أثارت عودة العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإيران في الوقت الذي تدور فيه الحرب الداخلية بين الجيش والدعم السريع مخاوف كثيرة لدى بعض القوى السياسية المعارضة في الداخل وبعض دول العالم، وخاصة أمريكا والغرب.
ما سر تلك المخاوف وما الذي يمكن أن تحققه طهران من وراء دولة تعاني من الصراعات والحروب وتعاني من أزمات داخلية كبرى تهدد كيان الدولة؟ وكيف تطمح إيران إلى تحقيق نفوذ في بلد يخضع لضغوط أمريكية وعقوبات منذ سنوات طويلة ولم تنته بالكامل حتى اليوم، رغم مرور سنوات على رحيل البشير؟
بداية، يقول الباحث الإيراني والمتخصص في الشئون الإقليمية والدولية، حكم أمهز، “إن ما يثار حول مخاوف من عودة العلاقات الإيرانية السودانية، ما هو إلا محاولة من قبل الذين يثيرون هذه المخاوف لتحقيق أهداف خاصة بهم، بمعنى أنهم يريدون أن يستخدموا إيران لتحقيق أهدافهم”.
أهداف خاصة
و”فإذا تحدثنا عن الجهات المعارضة لقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، على اعتبار أن العلاقات الإيرانية – السودانية عادت عن طريقه، وهو يعتبر الممثل المعترف به أو معترف بحكومته على المستوى الدولي، الأمر الذي دفع إيران للتعاطي مع الأمر وفقًا للاتفاقات الدولية، وبناء على ذلك أعادت بناء العلاقات مع الخرطوم”.
وتابع أمهز، “المخاوف التي تثار مقصود من ورائها إبقاء إيران عدوا للجميع و”البعبع” الذي يستخدم لتحقيق أهداف خاصة مرتبطة بأداة سياسية سواء كان على المستوى الداخلي السوداني أو على المستوى الغربي، وإذا تحدثنا عن الاستفادة الإيرانية من عودة العلاقات مع السودان، علينا مراجعة الواقع السوداني الحالي وحالة الحرب والانقسام الداخلي، وبالتالي لا أعتقد أنه يمكن لإيران أن تحقق أهدافًا مهمة من وراء تلك العلاقات وكيف يمكن لها أن تستثمر تلك العلاقات في بلد يعاني من حرب أهلية”.
وقال الباحث الإيراني، “في تقديري أن ما تهدف إليه إيران من وراء تلك العلاقات هو تحقيق الأهداف التي وضعتها حكومة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بوجوب إعادة فتح العلاقات مع الدول العربية والدول الإسلامية بشكل عام، وهذا ما تُرجم في العلاقات ما بين إيران والسعودية وبعض الدول العربية، والسودان كان واحدا من الدول التي قاطعت إيران بعد الاشتباكات التي حصلت ما بين السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتبع ذلك قطع العلاقات من قبل بعض الدول العربية مع إيران”.
غايات رخيصة
وحول ما يثار حول تزويد إيران الخرطوم بطائرات مسيرة يقول أمهز، “هذا الأمر ما هو إلا ذريعة لتحقيق غايات رخيصة في هذا السياق، لأنه ليس ممكنا أن تمد طهران الجيش السوداني بطائرات مسيرة ليقوم باستخدامها ضد المواطنين السودانيين في الحرب الداخلية الراهنة، هذا أمر مستبعد وفق اعتقادي، والحديث في هذا الأمر هو ذريعة غربية يتم تسويقها كما حدث من قبل وجرى الحديث عن تزويد إيران روسيا بطائرات مسيرة لاستخدامها في العملية العسكرية الخاصة مع أوكرانيا، الأمر الذي نفته كل من إيران وروسيا وأوكرانيا حتى الآن، ولم تستطع تقديم أي دليل على أن تلك الطائرات إيرانية، رغم عقد اجتماع وحيد بين الإيرانيين والأوكرانيين ولم يقدموا أدلة على ذلك ولم يحضروا الاجتماع الثاني الذي تم تحديد موعده في وقته بناء على أوامر، إن صح التعبير، من الولايات المتحدة الأمريكية”.
الواقع المؤلم
وأشار الباحث الإيراني إلى ما يجري اليوم حول السودان بعد عودة إثارة المخاوف من العلاقات السودانية الإيرانية، وتحديدا العلاقات الإيرانية مع عبدالفتاح البرهان، والأمر الآخر الذي يحاولون إثارته أن السودان لديه موقع على البحر الأحمر، وبالتالي يمكن لإيران أن تستفيد منه، والرد: كيف يمكن لإيران أن تستفيد من ذلك في ظل الواقع القائم؟ فهل ستذهب إيران وتنشئ قواعد عسكرية في تلك المنطقة؟ أعتقد أن الأمر لا يتعدى إثارة الغبار والذرائع في إطار الحملة الدولية الكبيرة سواء كانت من الغرب أو غير الغرب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والأمور تسير في إطار الحرب المستمرة من قبل الغرب والولايات المتحدة الأمريكية على إيران.
