معاناة كبيرة تواجهها المطلقات في مصر مع أطفالهن من ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ أنه في العديد من الحالات تُطرد هؤلاء النساء من الشقة الزوجية، ولا يُلزم الأب بدفع إيجار مسكن جديد طالما أن الأطفال اختاروا البقاء مع والدتهم بعد انتهاء سن الحضانة، لتُصبح الأم مع أطفالها بلا مأوى في وقت يعيش غالبيتهن طوال سنوات الزواج من دون عمل لرعاية أطفالهن المرضى.
ويسلّط موقع CNN بالعربية الضوء على حالات نساء مصريات قام أزواجهن بطردهن من مسكن الزوجية، بصحبة أطفالهم الذين ما زالوا في سن الحضانة، بطريقة اعتبرتها تلك النساء مخالفة للقانون.
ورغم لجوء بعضهن للقضاء، إلا أنهن لم يحصلن إلا على مبالغ زهيدة لم تتخط نفقة الـ800 جنيه مصري شهرياً للطفل الواحد أو ما يعادل 25.89 دولارًا، وهو مبلغ لا يغطي الاحتياجات الأساسية للمرأة وطفلها.
تزوجت هاجر التي تبلغ من العمر 31 عامًا، وأنجبت طفلين، وهي تعمل بقسم مبيعات في إحدى الشركات الخاصة منذ عام 2017.
ولكنها طُردت من منزلها بعد 20 يومًا من إنجاب طفلها الأصغر إبراهيم في أبريل 2020، واستحوذ زوجها، الذي لم يطلقها رسميًا على مسكن الزوجية.
تروي هاجر قصتها المأساوية، قائلة: “قام زوجي ووالدته بطردي من شقة الزوجية، مع طفلتي التي لم يتخط عمرها الأربعة أعوام، ورضيعي الذي يعاني من مرض التوحد، في الوقت الذي كنت أعاني فيه من حمى النفاس“.
وأضافت أنه “بعد التعافي، عدت إلى عملي، وأصبحت أنا الأم والأب لطفلي، واضطررت إلى استئجار شقة صغيرة للعيش فيها معهما وسط معاناة اقتصادية حادة، جعلتني لا أستطيع التوجه بصغيري لطبيب خاص، وأعتمد على المستشفيات الحكومية”، لافتة إلى أن المحكمة حددت مبلغ تعويضي يتمثل بنفقة وإيجار مسكن لصالحها مع طفليها تبلغ قيمتهما ما يُعادل 32.36 دولارًا، بينما تُنفق هاجر على طفليها شهريًا ما يعادل الـ 258.86 دولاراً، بحسب قولها.
وذكرت آخر نشرة زواج وطلاق صدرت عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر لعام 2021 أن العدد الإجمالي لأحكام الطلاق النهائية بلغ 11,194 حكمًا، ويتصدر الخلع المركز الأول في أسباب الطلاق بـ9197 حكمًا.
في هذا السياق، تُوضح رئيسة تكتل “المحاميات المصريات” لحقوق المرأة هبة عادل، أنه “يحق للزوجة التي طُرِدَت من شقة الحضانة رفع دعوى تمكين للوحدة السكنية، طالما أنها ما زالت حاضنة للأطفال”، موضحة أن “التمكين لا يعني ملكيتها للمسكن، لكنها حيازة وإقامة مؤقتة”.
تضيف عادل أنه “وفقاً للقانون، بعد انتهاء سن الحضانة، يُخَيَّر الأولاد أمام القضاء بالبقاء مع والدتهم أو والدهم، وفي حال وجود تقارير طبية تثبت إعاقة الطفل، فإن هذا كفيل بإثبات حاجته لرعاية خاصة قد تكون الأم قادرة عليها او غير قادرة في حالة وجود عوارض تحول دون ذلك”.
أما إيناس التي تبلغ من العمر 38 عامًا، فقد شاء القدر أن تُولد وهي مصابة بالعظام الزجاجية ما يعيقها عن العمل والحركة. ويُعرف المرض بأنه مجموعة من الاضطرابات الجينية التي تؤثر في تكون العظام منذ الولادة، مما يسبب هشاشتها وسهولة تعرضها للكسر.
لم تعلم إيناس أن زواجها في عام 2017 سيُسفر عن ولادة طفلتها وهي تعاني من الإصابة بالمرض ذاته، إذ تقول: “انفصلنا بعد 7 أشهر من الزواج، لم يعر (زوجي السابق) طفلته البالغة من العمر 4 سنوات ( الآن) أي اهتمام منذ ولادتها“.
حددت المحكمة مبلغًا يقرب من قيمة الـ 25 دولارًا كنفقة لطفلتها وبدل إيجار مسكن لإيناس، في وقت تُنفق فيه ما يعادل الـ 194.15 دولاراً شهريًا كنفقات علاج، ورعاية لطفلتها، وإيجار مسكن.
