أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، أن “أي حل من الخارج للصراع الدائر في البلاد لن يصمد”، ما جعل الحديث عن المفاوضات الجارية في المنامة عاصمة البحرين غير مُجدي.
القائد العام للقوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان
ويرى مراقبون أن تصريحات البرهان أمام الضباط والجنود بعدم قبول الوساطات الخارجية لا يعدو كونها تصريحات للاستهلاك المحلي ولا تؤخذ على محمل الجد، في نفس التوقيت يرى آخرون أن البرهان رفض كل المبادرات السابقة ولا يرى إلا الحرب طريقا لهزيمة “الدعم السريع” دون النظر لموازين القوى على الأرض.
فما الأسباب الحقيقة وراء رفض البرهان لكل الوساطات والمبادرات الخارجية لحل الأزمة السودانية؟
بداية، يقول الكاتب والمحلل السياسي السوداني، عثمان ميرغني، إن “تصريحات الفريق عبد الفتاح البرهان برفضه الوساطات الخارجية لحل الصراع الذي تعيشه البلاد منذ أكثر من 8 أشهر يتناقض مع ما قام به الفترة الماضية”.
تصريحات متناقضة
وأضاف أن “البرهان هو الذي سعى بنفسه خلال الفترة الماضية لمبادرة منظمة “إيقاد”، كما زار دول المنطقة الأعضاء في المنظمة وطلب عقد اجتماع قمة وتمت الاستجابة لطلبه، كل ذلك يؤكد أنه من سعى لمبادرة الإيقاد، ثم قام بعد ذلك بتجميد عضوية السودان في المنظمة بصورة كاملة.
وتابع ميرغني: “هناك نوع من التناقض بين تحركات البرهان وتصريحاته، لكنني اعتقد أن مثل تلك التصريحات التي يتم الإدلاء بها عادة في المناطق العسكرية، فالخطاب هنا يكون للحاضرين أمامه أكثر من مخاطبة الحقائق والوقائع أو المجتمع الإقليمي والدولي”.
وأشار المحلل السياسي إلى أن “البرهان في خطابه الأخير استخدم اللغة الحماسية الرافضة للمبادرات والصلح والتسوية السلمية وليس خطاب استراتيجي وعملي يمكن الاعتداد به، في نفس الوقت كان هناك اجتماع بين نائبه مباشرة ونائب قائد “الدعم السريع” في البحرين قبل يوم واحد من تلك التصريحات”.
مفاوضات المنامة
وحول تطورات المشهد السوداني على الأرض بعد الخطاب التصعيدي من جانب البرهان، يقول عثمان ميرغني: “الشيء الذي يحدث الآن ولأول مرة منذ اندلاع القتال بين الجيش والدعم السريع هو المحادثات المباشرة في المنامة برعاية 4 دول عربية إضافة لأمريكا، وتلك المحادثات بحسب المعلومات تحقق تقدم ملموس سوى أن هناك بعض النقاط المختلف عليها، وأرى أن مسار المنامة التفاوضي الغير معلن بصورة كاملة هو الأقرب للوصول إلى اتفاق، والأفضل أن يكون هناك تسوية داخلية سودانية بين الأطراف السياسية والعسكرية معا”.
وأوضح ميرغني أن “اختيار البحرين للمفاوضات بين الجيش والدعم السريع ربما تم بالاتفاق بين الدول العربية الثلاث (مصر والإمارات والسعودية)، لأنه لا يمكن العودة لمنبر جدة، بل كان المطلوب تدشين مسار جديد، نظرا لحيادها ووقوفها على مسافة واحدة من كل الأطراف السودانية في الداخل، وهو مكان يمكن أن يقبله ويتفق عليه الجميع دون حساسيات”.
ولفت المحلل السياسي إلى أن “الفترة الأخيرة شهدت الكثير من المشاحنات بين البرهان وحميدتي، وتبادل الطرفان الكثير من العبارات الخشنة التي قد لا تسمح لهما أن يتفاوضا في وضع مناسب من أجل الوصول إلى اتفاق، لذا أرى أن الوصول لمساومة أو تفاوض بين نائبي الرجلين قد يكون الأفضل والأقرب، ثم بعد ذلك إذا ما تم التوصل إلى اتفاق يمكن على مستوى القمة أن يوقع البرهان وحميدتي”.
موازين القوى
وختم المحلل السياسي، عثمان ميرغني، تصريحاته بأن “موازين القوى على الأرض تغيرت بصورة واضحة لصالح الجيش، فالجيش الذي كان يدافع طوال الشهور الماضية هو الذي يهاجم اليوم، واستطاع أن يستعيد العديد من المناطق المهمة والحاكمة والتي كان الدعم السريع يسيطر عليها في العاصمة، تلك التطورات ربما هى التي تشجع البرهان على الحديث بصورة أكثر قوة ومحاولة رفع سقف المطالب والشروط التي يدخل بها إلى اتفاق السلام”.
