مع توقع رئيس الاستخبارات الإسرائيلية استمرار الحرب في قطاع غزة لعدة أشهر، تظهر في الأفق عدة تساؤلات تتعلق بإمكانية صمود المقاومة وإسرائيل مدة طويلة في الصراع.
“حماس” التي تحاصرها إسرائيل بقوة وتمنع دخول مواد الطاقة والغذاء والمياه لها، تملك من المؤن ما يوفر لها الاستمرار لمدة 4 أشهر -حسب تصريحات سابقة لـ”القسام”- ومن غير المعلوم كيف يمكن أن تستمر في القتال إذا ما استمرت المعارك لفترة أطول.
وتبقى التساؤلات قائمة حول الفترة التي يمكن لفصائل غزة معها الصمود في المعركة، وكيف يمكنها تدبير الطعام والشراب والدواء للجرحى، ولصالح من تصب المعركة الطويلة.
عوامل ضاغطة على الطرفين
اعتبر الدكتور أسامة دنورة، الخبير الاستراتيجي السوري، أنه وفقا لما نراه على الأرض، من طبيعة الصراع لا يبدو أن عوامل نقص الوقود والذخيرة عوامل ضاغطة على مقاتلي “كتائب القسام”، لعدة أسباب أبرزها أن عمل المقاومة لا يقوم على الاستخدام المكثف للقوى النارية والذخائر.
وقد ينطبق هذا على الصواريخ الموجهة للمواقع المدنية الإسرائيلية ردًا على القصف الإسرائيلي للمدن الفلسطينية والمناطق السكنية، ويبدو هذا الأمر واضحًا الآن، حيث لا تزال الرشقات الصاروخية مستمرة بعد مضي هذا الوقت الطويل على بدء العملية العسكرية.
وتابع دنورة: “الذخائر والوقود، في القصف المساحي وسياسة الأرض المحروقة هي ما تقوم به إسرائيل، لذلك نفاد الذخائر قد يعني إسرائيل أكثر من حركة حماس، التي تقوم على سيناريو حرب العصابات، عبر ضربات انتقائية على أسلحة مضادة للدبابات على أهداف منتقاة، رصاص قنص وليس استنزافا للذخيرة الفردية بمعايير مرتفعة”.
وأكد الخبير الاستراتيجي السوري أن “هذا الأمر يجعل المقاومة قادرة على الاستمرار لمدة طويلة، خاصة أنه في القطاع هناك بنية تصنيعية في مناطق آمنة نسبيًا ضمن الأنفاق لتصنيع عدد من مسلتزمات القتال والذخائر، الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وكذلك الوضع بالنسبة للاستشفاء، فالمشافي الفلسطينية لا ترفض استقبال جرحى من حماس لأن ذلك ضد منطق المهنة الطبية، والرسالة الإنسانية، لذلك هذا الأمر إلى حد بعيد، هناك قدرة على الاحتماء فيه، خاصة أن الحالة التنظيمية لحماس ليست بنية عسكرية نظامية، بالتالي لا يمكن عمليًا بسهولة التمييز ما بين المدني المصاب والمقاتل المصاب، خاصة إذا تطلب الأمر إخراجهم لعمليات طبية معقدة خارج القطاع”.
واستطرد: “عندما نتحدث بالصورة الاستراتيجية على العوامل الضاغطة زمنيًا، بكل تأكيد هذا المشهد استنزاف للطرفين، الذخائر العتاد والإمكانيات والأفراد، لكن لطالما وُصف الجيش الإسرائيلي بأنه طويل الباع وقليل النفس، بالتالي إضافة لهذه العوامل يجب أن نقرأ العوامل الضاغطة على الجيش الإسرائيل، حيث هناك ما يتعلق بالاستهلاك المفرط للذخيرة التي لا يمكن صنعها بنفس وتيرة الاستهلاك، حتى في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، حيث سحبت الذخائر من إسرائيل للجبهة الأوكرانية، بالتالي هذه الذخائر لا يمكن الاستمرار فيها بوتيرة الاستهلاك العالية”.
وأوضح دنورة ضرورة النظر لمستوى الخسائر البشرية المرتفع، حيث يذهب جنود إسرائيل لمناطق محفوفة بالمخاطر، والتواجد بعد ذلك في الساحات لفرض السيطرة الفعلية في الأبنية والمؤسسات والحواري الضيقة بدلا من التواجد خلف الدبابات، يعني مواجهة مباشرة مع عوامل الاستنزاف الحقيقية، وهناك وتيرة خسائر كبيرة في إسرائيل.
