Site icon مصر 30/6

مرض نفسي يصيب مهاجرين عربا بألمانيا

مرض نفسي

“إنهم يخططون لقتلي”… مرض نفسي يصيب مهاجرين عربا ب ألمانيا ومتخصصون يحذرون: يقود المرضى لإنهاء حياتهم

ربما ستصاب بلحظات صدمة مع بعض علامات الذهول مع الاستماع إلى كلمات شباب عرب ضحوا بالغالي والنفيس في أوطانهم في سبيل هجرة إلى الأراضي الألمانية، قبل أن يتسلل اضطراب الاضطهاد الوهمي إليهم مسيطراً على تفكيرهم بأن هناك من يخطط لقتلهم.

يصف مرضى اضطراب الاضطهاد الوهمي من المهاجرين العرب في هذا البلد الأوروبي ما يتخيلونه في أذهانهم بأنها محاولات لاستهداف أرواحهم، فيشعرون بأن هناك من يلاحقهم، وهم ضحية لشبكة كبيرة ترغب في اغتيالهم، ولهذا ينعزلون ويرفضون التواصل مع الناس.

“اندبندنت عربية” فتشت عن قصص مهاجرين عرب يعانون مرض اضطراب الاضطهاد الوهمي، للوقوف على الأسباب التي تقف وراء ذلك وتكشف أعراضه.

“أشك في الجميع”

لم يكن كريم يعتقد أنه عوضاً من أن ينشغل في تحقيق حلمه في ألمانيا ومواصلة دراسته في مجال الصيدلة، سيعاني الشاب العربي البالغ من العمر 23 سنة من مرض نفسي مزمن، يجعله يفقد جميع أصدقائه ويتخلى عن دراسته.

يروي الشاب العشريني الذي يعيش في مدينة فرانكفورت الألمانية عن طبيعة مرضه فيقول، “إنه شعور غريب، تتخيل أن هناك مجموعة من الناس تلاحقك في كل مكان، وتخطط لقتلك.”

في الأشهر الماضية، أصبح القلق والخوف لدى كريم من أن يتم قتله يزداد بشكل كبير، وهنا يحكي “كلما حاولت عدم التفكير في تلك الصور، تبادرت إلى ذهني أكثر بشكل مكثف. أصوات وصور وأتخيل بأنهم ينظرون إلى في كل مكان، لقد أصبحت أشك في الجميع حتى في أفراد أسرتي، عانيت من أعراض جسدية مثل خفقان القلب والدوخة والغثيان”.

اكتشف كريم أنه مصاب بمرض نفسي مزمن بعدما اتهم إحدى زميلاته في الجامعة بأنها أيضاً من المجموعة التي تلاحقه، فيقول “كنت قررت البقاء في البيت وعدم الذهاب إلى الجامعة، واتصلت بي زميلتي تسأل عن صحتي، فشعرت أنها لم تكن ترغب في معرفة وضعي الصحي بل تتجسس علي، غضبت منها وشتمتها واتهمتها بأنها تنتمي لتلك المجموعة التي تلاحقني لقتلي”.

وتابع، “لم أكن حينها أفكر بشكل عقلاني لقد كانت تلك الأوهام تجتاحني. بعد انتهاء المكالمة شعرت بأني في وضع صعب، لم أعد قادراً على التحكم في تلك التخيلات التي تصور لي أن جميع الناس مجرمون يستهدفونني، لقد شعرت بأنه ينبغي أن أتعالج بشكل عاجل لأنني سأدمر حياتي.”

“شبكة تلاحقني”

وبينما نجح كريم في التوجه للعلاج النفسي، ما زالت سميرة وهي مهاجرة عربية في ألمانيا ترفض العلاج، وتعتبر أنها بالفعل مستهدفة، ويحكي خالد شقيقها (23 سنة) عن معاناة أخته البالغة من العمر 25 سنة، “جئنا معاً إلى ألمانيا لأجل التكوين المهني، هي كانت تعيش في مدينة غيسن وأنا في فرانكفورت، في البداية كانت شخصيتها طبيعية تدرس بكل جد وسعيدة بقدومها إلى هنا، لكن بعد عام من إقامتها أخبرتني أنها تشعر باكتئاب شديد وحزن وتفضل البقاء بمفردها في الغرفة، كما أنها لم تعد نشيطة كما عهدتها.”

اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف خالد، “عزلتها جعلتها تصبح أكثر قلقاً وخوفاً، وفي إحدى المرات اتصلت بي تخبرني بأن هناك من يلاحقها ويرغب في قتلها، وأن من يتشاركون معها في السكن هم أيضاً من هذه المجموعة. أنا حينها لم آخذ الموضوع بجدية، اعتقدت أنها فقط تبالغ، لكن بعد أشهر قليلة ستخبرني أنه لم تعد ترغب في الذهاب إلى التكوين المهني لأن الجميع يسعى لتدميرها”.