خيار الحرب
من جانبه، يقول المحلل السياسي السوداني، يعقوب البشير، إن “الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني رافض لكل المبادرات سواء على مستوى الدول العربية أو الإقليمية أو الأفريقية، ما يعني أن خيار البرهان اليوم هو خيار الحرب، والنقطة الرئيسية التي يستند عليها أو يعمل لأجل تحقيقها، هي هزيمة “الدعم السريع”.
وأن “طموح البرهان لا يستند إلى الواقع على الأرض واختلال موازين القوى لصالح “قوات الدعم السريع”، أيضا لا يضع قائد الجيش أي اعتبار لمعاناة الشعب السوداني جراء تلك الحرب اللعينة”.
وأكد البشير أن “التصريحات الأخيرة للبرهان برفض الوساطات الخارجية لحل الأزمة والتي أدلى بها في أحد معسكرات الجيش لا يمكننا اعتبارها غير مقصودة أو للاستهلاك المحلي، نظرا لأن الخيار المطروح أمام البرهان هو خيار الحرب لهزيمة الدعم السريع وفق تصوره”.
وأوضح المحلل السياسي أن “المفاوضات الجارية في البحرين (المنامة) لن يكتب لها النجاح وسوف تلحق بمبادرات جدة والإيقاد، والدليل على أن هذا ما سيحدث هو تصريحات البرهان الأخيرة حول رفض الوساطات الخارجية رغم مشاركته فيها”.
وكان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، أكد أن “أي حل من الخارج للصراع الدائر في البلاد لن يصمد”.
وقال البرهان، في كلمة أمام ضباط وضباط صف، إنه “لا يمكن لأي جهة أن تفرض على السودان أي إجراءات”، مضيفا أن “المجلس لا يتحدث مع أي وسطاء، سواء في جوبا عاصمة جنوب السودان أو بالعاصمة المصرية القاهرة”، حسب وكالة الأنباء السودانية- سونا.
وتابع: “منظمة الإيقاد (الهيئة الحكومية للتنمية) من وجهة نظرنا لا تعنينا وغير معنية بالشأن السوداني”، متعهدا بـ”ملاحقة قائد التمرد (قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو) ومحاسبته، محملا إياه “المسؤولية على كل ما قامت به قواته من سرقة ونهب وقتل واغتصاب”.
وقال عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع، عيسى القوني، في وقت سابق أمس، في تصريحات لوكالة أنباء “العالم العربي”، إن “قائد الجيش عبد الفتاح البرهان قال هؤلاء الناس لا سلام معهم”، مضيفا أن “هذه التصريحات تفيد بأن الحرب مستمرة ولن تتوقف”.
وتابع: “نرى مستقبلا قاتما للسودان في وجود هؤلاء المجرمين، لكن نحن قادرون على القضاء عليهم ولن نترك فيهم واحدا إلا إن جنحوا إلى السلم”، مؤكدا أن “قوات الدعم السريع كان تعول على المفاوضات التي عقدت في جدة بالسعودية للتوصل لحل سلمي للأزمة السودانية”.
وواصل: “الجيش دائما يحاول خلق أزمات فوق الأزمات، ولا يوجد حل مع هؤلاء الناس؟ الحل الوحيد هو الحل العسكري، فهم لا يعرفون السلام، ولا يريدون السلام، كما أنهم هم من أشعلوا هذه الحرب”.
وتتواصل، منذ أكثر من 10 أشهر، اشتباكات عنيفة وواسعة النطاق بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مناطق متفرقة من السودان، تتركز معظمها في العاصمة الخرطوم، مخلفةً المئات من القتلى والجرحى بين المدنيين.
وظهرت الخلافات بين رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد القوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، للعلن بعد توقيع “الاتفاق الإطاري” المؤسس للفترة الانتقالية بين المكون العسكري والمكون المدني، في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، الذي أقر بخروج الجيش من السياسة وتسليم السلطة للمدنيين.
واتهم دقلو الجيش السوداني بالتخطيط للبقاء في الحكم، وعدم تسليم السلطة للمدنيين، بعد مطالبات الجيش بدمج قوات الدعم السريع تحت لواء القوات المسلحة، بينما اعتبر الجيش تحركات قوات الدعم السريع، تمردا ضد الدولة.
وتوسطت أطراف عربية وأفريقية ودولية لوقف إطلاق النار، إلا أن هذه الوساطات لم تنجح في التوصل لوقف دائم للقتال.