ورغم كل ما مرّت إيناس به، إلا أنها لا يمكن أن تنسى كلمات طليقها لها بعد ولادة طفلتها، قائلا: “ابنتك لا تعنيني في شيء، إيه القرف ده”، في إشارة منه لحالتها الصحية.
في هذا السياق، تُوضح استشارية الأمراض الوراثية والتمثيل الغذائي بجامعة الزقازيق في مصر وسام عبد المنعم، أن الأمراض المسببة للإعاقة الأكثر انتشاراً في مصر هي متلازمة داون، وضمور العضلات، والشلل الدماغي، والتوحد، وأمراض التمثيل الغذائي، وفرط الحركة، وتشتت الانتباه، وكلها تندرج تحت الأمراض النفسية والعصبية، لافتة إلى أن “التوحد أكثرها انتشاراً، حيث يحتاج الأطفال للمتابعة والدعم الطبي“.
وتشير عبد المنعم إلى أن “هؤلاء الأطفال يحتاجون للدعم غير المحدود والاستقرار الأسري والنفسي، في وقت قد تواجه الأم بعض المعوقات مثل بعد مراكز التخاطب وتنمية المهارات، وعدم السيطرة على طفلها بمفردها، بخلاف الأعباء المادية والأسرية الأخرى تجاه أطفالها الآخرين“.
مأوى على كف عفريت
تولت ابتسام رعاية حفيدها من ذوي الاحتياجات الخاصة مع ابنتها أشجان التي انفصلت عن زوجها في عام 2016، بالخلع.
تقول ابتسام: “لم يتخط حفيدي العامين حينذاك، حددت المحكمة مبلغ 800 جنيه مصري (ما يُقارب 25 دولارًا) كنفقة وعلاج له من والده، في وقت تبلغ كلفة علاجه ما يتجاوز الـ 4000 جنيه شهرياً (حوالي 130 دولارًا)“.
وأضافت: “يعيش الطفل في شقة خاله حالياً، وقد بلغ من العمر الـ9 سنوات، حيث نقوم برعايته بسبب إصابته بالشلل الدماغي“.
قانون تقاسم الثروة
وتطالب نرمين أبو سالم، من مؤسسة جروب “أمهات مصر المعيلات”، لدعم وتمكين الأم المعيلة، بزيادة الحد الأقصى لصرف النفقات المحددة من قبل المحاكم، وتحديد النفقة كنسبة مئوية من دخل الزوج، لافتة إلى أن النفقة التي تحددها المحاكم لا تتماشي مع الأوضاع الاقتصادية الحالية.
وتعتبر أبو سالم أن تطبيق قانون تقاسم الثروة بين الأزواج في مصر إسوة بالخارج بمثابة الحل، خاصة للمرأة كي تستطيع أن تعيش حياة آمنة مستقرة نوعا ما في حال طلاقها وحضانة أطفالها.
ووفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، فقد تزايد عدد حالات الطلاق خلال الفترة بين العامين 2002 و2021 من 71192 حالة، إلى 254777 حالة، فيما ارتفع المعدل من 1.1 إلى 2.5%.
من ناحية أخرى، ترى عادل أن النفقة يجب أن تُحدد بنسبة 40% من إجمالي الدخل الشهري للزوج، ولا تتجاوز الـ50% في حال تعددت النفقات، وتلزم السيدة بتقديم ما يثبت الدخل الشهري لطليقها من خلال المستندات الرسمية، إذ أن غالبية الأزواج يتهربون من دفع المستحقات، معتبرة أن القانون لا ينص على امتيازات إضافية للطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث أن الأب ملزم بنفقات طفله المريض، وتُرفع دعوى مستقلة بالعلاج بعيداً عن دعوى النفقة، وتُسمى بدعوى نفقة علاجية.
ومن جانبها، تقول الأمين العام السابق للمجلس القومى للمرأة والعضو السابق في مجلس النواب مارغريت عازر: “ناقشنا سابقاً اقتراح تقاسم الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة ووالدته شقة الحضانة مدى الحياة وإدراجه بقانون الأحوال الشخصية الجديد، واقترحنا تخصيص وحدات سكنية بالمدن الجديدة للمطلقات غير الحاضنات ممن طلقن في سن متقدمة ولا يملكن مأوى، وضرورة إدراج تلك المادة بقانون الأحوال الشخصية الجديد”.
أما دينا الجندي، عضو لجنة المشاركة السياسية بالمجلس القومي للمرأة، فتشير إلى المعاناة التي تمر بها المطلقة جراء عدم توفير القوة الأمنية المطلوبة لتنفيذ أحكام تمكين شقة الحضانة في بعض الحالات، مطالبة جهات الاختصاص بتنفيذ الأحكام بمجرد صدور الحكم.