بدأ خالد يشك في وضع أخته التي رفضت الدراسة وتشعر أن هناك شبكة تلاحقها في كل مكان وترغب في قتلها، في هذا الصدد يقول المتحدث ذاته، “تغيرت صحة أختي كثيراً، وأصبحت تحكي لي عما تتخيله، كنت أتمنى أن تستغل فرصة وجودها وتواصل دراستها، لكنها ترفض الدراسة وتشعر بأنها مستهدفة من الجميع.”

“شعور بأن الناس يعملون ضدك”

عن طبيعة المرض، يقول المحلل النفسي رشيد المناصفي وهو أيضاً متخصص في علم الإجرام بالسويد رصد لسنوات طويلة حالات مشابهة بين المهاجرين العرب في الدول الأوروبية، “إن هذا النوع من الأمراض يطلق عليه اضطراب الاضطهاد الوهمي أو اضطهاد الشخصية الوهمية، وهي حالة نفسية تجعل الفرد يشعر بأن الآخرين يراقبونه أو يتآمرون عليه.”

يعزو المحلل النفسي أسباب هذا النوع من الاضطرابات إلى عوامل مختلفة، “منها التوتر النفسي والصراعات الداخلية وأيضاً التجارب السلبية والتشوهات في التفكير وأيضاً العوامل البيئية والثقافية.”

وبحسب المناصفي فإنه من أعراض هذه الاضطرابات، “هو الشعور أن الناس يعملون ضدك دائماً، وتشك في كل شيء، القلق الشديد والعزلة الاجتماعية والشكوك.”

ولماذا يصاب مهاجرون عرب باضطراب الاضطهاد الوهمي، يجيب المحلل النفسي، “هناك عدد من الأسباب من بينها تجاربهم السابقة مع الاضطهاد في بلدانهم، لا سيما أن هناك من قدموا من الحرب ومن المشكلات الاقتصادية وأيضاً الاجتماعية وهناك من لديه تخوف من المستقبل.”

ضغوط العائلة

ومن الأسباب أيضاً يذكر المناصفي، “أن هناك من يهاجر ولديه أحلام وتصورات عن الهجرة وعندما يصل إلى أوروبا يجد أنه من الصعب تحقيق تلك الأحلام وهذا ما يتسبب لبعضهم بصراعات نفسية. وهناك فئة أخرى تحتال على النظام الاجتماعي للبلد المستضيف وتستفيد من المساعدات وترفض العمل وعلى رغم احتيالها على الدولة فهي تعيش أيضاً صراعاً نفسياً”.

يقول المتخصص في التحليل النفسي، “إن ضغوط العائلة في البلد الأم على المهاجر ومطالبته بإرسال المال، وأيضاً العزلة الاجتماعية وفشل البعض في تعلم اللغة والتعرف إلى المجتمع الذي يعيشون فيه.”

عدم العلاج والانتحار

ويحذر رشيد المناصفي من خطر عدم علاج مرض اضطراب الاضطهاد الوهمي لأنه يمكن أن يقود المريض للانتحار، وتزداد حالته النفسية تدهوراً ويمكن أن يهدد الناس الآخرين.

يشار إلى أن أول من صنف هذا النوع من الأمراض النفسية في القرن التاسع عشر هو إميل كريبلين، وهو طبيب نفسي ألماني، ووصف هذا المرض بأنه الاضطرابات القائمة على معتقدات وهمية واضطراب الشخصية المذعورة.

وبحسب مجلة spektrum المتخصصة في العلوم فإن المصابين باضطراب الاضطهاد الوهمي، “يشعرون أن لديهم عدواً يسعى إلى قتلهم، وغالباً ما يهاجمون الناس لأجل الدفاع عن أنفسهم، وهم أكثر ميلاً لإلقاء اللوم على الآخرين، ولديهم اعتقاد أن الآخرين يتآمرون ويفعلون عمداً كل شيء ضدهم ولديهم الخوف غير العقلاني من أن هناك من يلاحقهم.”

وينبه أيضاً إلى “أن العلاج النفسي لهذا المرض يتم من طريق العلاج السلوكي المعرفي أو بالأدوية، وأن العلاج السلوكي المعرفي يمكن أن يساعد في تغيير الأفكار السلبية، من خلالها يتعلم المريض استراتيجيات التعامل مع الأفكار السلبية المرتبطة بالاضطهاد الوهمي”.

ويشدد المناصفي على أهمية الدعم الأسري للمريض وأيضاً استفادته من العلاج النفسي وحصص التدريب على التعامل مع هذه الأفكار والتخيلات السلبية.

Exit mobile version