وفيما يتعلق بباقي عوامل الضغط، قال إن هناك استهلاكًا عاليًا جدًا للتأييد العالمي لإسرائيل، بالتالي شرعية الحرب والكيان بحد ذاته، يتعاظم باستمرار ويفقد الإسرائيلي الدعم في الشارع الغربي والأمريكي، والكثير من الدعم في الشارع اليهودي في دول الغرب، حتى على مستوى الحكومات الأشد دعمًا، مثل إدارة بايدن التي أصبحت تشعر بالضغط السياسي الناجم عن تأييدها المطلق للعملية العسكرية في غزة، مؤكدًا أن انحصار الدعم الدولي مربك للجيش الإسرائيلي.
إضافة إلى ذلك – والكلام لا يزال على لسان دنورة، هناك عوامل ضاغطة داخلية، خاصة ملف الأسرى، حيث لم ينجح الإسرائيلي في تحرير أي أسير إلا عن طريق المفاوضات، ويقتلون أسراهم في محاولات إنقاذ فاشلة، والخلاف حول المدى في استمرار الحرب، والاستنزاف الاقتصادي وزيادة معدلات الهجرة المعاكسة والهرب للخارج.
وقال إن عوامل الضغط زمنيًا كبيرة على إسرائيل، بدءًا من الاستنزاف في الموقف السياسي والعامل البشري، وصمود الجبهة الداخلية التي تتعرض للخسائر الاقتصادية، والناجمة عن إطلاق الصواريخ وإن كانت محدودة، والاستنزاف الناجم عن المواجهة مع المقاومة في جنوب لبنان، وعدم وضوح الرؤية لبعد الحرب بالنسبة لإدارة القطاع، كل هذا الأمر يجعل الموضوع مربكًا لمسار القتال، فلا يوجد قتال دون هدف استراتيجي.
وأكد أن المستقبل سوف يوضح عوامل القوة والاستمرار لدى أي طرف سوف يكون أقوى، مع احتمال أن يضطر الإسرائيلي لتغيير أهداف العملية أو إنهائها قبل أن تصل لأهدافها، وهذا سوف يخرج حماس منتصرةً وعلى إسرائيل وقتها الانسجام مع الوضع.
سيناريوهات استمرار الحرب
اعتبر العميد خالد حمادة، الخبير العسكري اللبناني، أنه لا يمكن التنبؤ بالمدة التي ستستغرقها هذه الحرب لعدة أسباب، أولها أن الجيش الإسرائيلي برغم التفوق الذي لديه في ميزان القوى غير قادر على حسم المعركة، بالرغم من انقضاء 70 يوميًا لا يمكن القول إن هناك مراحل قد تم إنجازها ومراحل لم يتم إنجازها.
وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”، العقيدة العسكرية الإسرائيلية والأهداف المعلنة هي غير قابلة للتحقق، والانتصار بالمعنى الإسرائيلي لا يعني شيئًا، انتشار الدبابات على مساحة أكبر في غزة بالرغم من الكمائن التي تتعرض لها والفدائح التي تتكبدها لا يعني أن هناك موقفًا عسكريًا يمكن لإسرائيل الاستناد إليه لفرض شروطها.
ويرى أن المسألة ليست فيما يتعلق بقدرة غزة ومقاتليها على الصمود، أو ما تملكه من الأسلحة والذخائر، وكذلك إسرائيل وما تملكه من قوة، وجاهزية أمريكا لمدها بالذخائر، هناك أكثر من عامل يجب وضعه في الاعتبار.
ومضى الخبير اللبناني قائلًا: “هناك بوادر لانفجار موقف إقليمي نتيجة هذا التجاهل الأمريكي لما يجري في المنطقة، موقف دولي يرتب على الدول الأوروبية ارتفاعًا في كلفة المعيشة، ووصول البضائع إليها عبر المنطقة الملتهبة، مع تجدد التعرض للسفن في البحر الأحمر، وارتفاع في أسعار النقل والمؤن، حيث تخضع أوروبا لحصار اقتصادي، وارتفاع في كلفة المعيشة، ما يجعل حكوماتها معرضة للخطر، وهو أمر لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية تجاهله.
وأكد أن الأمر يعتمد كذلك على قدرة الداخل الإسرائيلي على تحمل هذا النوع من النزف العسكري وهذا الإخفاق، والتحكم في المعركة، حيث هناك جهل في الميدان، وصعوبة في التصدي لنظام المعركة الذي تنفذه حماس، وإسرائيل تعلم أن المعركة الطويلة الأمد ستجلب المزيد من الدمار لغزة وتحمّل إسرائيل تكاليف لا يمكنها تحملها، وكذلك تكاليف سياسية وعسكرية وردات فعل على أمريكا.
