على مائدة المصريين اليومية، تعد كرة القدم وجبة ترفيهية رئيسية، منذ تأسيس اتحاد كرة القدم المصري وبطولاته الرسمية، وعلى مدى عشرات السنين، تنافس أندية الكرة على البطولات وعلى انتشارها الجماهيري، فيما اقتنص قطبا الكرة المصرية الأهلي والزمالك نصيب الأسد من “التورتة الكروية”.
تجارب وتاريخ ولاعبون محليون ودوليون ومحترفون، لكن ظل هذا كله حكرًا على الرجال، لعبًا وتدريبًا وتشجيعًا، إلى أن بدأت تظهر في المشهد رواية جديدة، بأبطال جدد، هن فتيات اخترن أن يقتحمن عالم “كرة القدم”.
ومن خلال زيارة لمعسكر فريق مركز شباب الأميرية للسيدات، وهو وصيف كأس مصر ودوري السيدات المصري للمحترفات.
لاعبات مصريات يحلمن بالاحتراف في أوروبا
من “الرغبي” للساحرة المستديرة
ومن أعضاء الجهاز الفني للفريق، قالت “نور شلبي”، مدربة اللياقة البدنية: “منذ صغري وأنا أمارس رياضة عنيفة وهي رياضة “الرغبي”، وكان الجميع يقولون إن هذه اللعبة لا تصلح للفتيات، وبالنسبة لي استقبلت دعوتي لتولي منصب مدرب لياقة فريق الأميرية للسيدات بفرحة عارمة، حيث شعرت بأن المجتمع أصبح يتقبل وجود فريق من السيدات في رياضة كان الجميع يعتقد أنها حكر على الرجال، والآن كثير من الأندية تبحث تأسيس فريق لكرة القدم للسيدات، وهو أمر يسعدني أن يتم تحفيز الفتيات على ذلك”.
وتردف “نور”: “رأيي أن أي فتاة تريد ممارسة أية رياضة لكنها تخشى من رد فعل المجتمع، عليها أن تفعل ما تريد، ويجب على كل فتاة أن تعلم جيدًا أنه لا يمكن السماح لأي شخص أو أي تعليق سلبي بالسيطرة على حياتها، بل يجب أن تفعل ما يجعلها تشعر بالسعادة”.
قصة التدريب
ويلتقط أطراف الحديث “عمرو محمد فاروق”، المدير الفني للفريق ويقول إنه بدأ تدريب كرة القدم للسيدات في 2016، بعد اعتزاله لعب كرة القدم بعد أن لعب في صفوف قطاعات الناشئين بأندية الأهلي وأنبي ومنتخب مصر للناشئين أيضًا ولم يكمل مشواره الاحترافي.
ويضيف “حينها فكرت في الاختيارات الموجودة في مصر في مجال كرة القدم، فوجدت أن الثقافة الرياضية وخاصة كرة القدم في مصر لم تكن تتقبل فكرة وجود سيدات يلعبن كرة القدم بشكل احترافي، وهو ما حفزني لأبدأ تدريب السيدات، وكان هدفي هو تأكيد فكرة أن كل فتاة لديها حق راسخ في ممارسة أية رياضة تريدها”.
ثقافة مجتمع
ويقول “عمر عفيفي”، المدرب العام للفريق: “لعب السيدات لكرة القدم ليس اقتحاما وليس أمرًا جديدًا، فمصر بها نشاط كرة قدم للسيدات بشكل رسمي وبطولة دوري عام منذ ما يقارب 15 عاما، ولدينا أيضًا منتخب لكرة القدم للسيدات، بل أنه شارك في بطولات رسمية دولية، وأعتقد أن المجتمع يغفل ذلك، فلا توجد متابعة أو اهتمام بقطاع الرياضة النسائي وتحديدًا كرة القدم، لكن ثقافة المجتمع هي التي لا تتقبل ذلك”.
الرياضة النسائية في مصر تعيش أزهى عصورها
وأكد أن لعبة كرة القدم النسائية لا يوجد لها أية رعاة، واللاعبات يتحملن تكاليف اختيارهن لتلك اللعبة، والأندية أيضًا لا تحصل على أي مستحقات لدعم قطاع كرة القدم للسيدات، مضيفا “الحقيقة أنني لا أجد مانعا في أن يتم نقل مباريات دوري كرة القدم للسيدات على القنوات التلفزيونية الرياضية، وهو ما سيحقق عائدًا ماديًا جيدًا لتلك اللعبة، وحينها سنستطيع تطوير اللعبة”.
