا متزايدا على المدنيين.
بداية القضية
في 29 ديسمبر 2023 رفعت جنوب إفريقيا دعوى ضد إسرائيل، أمام محكمة العدل على خلفية تورطها في “أعمال إبادة جماعية” ضد المواطنين في قطاع غزة.
وقدمت جنوب إفريقيا إلى المحكمة ملفا من 84 صفحة، جمعت فيه أدلة على قتل إسرائيل لآلاف المواطنين في قطاع غزة، وخلق ظروف “مهيئة لإلحاق التدمير الجسدي بهم”، ما يعتبر جريمة “إبادة جماعية” ضدهم.
وركزت جنوب إفريقيا في الملف الذي قدمته بعد ثلاثة وثمانين يوما على بدء العدوان على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، على تقاعس إسرائيل عن توفير الغذاء الأساسي والمياه والأدوية والوقود والمأوى وغيرها من المساعدات الإنسانية.
وتتعلق الدعوى بالتزامات إسرائيل بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وطلبت جنوب إفريقيا من محكمة العدل الدولية إقرار إجراءات عاجلة لحماية المواطنين في غزة، الذين يواجهون ظروفا معيشية كارثية نتيجة جرائم الحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال.
كما طلبت جنوب إفريقيا من محكمة العدل الدولية، ضمان امتثال إسرائيل لاتفاقية منع الإبادة الجماعية، ووقف عملياتها العسكرية في قطاع غزة فورا.
وأكدت جنوب إفريقيا أن “أعمال الإبادة الجماعية” يجب أن توضع في “السياق الأوسع لسلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين خلال نظام الفصل العنصري منذ 75 عاما، واحتلالها الحربي للأراضي الفلسطينية الذي دام 56 عاما، وحصارها المستمر لغزة منذ 16 عاما”.
وقالت جنوب إفريقيا في الطلب المقدم للمحكمة: إن تصرفات إسرائيل في غزة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، وأشارت إلى أعمال محددة قامت بها إسرائيل، مثل (قتل الأطفال، والتهجير الجماعي، وتدمير المنازل، والحرمان من الضروريات الأساسية، والتدابير، واستهداف جامعات غزة وتدمير المراكز الثقافية).
المطالب التي قدمتها جنوب إفريقيا في هذه القضية
1- الوقف الفوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة وضدها.
2- التأكد من أن أي وحدات مسلحة عسكرية أو غير نظامية خاضعة لسيطرة إسرائيل، وكذلك المنظمات والإفراد الخاضعين لسيطرتها، لا تتخذ أي خطوات لتعزيز العمليات العسكرية المذكورة في الطلب الأول.
3- يجب على كل من جنوب إفريقيا وإسرائيل، وفقا لالتزاماتهما بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، اتخاذ جميع التدابير المعقولة في حدود سلطتهما لمنع الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.
4- إسرائيل مطالبة بالكف عن ارتكاب الأفعال المنصوص عليها في المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، بما في ذلك قتل أعضاء الجماعة الفلسطينية، والتسبب في أذى جسدي أو عقلي خطير، وتعمد إلحاق أحوال معيشية تؤدي إلى التدمير الجسدي.
5- يجب على إسرائيل أن توقف إجراءاتها، بما في ذلك إلغاء الأوامر والقيود والمحظورات ذات الصلة، لمنع الطرد والتهجير القسري والحرمان من الوصول إلى الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية وتدمير حياة الفلسطينيين في غزة.
6- التأكد من أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أو الوحدات المسلحة غير النظامية أو الأإفراد المتأثرين به لا يرتكبون الأفعال الموصوفة في المطلبين 4 و5، واتخاذ خطوات نحو العقاب في حالة حدوث مثل هذه الأفعال.
7- يجب على إسرائيل اتخاذ تدابير فعالة لمنع تدمير وضمان الحفاظ على الأدلة المتعلقة بمزاعم ارتكاب أفعال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، وبما يضمن السماح لبعثات تقصي الحقائق والجهات الدولية بالوصول إلى غزة لهذا الغرض.
8- تقديم تقرير إلى المحكمة بجميع الإجراءات المتخذة لتنفيذ الأمر خلال أسبوع من صدوره، وعلى فترات منتظمة حتى صدور القرار النهائي في القضية.
9- يجب على إسرائيل الامتناع عن أي عمل قد يؤدي إلى تفاقم النزاع المعروض على المحكمة أو إطالة أمده أو يجعل حله أكثر صعوبة.
لماذا طلبت جنوب إفريقيا “تدابير مؤقتة”؟
التدابير المؤقتة تُمنح في ظروف خاصة لتجنب أي إجراء قد يؤدي إلى تفاقم النزاع أو اتساعه، في الوقت الذي تستمر فيه إجراءات المحكمة في المرحلة التالية، وهي تعادل تقريبًا الأوامر القضائية المؤقتة في المحاكم الوطنية (الإجراءات المستعجلة)، ولها الأولوية على جميع القضايا الأخرى المعروضة على محكمة العدل الدولية بسبب إلحاحها.