وقال إن استمرار الحرب لفترة طويلة لا يتوقف عند مدى صمود حماس أو إسرائيل، في ظل الشروط التي تصب في صالح حماس، بل يتوقف على قدرة وقناعة أمريكا بأن تعرض ورقة سياسية تؤدي لوقف إطلاق نار ومباشرة عملية سياسية، وهو ما بدأ يتضح من خلال تحركات قطر ومسؤول الأمن القومي الأمريكي، وهو ما يمهد لموقف دبلوماسي قد يؤشر لنهاية للحرب بعيدًا عن المحاولات العسكرية التي لن تؤدي لشيء بالنسبة لإسرائيل.
توافر المواد والذخائر
في السياق ذاته، قال الدكتور أيمن الرقب، المحلل الفلسطيني، إن المقاومة في قطاع غزة كانت تتوقع أن تستمر الحرب كما يخطط لها الاحتلال لعدة شهور، ولديها المقدرة على الصمود لمدة عام منذ بدايتها، وهي تملك كل الإمكانيات والذخائر التي تمكنها من الاشتباك طوال هذه الفترة.
وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”، أمريكا في اليوم الأول من الحرب نصحت إسرائيل بعدم الدخول في حرب واسعة مع غزة وأن يتركوا للوقت أن يضعف المقاومة من خلال استنفاد قوتها في اشتباكات متفرقة في القطاع دون الدخول في المدن، لكن الاحتلال رفض ذلك وأصر على الدخول للعمق.
وقال إن إسرائيل ترى عدم إمكانية وقف الحرب دون تحقيق أهدافها التي لم يتحقق منها أي شيء حتى الآن، لذلك أعيدت فكرة إعادة انتشار الجيش في غزة، عن طريق السيطرة على محاور بعينها مثل معبر رفح والسيطرة على حواجز في غزة لفصل الجنوب عن الشمال، ومناطق الوسط.
وأوضح أن هذه التحركات من أجل القدرة على التحكم في حركة السكان والسماح بعودة جزء منهم لمنازلهم عبر هذه الحواجز في الفترة المقبلة، ويكون لديهم قدرة لتنفيذ الاغتيالات وتنفيذ مرحلة أشبه باللاسلم واللاحرب، وهو أمر يطول لسنوات وليس لشهور، معتبرًا أنها ستواجَه بالفشل، فعلى الرغم من وجود إسرائيل في قلب الضفة لم تستطع إنهاء المقاومة هناك، على اختلاف الأمر في قطاع غزة.
وفيما يتعلق بالغذاء والمواد الطبية، قال إن إسرائيل في حال إعادة تموضعها في القطاع وانتشارها مضطرة لإدخال هذه المواد للسكان بشكل طبيعي، لكنها قد تحتاج مستقبلا إلى وجود جهاز شرطي لتأمين الوضع، وستحتكم في البداية لنظام حكم عشائري وبعدها قد تضطر السلطة للتدخل وتولي الأمر من أجل مصلحة الشعب الفلسطيني.
وتفاقم الوضع الإنساني في غزة بسبب قطع إسرائيل للماء والكهرباء والوقود والتضييق بصورة كبيرة على دخول المساعدات الإنسانية، ما أدى إلى انهيار الأوضاع الصحية والإنسانية بصورة عامة.
ويواصل الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية في قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حينما أعلنت حركة حماس الفلسطينية بدء عملية “طوفان الأقصى”، حيث أطلقت آلاف الصواريخ من غزة على إسرائيل، واقتحمت قواتها بلدات إسرائيلية متاخمة للقطاع، ما تسبب بمقتل نحو 1200 إسرائيلي، علاوة على أسر نحو 250 آخرين.
وتخللت المعارك هدنة دامت لمدة 7 أيام، جرى التوصل إليها بوساطة مصرية قطرية أمريكية، وتم خلالها تبادل للأسرى من النساء والأطفال، وإدخال كميات متفق عليها من المساعدات إلى قطاع غزة، قبل أن تتجدد العمليات العسكرية، في الأول من كانون الأول/ ديسمبر الجاري.
وأسفر الهجوم الإسرائيلي على غزة، حتى الآن، عن سقوط أكثر من 18 ألف قتيل، غالبيتهم من الأطفال والنساء، فضلًا عن أكثر من 50 ألف مصاب.