تعليم و تكنولوجيا
ماهية علم الجينوم وقيمته في المجالات البشرية المختلفة

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً تناول من خلاله ماهية علم الجينوم، وفكرة إقامة مشروع الجينوم البشري، وأهمية مشروعات الجينوم البشرية والتسلسل الزمني للجهود التي تمت في إطارها، وقيمة علم الجينوم في الرعاية الصحية وأهم التطبيقات الطبية له، وواقع وتطور مشروع الجينوم المصري، والآفاق المنتظرة منه.
الجينوم البشري أحد أشكال الطب الدقيق الذي يربط بين العلاج والتشخيص والتركيبة الجينية للفرد
وأوضح مركز المعلومات أنه في ظل عالم يتطور بشكل ديناميكي على المستويات كافة، من حيث النمو السكاني وانتشار الأوبئة والأمراض المعدية والوراثية وكذلك التطور العلمي، أصبحت المعرفة المسبقة للأشخاص الأكثر عرضة لأمراض معينة دون غيرهم، وكذلك معرفة الأشخاص القابلين للنبوغ في مجال ما دون غيرهم، أمرًا ضروريًّا وغيرَ مستحيل، وذلك في ظل ظهور مشروعات الجينوم البشرية، التي تجمع كل المعلومات الجينية للكائن الحي التي يمكن توظيفها والاستفادة منها في جميع المجالات.
ولم تكن الدولة المصرية بعيدة ومنعزلة عن هذا العلم، بل بادرت للحاق بالركب العالمي في هذا المجال، وتطويعه لتحسين مستوى العنصر البشري المصري؛ حيث تسلَّمت وزارة الشباب والرياضة المصرية، يوم 29 أبريل 2024 أول دفعة من نتائج الفحص الجيني لمشروع الجينوم الرياضي الخاص بالرياضيين الأولمبيين المصريين المشاركين بدورة الألعاب الأولمبية باريس ٢٠٢٤، وذلك بهدف اختيار وتطوير أداء الرياضيين وفقًا للمسح الجيني لكل لاعب، بما يصب في صالح تحسين أداء الرياضيين ونقلهم لمستوى الاحترافية بفرص كبرى.
وفي هذا السياق، يُعرِّف العلماء الجينوم على أنه المخزون الوراثي الكامل للكائن الحي، والذي يشمل المعلومات المشفرة الكاملة عن تركيب الكائن الحي، ووظائف وطبيعة أداء كل جهاز وعضو به، إضافة إلى آليات نموه وتطوره، وقد صاغ هذا المصطلح هانس وينكلر Hans Winkler -أستاذ علم النبات في جامعة هامبورغ بألمانيا- عام 1920، بعد دمج كلمتي الجين (Gene) والكروموسوم (Chromosome)، ومع التقدم التكنولوجي والتفسيرات الجديدة لمادة الوراثة، تم توسيع “الجينوم” ليشمل جميع المواد الموجودة في النواة، ثم مجموع كل الجينات، ثم أصبح مفهومًا أكثر تعقيدًا ومركزية؛ مما أدى إلى ظهور مجال الدراسات المتنامي الذي يُشار إليه باسم “Omics”. ومن ثَمَّ ظهر علم الجينوم كأحد التخصصات الفرعية من علم الوراثة، والذي يُعنى بدراسة كامل المعلومات الوراثية المشفرة (الجينوم) في الكائن الحي، وطريقة عمل الجينات وتفاعل بعضها مع بعض ومع البيئة.
وبمعرفة المعلومات الجينومية يمكن إجراء مقارنة بين الكائنات الحية على المستوى الجيني لمعرفة أوجه التشابه والاختلاف والأهمية الوظيفية، وبالتالي يعطي الفهم الجينومي للأمراض فرصة كبرى لعلاجها؛ حيث يؤدي تفكيك شفرة المعلومات الكاملة في الجينات لأي كائن إلى رسم الخريطة الوراثية له، وبالتالي معرفة مسئولية ووظيفة كل جين من جينات المخزون الوراثي للكائن.
أشار التحليل إلى أنه في ظل إجراء الباحثين لدراسة شاملة للجينوم لمجموعة مختارة من الكائنات الحية، كانت الرغبة في معرفة الجينوم الخاص بالإنسان حاضرة بقوة، فشكلت الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم في عام 1988 لجنة خاصة لتطوير المشروع بالتعاون مع المعهد الوطني للصحة (NIH) الأمريكي. وتم تشكيل فريق دولي، للعمل معًا؛ لفك المحتوى الجيني الكامل للجينوم البشري؛ لرسم المخطط الأساسي المسئول، إلى حد كبير، عن كل السلوك البيولوجي البشري في حالات الصحة والمرض، وكذلك السمات الخارجية للإنسان وكفاءة وظائفه الجسدية.