لذا، طلبت جنوب إفريقيا من المحكمة أن تأمر بتدابير مؤقتة في ضوء أعمال الإبادة الجماعية المستمرة والمتصاعدة التي ترتكبها إسرائيل.
القرار الأولي للمحكمة بشأن القضية
عقدت محكمة العدل الدولية جلسات استماع علنية، في 11 و12يناير 2024، بشأن الدعوى، قبل أن تصدر أوامر مؤقتة في 26 من الشهر ذاته، وهي:
– على إسرائيل، اتخاذ جميع التدابير لمنع الأفعال المحظورة بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية، واتخاذ إجراءات لضمان توفير الاحتياجات الإنسانية الملحة لقطاع غزة بشكل فوري.
وتشمل تلك الأعمال بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية قتل أعضاء جماعة ما وإلحاق أذى جسدي أو نفسي خطير بهم وتعمد الإضرار بالأحوال المعيشية بقصد تدمير الجماعة كليا أو جزئيا.
– على إسرائيل منع التحريض على الإبادة الجماعية في قطاع غزة، ومعاقبة كل من يحرّض على ذلك.
– على إسرائيل اتخاذ إجراءات للحفاظ ومنع تدمير الأدلة المتعلقة بارتكاب إبادة جماعية.
– على إسرائيل تقديم تقرير حول التدابير الآنفة الذكر للمحكمة خلال شهر من تاريخ صدور القرار.
جنوب إفريقيا تعود للمحكمة ثلاث مرات لإصدار تدابير طارئة جديدة
في 13فبراير 2024، قدمت جنوب إفريقيا طلبا عاجلا إلى محكمة العدل الدولية للنظر في قرار إسرائيل توسيع عملياتها العسكرية في رفح.
وطلبت من المحكمة تحديد ما إذ كان يتطلب أن تستخدم سلطتها لمنع المزيد من الانتهاكات لحقوق المواطنين في قطاع غزة، إلا أن المحكمة رفضت الطلب، لكنها شددت أيضا على أنه يتعين على إسرائيل احترام التدابير السابقة.
وقالت إن “الوضع الخطير في رفح يتطلب التنفيذ الفوري والفعال للتدابير المؤقتة التي أمرت بها المحكمة بتاريخ 26 يناير 2024، التي تنطبق على جميع أنحاء قطاع غزة، بما في ذلك رفح”. لكن “الوضع لا يتطلب الإشارة إلى تدابير مؤقتة إضافية” بشأن رفح، وفق المحكمة.
وأضافت المحكمة أن إسرائيل “لا تزال ملزمة بالامتثال الكامل لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية والأمر المذكور، بما في ذلك ضمان سلامة وأمن المواطنين في قطاع غزة”.
وفي 6 من مارس 2024، توجهت جنوب إفريقيا، من جديد إلى محكمة العدل الدولية، وطلبت فرض إجراءات طوارئ جديدة على إسرائيل، بسبب “المجاعة واسعة النطاق” التي تحدث نتيجة عدوانها المتواصل على قطاع غزة.
وقالت جنوب إفريقيا إنها “اضطرت للعودة إلى المحكمة في ضوء الحقائق الجديدة والتغيرات في الوضع في غزة، وخاصة وضع المجاعة واسعة النطاق” خلال العدوان المتواصل.
ونبّهت إلى أن طلبها قد يكون “الفرصة الأخيرة المتاحة لهذه المحكمة لإنقاذ الشعب الفلسطيني في غزة الذي يموت بالفعل من الجوع، والآن صار على بعد خطوة من المجاعة”، مستشهدة في ذلك ببيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا).
وفي 28 مارس 2024، أمرت العدل الدولية، إسرائيل، بضمان توفير مساعدة إنسانية عاجلة لقطاع غزة دون تأخير، مؤكدة أن “المجاعة وقعت” في القطاع الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي منذ 7أكتوبر 2023.
وأشارت المحكمة في أوامرها الجديدة إلى أنها لاحظت تدهور الظروف المعيشية الكارثية في قطاع غزة منذ 26 يناير 2024، في ظل الحرمان الواسع النطاق من الغذاء وغيره من الضروريات الأساسية، لافتةً إلى أن المواطنين في قطاع غزة لا يواجهون الآن خطر المجاعة كما هو مذكور في الأمر الصادر في 26 يناير، ولكن هذه المجاعة بدأت في الظهور.
وأوضحت المحكمة أن تدابيرها المؤقتة الصادرة في يناير 2024 “لا تعالج العواقب الناشئة عن تغيرات الوضع بشكل كامل…ما يبرر تعديل هذه التدابير”.