النفوذ الأمريكي
وأكد الباحث الإيراني أن الولايات المتحدة الأمريكية هي من تمتلك النفوذ في السودان، الذي يقع تحت ضغوطها وليس إيران، بدليل أن السودان قطع العلاقات مع إيران، علاوة على الضغوط التي مورست على السودانيين من قبل الأمريكيين وغيرهم، مما أدى إلى موافقة الخرطوم على التطبيع مع إسرائيل، وهذا يعني أن التأثير والنفوذ الكبير جدا هو للولايات المتحدة الأمريكية، وهي من فرضت على السودانيين الاعتراف بإسرائيل من أجل رفع العقوبات المفروضة على السودان.
العلاقات السابقة
في المقابل، يقول السياسي السوداني، وليد علي، لابد من الإشارة إلى أن السودان قد أسس علاقات غير مسبوقة في إفريقيا مع إيران خلال التسعينات على الصعيد الاقتصادي والعسكري، وقد قدمت إيران السودان تكنولوجيا تصنيع ساهمت في تطوير الدفاعات العسكرية للسودان بشكل كبير.
وكانت مسألة قطع العلاقات بين السودان وإيران بصورة مفاجئة من قبل نظام البشير خطوة غير مدروسة ومتسرعة، لأنها أفقدت السودان ميزة أن يكون وسيطًا جيدًا وملطفًا للإحتقان الذي ينشأ كل فترة، والأخرى بين إيران ودول الخليج، بل حتى بين إيران والدول التي ترتبط مصالحها مع البحر الأحمر بشكل عام.
مخاوف غربية
وتابع علي، تأتي المخاوف الآن من عودة تلك العلاقات بإعتبار أن البحر الأحمر حاليًا هو مياه مشتعلة وساخنة جدًا بالنزاع والإضطراب، وقد يتخوف الغرب والخليج العربي من احتمال تمدد إيران على الساحل الغربي للبحر الأحمر، إذ أن السودان لديه 800 كيلومتر على البحر الأحمر، وتمتاز بموانئ طبيعية عديدة تسمح برسو بواخر ومراكب كبيرة دون أي تدخل بشري، وقد تم استخدامها في العديد من الأزمات خلال القرن العشرين والتاسع والثامن عشر، ولذلك فإن هذه المخاوف لها ما يبررها تمامًا حسب الشواهد التاريخية لهذه السواحل.
وأشار السياسي السوداني، لنا، إلى أن نتخيل ما يمكن أن تفعله أي قوة تتحرك بدون موانع على سواحل منفتحة مثل هذه، وفي ظل الأزمة اليمنية وتصاعد التوتر بسبب اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال والاحتشاد العسكري الأمريكي الأوروبي قد يتسبب بدخول إيران بالعديد من الأزمات، إذا لم تحسن حكومة السودان إدارة هذا الملف بحكمة وحنكة تجنبها الانزلاق والغرق في هذه المياه المشتعلة أصلا.
أكد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، خلال لقاء مع نظيره السوداني، علي الصادق، في طهران قبل أيام، أن “إعادة فتح سفارات بلديهما تعد خطوة مهمة في تطوير التعاون المشترك بين البلدين”. وجاءت تصريحات عبد اللهيان، خلال زيارة الصادق إلى طهران، لإجراء محادثات رفيعة المستوى، تعد الأولى منذ إعلان السودان، في شهر أكتوبر الماضي، عن استعادة العلاقات مع إيران، وفقا لوكالة أنباء “إرنا” الإيرانية.
وقال وزير الخارجية الإيراني، لنظيره السوداني، خلال اجتماعهما، إن “وجود الوفد السوداني في طهران، يظهر الإرادة الجادة لدى كبار المسئولين السودانيين، لتعزيز وتطوير العلاقات مع إيران”، وأضاف أن بلاده ملتزمة أيضا بتطوير العلاقات مع السودان، بحسب قوله.
ونوه عبد اللهيان، كذلك بتوفر الطاقات والتجارب القيمة في المجالات الصناعية والخدمات الهندسية والتقنية الحديثة والصحية والعلاجية لدى إيران، وكذلك استعدادها لنقل هذه التجارب بهدف توسيع وتطوير السودان.
ومن ناحية، أعرب وزير الخارجية السوداني، علي الصادق، عن أسفه لانقطاع العلاقات الدبلوماسية بين طهران والخرطوم، في عام 2016، وأعرب عن رغبة بلاده الجادة في استعادة العلاقات الثنائية وتوسيعها.
وأعلنت الحكومة السودانية، في أكتوبر 2023، استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران، منهية بذلك قطيعة دبلوماسية بين البلدين استمرت نحو 7 سنوات.