وبالتالي، تُعد دراسة الجينوم البشري أحد أشكال الطب الدقيق الذي يربط بين العلاج والتشخيص والتركيبة الجينية للفرد، وكذلك العمل على التوقعات طويلة المدى لصحة الفرد فيما يسمى بالطب الوقائي. وبعد عدة مراحل، تمكَّن الباحثون في أبريل 2003، من إكمال أول تسلسل للجينوم البشري؛ حيث توصلوا إلى أن معظم السمات لدى البشر عبارة عن مزيج من التأثيرات الجينية والبيئية، وبعض الجينات المشفرة تُورث من الأبوين معًا، وليس بشكل مستقل، في حين أن جينات أخرى تُورث فقط من الأم، بينما الأخرى تنتقل فقط من الآباء إلى الأبناء. وباستخدام البيانات المجمعة، قدر العلماء أن الجينوم البشري يحتوي على ما بين 20 ألف إلى 25 ألف جين.
وأشار التحليل إلى أن فكرة إقامة مشروع الجينوم البشري نشأت عام 1984، خلال “قمة ألتا”، التي سلطت الضوء على الدور المتنامي لتقنيات الحمض النووي، وفي أبريل 2003، تم الإعلان عن اكتمال مشروع الجينوم البشري HGP. ولكن لم تتوقف جهود العمل على مشروع الجينوم البشري بعد عام 2003، حيث تم:
-في عام 2005 نُشِرت خريطة النمط الفرداني لأنماط التنوع الشائعة لدى البشر، بما في ذلك مكان حدوثها على الجينوم وكيفية توزيعها في مجموعات سكانية متنوعة حول العالم. وقد سهَّل ذلك من إنشاء روابط بين جينات معينة ومرض معين، حيث كشف العلماء معلومات حول الجينات المسببة للحالات الشائعة، مثل: السرطان، والسكري، وأمراض القلب والربو.
-في عام 2010، أُطلِق UK10K، بهدف تحليل الحمض النووي لكل 1 من كل 6 آلاف شخص في المملكة المتحدة، وقد كشف المشروع عن متغيرات جينية نادرة ذات أهمية في الظروف الوراثية البشرية. على سبيل المثال: حددت النتائج المنشورة في عام 2015 المتغيرات الجينية المرتبطة بمستويات الكوليسترول وصحة العظام.
-عام 2012، نُشِر دليل تشغيل الجينوم البشري، والذي كشف عن أن حوالي 80% من الجينوم الخاص بنا والذي كان يُعد سابقًا “حمضًا نوويًّا غير مرغوب فيه” هو في الواقع فعال، ولكنه لا يرمز بالضرورة إلى البروتين.
-عام 2018، دُشِّن مشروع تسلسل 100 ألف جينوم لفهم الدور الذي تلعبه الجينات في الصحة والمرض، من خلال تحديد تسلسل الجينومات من المرضى وعائلاتهم المصابين بالأمراض النادرة والسرطانات الشائعة، بحثًا عن الاختلافات الجينية التي قد تدعم المرض.
وقد أثبت المشروع قيمة علم الجينوم في الرعاية الصحية؛ حيث أدى استخدام تسلسل الجينوم الكامل في إحدى الدراسات إلى تشخيص جديد لدى 1 من كل 4 أشخاص كان من الممكن أن يتم إغفاله. كما قدَّم المشروع مجموعة من الجينومات المرجعية التي تم استخدامها خلال جائحة كوفيد-19 لفهم تأثير المرض على الجينومات لدى البشر.
-في عام 2022، أعلن الباحثون المشاركون في اتحاد التيلومير أنهم أكملوا تسلسل الـ 8٪ المتبقية من الحمض النووي الذي لم يتمكن مشروع الجينوم البشري من تسلسله، وأنتج الاتحاد أول تسلسل كامل للجينوم البشري، وقد استخدم الاتحاد تسلسل الجينوم المكتمل الآن كمرجع لاكتشاف أكثر من مليوني متغير إضافي في الجينوم البشري.
وقد استعرض التحليل أهم التطبيقات الطبية للجينوم:
-تقييم المخاطر والتشخيص واختيار العلاج ومراقبة الأمراض وتطوير الأدوية.
-تحديد العوامل المسببة للأمراض، ومراقبة العدوى والتحقيق في انتقالها داخل المجتمعات.
-تحديد السمات الوراثية المظهرية والوظيفية.
-ظهور مفهوم الطب الشخصي، وهو الطب المعني بتقديم العلاج الأكثر ملاءمة، والرعاية الفعالة، لكل المريض على حدة.
كما أحدثت معلومات تسلسل الجينوم البشري، التي تم تحليلها من خلال نظام يُسمى CODIS (نظام مؤشر الحمض النووي المشترك)، ثورة في مجال الطب الشرعي؛ حيث وضعت بعض الحكومات سياسة جمع عينات الحمض النووي من جميع المجرمين المدانين من أجل تسهيل التعرف على هوية المجرمين مرتكبي الجرائم المستقبلية في ظل اعتياد المجرمين تكرار جرائمهم.
مشروع الجينوم المصري في مرحلة المهد وسيحدث طفرة في كافة المجالات