وأمرت المحكمة، بالإجماع، إسرائيل باتخاذ جميع التدابير اللازمة والفعالة لضمان التنفيذ الكامل دون تأخير وبالتعاون مع الأمم المتحدة، لإيصال الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها، بما في ذلك الغذاء والماء والكهرباء والوقود والمأوى والملابس ومتطلبات النظافة والصرف الصحي، وكذلك الإمدادات الطبية والرعاية الصحية للفلسطينيين في جميع أنحاء غزة، بما في ذلك عن طريق زيادة الطاقة الاستيعابية وعدد المعابر البرية وإبقائها مفتوحة.
كما أمرت المحكمة إسرائيل، بشكل فوري ضمان عدم قيام قواتها العسكرية بارتكاب أعمال تشكل انتهاكًا لأي من حقوق الفلسطينيين في غزة، كمجموعة محمية بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، بما في ذلك عن طريق منع إيصال المساعدات الإنسانية المطلوبة بشكل عاجل.
وأمرت المحكمة إسرائيل، بتقديم تقرير لها بشأن جميع التدابير المتخذة لتنفيذ هذه الأوامر خلال شهر من تاريخ صدورها.
وفي 16مايو 2024 تقدمت جنوب إفريقيا لمحكمة العدل الدولية بطلب جديد لفرض تدابير طارئة لوقف الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح جنوب، وسحب قواتها من كل القطاع.
وتريد جنوب إفريقيا من المحكمة أن تأمر إسرائيل بالوقف “الفوري” لجميع العمليات العسكرية في غزة، بما يشمل مدينة رفح التي باشرت عمليات برية فيها في 7مايو الجاري، رغم معارضة المجتمع الدولي.
الدول التي تدعم قضية جنوب إفريقيا لدى المحكمة
ولاقت الدعوى القضائية، التي رفعتها جنوب إفريقيا، أمام محكمة العدل الدولية، ضد إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، دعما وتأييدا عربيا ودوليا.
ومنذ صدور الأحكام الأولية، تقدمت عدة دول للتدخل في القضية باستخدام بند في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية يسمح لأطراف ثالثة بالانضمام إلى الإجراءات.
وكانت أولى الدول التي تقدمت بطلب رسمي إلى محكمة العدل الدولية نيكاراغوا يوم 23يناير 2024، تلتها كولومبيا في أبريل 2024، وبعد ذلك تقدمت ليبيا في 10 من مايو 2024، بطلب إلى المحكمة للتدخل في القضية المرفوعة ضد إسرائيل.
فيما أعلنت عدة دول نيتها للانضمام إلى جنوب إفريقيا في الدعوى، وهي: جزر المالديف في 13 مايو 2024، ومصر في 12 من الشهر ذاته، وتركيا في الأول من مايو، وايرلندا في 27 من مارس 2024، وأخيرا بلجيكيا في الشهر ذاته.
وفي الأول من مارس 2024 قدمت نيكاراغوا طلبا منفصلا لرفع دعوى ضد ألمانيا، متهمة إياها بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية و”تسهيل ارتكاب الإبادة الجماعية” من خلال منح إسرائيل “الدعم السياسي والمالي والعسكري”، لكن المحكمة رفضت في أبريل 2024، طلب اتخاذ تدابير طارئة ضد ألمانيا.
ما محكمة العدل الدولية؟
محكمة العدل الدولية أو المحكمة العالمية هي أعلى هيئة قانونية تابعة للأمم المتحدة، تأسست عام 1945 للبت في النزاعات بين الدول.
وتتعامل هيئة محكمة العدل الدولية المؤلفة من 15 قاضيا، مع النزاعات الحدودية والقضايا التي ترفعها الدول لاتهام أخرى بانتهاك التزامات معاهدة الأمم المتحدة.
وفي القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا، ضد إسرائيل، أضيف قاض يمثل إسرائيل في المحكمة نظرا لوجود قاض من جنوب إفريقيا.
ووقعت جنوب إفريقيا وإسرائيل على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية المبرمة عام 1948، ما يمنح محكمة العدل الاختصاص القضائي للفصل في النزاعات التي تشملها المعاهدة.
وبحسب المعاهدة فإن الإبادة الجماعية، هي: “الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية”، وتلزم جميع الدول الموقعة عليها ليس فقط بعدم ارتكاب الإبادة الجماعية، بل وبمنعها والمعاقبة عليها.
وفي سياق اتفاقية الإبادة الجماعية، تشترك جميع الدول الأطراف في الاتفاقية في مصلحة جماعية في منع أعمال الإبادة الجماعية وضمان عدم إفلات المسئولين عن هذه الأفعال من العقاب. والحجة الأساسية هي أن واجب منع الإبادة الجماعية والتصدي لها يتجاوز العلاقات الثنائية، ويشكل مسؤولية تجاه المجتمع الدولي برمته.
ما مدى إلزامية قرارات المحكمة؟