تنمر ذكوري
وتلقي لاعبة الفريق “بسمة محمد” بالضوء على ما تواجهه لاعبات كرة القدم من تعليقات وتقول “أسوأ التعليقات التي أتلقاها، تحدث دائمًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة من الأولاد، فكثير منهم حين أقوم بنشر صورة لي في إحدى المباريات يعلق قائلا ”احتفلي مثل الرجل واخلعي قميص الفريق للاحتفال بإحراز الأهداف في مرمى المنافسين”.
واختتمت “بسمة” حديثها قائلة “أحلم بأن يكون لي اسم كبير في كرة القدم النسائية في مصر مثل اللاعبة “إنجي عطية”، وأن أحقق شهرة واسعة يفتخر بها الجميع”.
حلم الاحتراف في أوروبا
أما أفضل التعليقات فتتلاقاها “مريم سيد” من تعامل المدربين معها ورفيقاتها ومحاولة تشجيعهن، فتقول “أحصل على دعم كبير طوال الوقت من المدربين، والحقيقة هناك تعليقات سلبية كثيرة، لكني لا ألتفت لمثل تلك التعليقات”.
تتابع “مريم”: “لا أنسى تعليقات الجميع على ممارستي رياضة الرغبي، فبعض الناس كانوا يقولون إن من تمارس تلك اللعبة العنيفة لا يمكن أن تكون فتاة أبدًا، والحقيقة أنا لا أركز مع تلك التعليقات”.
وأشارت إلى أنها تحلم بالاحتراف في أوروبا، وأن تخوض منافسات كأس العالم للسيدات مع منتخب مصر “أحلم بأن تجد تلك الرياضة اهتماما وتركيزا من جانب الدولة وأجهزتها المعنية، وأن يتم التعامل مع الفتيات مثل الرجال الذين يمارسون نفس اللعبة بشكل احترافي، حيث لا تشعر الفتيات بأي اعتراف من مجتمعهن بأنهن لاعبات محترفات، على عكس الرجال الذين يتخذون رياضة كرة القدم كوظيفة يحصلون منها على مرتب يعتمدون عليه بشكل أساسي”.
واختتمت حديثها برسالة لكل فتاة تريد أن تمارس أية رياضة قائلة: “لا تشعري بالخوف واسعي لحلمك”.
وخلال السنوات الأخيرة الماضية، قامت العديد من فرق كرة القدم المصرية بتشكيل فريق أول نسائي للاشتراك في الدوري الممتاز وذلك انطلاقا من قرار الاتحاد الأفريقي بضرورة تواجد فريق كرة قدم نسائية بجميع أندية الدوري.
والعام الماضي، بدأ مجلس إدارة الاتحاد المصري لكرة القدم مناقشات مع ممثلي بعض أندية كرة القدم النسائية، حول مستقبل اللعبة وتطويرها ونشرها بين الفتيات في مصر.
يشار إلى أن كرة القدم النسائية في مصر تأسست عام 1997، وبدأت أولى النسخ من بطولة الدوري عام 1998، وفاز فريق المعادن (جولدي) بأول نسخة من بطولة دوري كرة القدم النسائية.
وحاليا، يتكون الدوري المصري لكرة القدم للسيدات من 12 فريقا هم وادي دجلة (حامل اللقب 14 مرة بما في ذلك آخر 4 نسخ)، ومركز شباب الأميرية، والبنك الأهلي، وفيوتشر، وبيراميدز، وتوت عنخ أمون، والمعادي واليخت، ودلفي، والطيران، ومركز شباب المعمورة، وجمهورية شبين، والجونة.
وتوقفت بطولة دوري السيدات في الفترة بين 2003 إلى 2007 وجرى استئنافها لاحقا عام 2008، لكنها عاودت التوقف في موسم 2010/2011، قبل أن تعود بعدها بانتظام.
لاعبات مصريات يحلمن بالاحتراف في أوروبا
بدايات الشغف
في البداية قالت “بسمة محمد”، لاعبة فريق الأميرية للسيدات ولاعبة منتخب مصر: “بدأت ممارسة كرة القدم مع أصدقائي من الأولاد، وفوجئت بإحدى صديقاتي تنشر صورة لها على مواقع التواصل الاجتماعي وهي تلعب كرة القدم مع فريق من الفتيات، وأعجبت جدًا بفكرة إمكانية اللعب بشكل احترافي، فبدأت لعب كرة القدم النسائية”.
أما “مريم سيد”، فتقول: “كنت أمارس كرة القدم في المدرسة مع زملائي من الأولاد، ثم انضممت لفريق دار الدفاع، ومن خلال إحدى بطولات السيدات تعرفت على فريق الأميرية، وانضممت لهم منذ 7 سنوات “.