مقالات وأراء

لواء دكتور “سمير فرج” يكتب:الذكاء الاصطناعي … هل يدخل في العمل العسكري (3)

استعرضتُ في مقالين سابقين بعض مما يشغل متخصصي العالم، حالياً، عما إن كان الذكاء الاصطناعي سيدخل في العمل العسكري، والحقيقة أن العقد الأخير شهد تطوراً مذهلاً في التكنولوجيا، وتطبقاتها، مما أسهم، بشكل أساسي، في ابتكارات الذكاء الاصطناعي (AI)، وأعاد تعريف مفهوم استخدام القوات المسلحة لتلك التكنولوجيا المتطورة في المجال العسكري، بعدما صارت، الآن، جزءاً فاعلاً في مجالات مثل التعليم، والأنظمة اللوجستية، وهو ما بدأ يشكل صورة، أو نمط، عن مستقبل الصراعات العسكرية، وعن طبيعة الاعتماد على القدرات البشرية.

وفي هذا المقال، رأيت أن نناقش التحديات والأخطار المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، والتي يمكن تصنيف أهمها فيما يلي:

أولاً: الأخطاء النظامية، إذ يمكن أن تتسبب الأنظمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي إلى أخطاء جسيمة، خاصة عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات حاسمة، في ظل ظروف متغيرة، أو غير متوقعة، وفي ضوء غياب العقل البشري، القادر على تقييم المواقف، والتحلي بالمرونة في اتخاذ القرارات الحاسمة، وفقاً للمعطيات المتاحة. فالحقيقة أنه مهما بلغت دقة الضوابط الموضوعة، لتجنب الأخطاء، فلن تتمكن الأجهزة المعنية، مهما بلغت قدراتها، من متابعة كافة الأنظمة التي تستخدم هذا النوع الاصطناعي، الجديد، من الذكاء. ولتبسيط الصورة لغير المتخصصين، تصور لو وُكل للذكاء الاصطناعي تدمير هدف ما، وتمكن، بالفعل، من تتبع الهدف والتعرف عليه، في منطقة سكنية مكتظة بالسكان، فإن ذلك لن يُرجعه عن تنفيذ مهمته، التي قد ينجح فيها، مخلفاً وراءه خسائر بشرية لا تُقدر بمال.

أما ثاني التحديات فتتمثل في التحكم الأخلاقي، حيث يثير استخدام الذكاء الاصطناعي، في العمليات العسكرية، العديد من القضايا الأخلاقية، منها كيفية التأكد من اتباع الأنظمة الذاتية لقواعد القوانين الدولية وقوانين الحرب، والالتزام، وهو ما لم يتم الإجابة عنه، وتظل تلك الأسئلة مفتوحة وتتطلب حواراً عالمياً جاداً.

ويتمثل ثالث المخاطر فيما تؤديه التطورات المتسارعة، في مجال الذكاء الاصطناعي، من دخول الدول في سباق تسلح رقمي، حيث تسعى كل دولة للاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة لتتفوق على منافسيها، مما يزيد من احتمالات التوترات، والنزاعات العسكرية. وهنا يجب الانتباه إلى التداعيات الجوهرية للتسابق لأجل التسليح الرقمي، حيث إن وفرة البيانات لاستخدامات الذكاء الاصطناعي، قد يؤدي لاتخاذه قرارات خاطئة، فرغم كونها أرقام وبيانات حقيقية وسليمة، إلا أنها ليست، بالضرورة، من مُكنات صواب القرار. فقد يحدد الذكاء الاصطناعي هدفاً بناءً على إحداثيات، مؤكدة بالبيانات، إلا أن هذا الهدف يقع، مثلاً، في نطاق محطة نووية، وهنا لا يعد تدمير الهدف نجاحاً للذكاء الاصطناعي، بل كارثة كبرى.

يضاف لذلك رابع التحديات، وهو المخاطر السيبرانية، إذ تمثل الأنظمة العسكرية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي أهدافاً جذابة للهجمات الإلكترونية، فأي ثغرة أو اختراق في هذه الأنظمة قد يؤدي إلى عواقب كارثية. ومثال على ذلك ما قد يتخذه الذكاء الاصطناعي من قرار بتدمير قمر صناعي في الفضاء، اعتقاداً بأنه يُشكّل خطراً، بينما، في الواقع، يكون هذا القمرالصناعي منوط بتقديم خدمات للملاحة الجوية، وما يسببه تدميره من إرباك لحركة الملاحة الجوية.

ومع دخولنا القرن الحادي والعشرين، يُتوقع أن يشهد المستقبل مزيداً من التطور في مجال الذكاء الاصطناعي العسكري، بحيث يشمل عدد من العوامل، أهمها:

تفعيل تقنيات التعلم العميق، حيث سيستمر الذكاء الاصطناعي في التقدم نحو أنظمة أكثر ذكاءً وقدرةً على التعلم والتكيف، مما سيجعلها أكثر فاعلية في تنفيذ المهام العسكرية، إذ من الممكن أن يقلل من فترات التدريب المشترك، خلال التدريب، داخل الغرف الدراسية، بدلاً من تنفيذ تلك المرحلة من التدريب العملي عند وصول القوات نفسها إلى مكان التدريب.

كما يُنتظر أن يشمل التطور التكامل بين البشر والذكاء الاصطناعي، فقد يشهد المستقبل مزيداً من التعاون بين الجنود والأنظمة الذكية، مما يُحسّن من أداء العمليات العسكرية، مع تقليل الأخطاء البشرية.

ومع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، ستظهر الحاجة إلى تطوير استراتيجيات دفاع سيبراني قوية لحماية تلك الأنظمة من التهديدات والمخاطر المُتوقعة. وهو ما أظنه أحد أعقد المشكلات، فكلما تطورت التقنية العلمية، تطورت معها أساليب التغلب على الإجراءات المضادة. وصار الأمن السيبراني، الآن، يدخل في أدق التفاصيل، ولذلك من المتوقع أن يتم تعزيز برامج الحماية السيبرانية بالتزامن مع استخدام الذكاء الاصطناعي.

كما يُرجى من المجتمع الدولي الوصول لآلية لتطوير اتفاقيات، ومعايير، دولية، لضمان الاستخدام الآمن والأخلاقي للذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، نظراً لما قد يتسبب فيه هذا النظام الجديد من خروقات، سواء مقصودة أو غير مقصودة، لذا فمن الضروري سن قوانين دولية تمنع اندلاع أي شرارة لنزاع عسكري، ناتج عن أخطاء هذا النظام، كما ينبغي أن تُحدد هذه القوانين حدوداً واضحة لاستخدامه. ويكفي أن نشير إلى أن الفضاء الجوي العالمي لا زال، حتى اليوم، بلا قيود أو نظام عملي، فالأقمار الصناعية لكل دولة تسير في مدارات غير منظمة دولياً. وإذا تم استخدام هذا النظام الجديد دون ضوابط، فقد تمتد مشكلاته، بما يؤثر على سيادة كل دولة، دون وجود التزام بقواعد دولية موحدة.

في الختام، يمكن للذكاء الاصطناعي تحقيق ثورة حقيقية في عالم الدفاع والعمليات العسكرية، إلا أن تزايد إمكاناته بشكل غير مسبوق، يصاحبها بروز تحديات وأخطار، تتطلب مواجهة جماعية، عالمية، يضمن استخدام تلك التكنولوجيا بوعي وأخلاق، لضمان السلام والأمن للبشرية جمعاء..

 [email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights